شرع الشيخ في الحديث موجها كلامه للفتى قائلا: لقد كان سؤالك بالأمس يتمثل في الجزء من الحديث النبوي الشريف القائل "الصيام جنة فإن كان يوم صوم أحدكم فلا فرث و لا صخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم " و ما أدري.. يا فتى إن كنت تكتفي بمجمل معنى هاتين الكلمتين " الصيام جنة " فقط أم تحب معرفة تفصيل الحديث ؟ الفتى.. و قد شعر بسعادة لا توصف ترفع نفسه إلى آفاق معرفة أسرار هذا الحديث العميق فقال: أحب يا سيدي إذا سمحت أن أعرف منك معنى الاثنين معا ! ابتسم الشيخ فرحا بطموح الفتى و فضوله ، فهو يريد أن يعرف سر كل شيء و قال له :" الصيام جنة ". إنهما يا فتى كلمتان تشكلان جملة واحدة و تعني يا بني أن الصيام يقي صاحبه، و هذه الوقاية يمكن أن تكون وقاية من نار جهنم في الآخرة ، كما يرى بعض شراح الحديث ، و يمكن أن تكون وقاية من الإصابة بأمراض معدية سببها تراكم الطعام و بقاياه في الأمعاء. ويؤكد الطب الحديث يا بني بأن سموم القولون الأيمن في أمعاء الإنسان وراء أوجاع العضلات و وراء الصداع و الأرق و العديد من أمراض القلب ، والأنواع المرضية التي يعالجها أصحابها عند أطباء مختلفين، و لا أحب يا فتى أن أفزعك بتعداد السموم التي يحملها الدم من الأمعاء ، و كيف تؤذي تلك السموم الغدد ولا سيما الثديين عند المرأة والغدة الدرقية و سائر الغدد الصماء. بل أحب أن أطمئنك يا بني إلى النتائج التي توصل إليها هؤلاء الأطباء حيث يؤكدون أن الصيام من أحسن الطرق العلاجية و النظم الصحية ، و هو لا يوهن الصحة كما يدعي البعض ، بل يحفظها و يقويها و لذلك فرضته الأديان جميعها ، و هو ضروري للأصحاء و المرضى، لذلك لخص الرسول صلى الله عليه و سلم تطور الكشوف الطبية بقوله " الصيام جنة ". هذا يا بني مجمل معنى الكلمتين. أما بالنسبة للتفاصيل ، فنجد أن لنص الحديث طرفا من المعاني الخلقية التربوية التي يفرضها الصيام على الصائم ، فحاول يا فتى أن توجه انتباهك " الصيام جنة فإن كان يوم صيام أحدكم ، فلا رفث ، ولا صخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم " و قد تجد أن عبارات النهي تبدو لك جديدة كأنك لا تعرفها مع أنك قد حفظت نص الحديث عن ظهر قلب، و أعني أن يتفطن لها الجميع في قضايا الصيام ، و غيرها من قضايا الحياة لأن الكثير من اهل زمانك اليوم تجدهم يحفظون النصوص و يحفظونها على حرف واحد ولا يجربون استثمار الخيرات الأخرى في نصوص تراثنا العظيم ، و هنا يبدو للصائم اقتصاد طاقته العصبية في عبارات النهي فلا رفث، و لا صخب، و لا يسب ،و لا يقاتل. فالصائم يا فتى لا يرفث، في وصت الصوم ، والرفث معناه مقاربة النساء و معاشرتهن و هو هنا يعني فحش القول و ما لا يحسن التصريح به من قول أو عمل. والانتهاء عن الرفث يا فتى اقتصاد لطاقة الجسد الحيوية واقتصاد للقبيح من الأقوال و الأفعال. والصائم يا فتى لا يصخب ، أي لا يلغط ، واللغط الكلام الذي لا معنى له و لا فائدة منه ، و الامتناع عنه أيضا اقتصاد للطاقة العصبية التي تصرف فيه والصائم يا بني ، لا يسب والسباب كلام مصحوب بالنرفزة و الغضب و الكراهية و الحقد غالبا و كلها يا فتى ، نيران تأكل الطاقة العصبية ، وللمقاتلة ، يا بني مثل السباب في صرف الأعصاب إذا لم تكن جهادا في سبيل الله ، كما قاتل الصائمون في حرب رمضان المشرفة الفتى: لقد جعلتني و كأنني أقرأ آثار صيامي على كتاب الجسد صحة و على كتاب النفس سعادة ، فشكرا لك يا سيدي