عندما كنت طفلة كنت أكره الخريف، مع أني كنت أحب ألوان الغابات التي تحيط بمدينتنا في هذا الفصل، ولم أفهم سبب ذلك إلا عندما كبرت. فقد ارتبط الخريف في ذهني بأزمة الدخول المدرسي التي كان يواجهها والديّ مثلما تواجهها كل الأسر في محيطنا، فالمداخيل محدودة وطلبات المدرسة لا تنتهي، وعدد الأطفال في الأسرة كان كبيرا، إلى جانب الفقر والندرة، فتصبح العودة إلى المدرسة كابوسا حقيقيا حتى بالنسبة إلى الاطفال، ووقتها لم تكن الدولة ابتكرت بعد المنحة المدرسية ولا قفة رمضان، التي لو قدمتها لفقرائها آنذاك لكان الأمر مقبولا بالنسبة لبلد خارج لتوه من مرحلة استعمار، ولكانت هذه الإعانات حلت الكثير من العقد، وساعدت الناس على التغلب على المعظلة التي راح ضحيتها الكثير من الأطفال، أغلبهم فتيات، لم يلتحقوا بالمدرسة بسبب الفقر. وأنا أمّ، صرت أشتري الأدوات والكتب المدرسية أضعافا وكأني سأوزعها على سنوات الحرمان من طفولتي، ولم أنتبه إلى ذلك إلا لاحقا ، فتفاديت التبذير. والخريف مازال يشكل للملايين من الأسر الجزائرية عقدة حقيقية ومصدر قلق، مثلما كان ذلك منذ أزيد من أربعين سنة، وقتها كنا نعاني غلاء الأدوات واللباس وندرة الكتب، التي لم تكن تكفي الأعداد المتنامية للتلاميذ في المدارس، فكنا مجبرين على اكترائها لنعدها في نهاية السنة غير صالحة للاستعمال. ومازالت أزمة الاكتظاظ هي هي لم تعرف طريقها إلى الحل، ومازال العقبة التي تقف في طريق نجاح أية منظومة تربوية في البلاد ، فكل الإصلاحات، بما فيها إصلاحات لجنة - بن زاغو - محكوم عليها بالفشل ما لم تنجز البلاد المزيد من المدارس لامتصاص الفائض من التلاميذ. بعد أزيد من أربعين سنة مازال الجزائريون يشدون على بطونهم مع كل دخول مدرسي، فالمدرسة هي المقياس الحقيقي لحجم المعاناة..