وبات هذا الأمر يدق ناقوس الخطر ويتطلب إعداد استراتيجية عملية دقيقة ومحكمة من قبل الجهات المعنية، وكذا برامج تحسيسية للتكفل بهذه الشريحة وحمايتها من الخطر المعنوي الذي بات يحدق بها بعدما جرفها تيار الانحراف للغوص في عالم الجريمة، حيث أثبتت كل الأرقام لخلايا الأحداث عن تنامي خطير لمنحى الجريمة عند الأطفال القصر، وذلك بالمقارنة بالسنة الفارطة 2007 حيث تم إحصاء تورط 1592 قاصر في جرائم منظمة. وقد تم توقيف 933 قاصر في قضايا السرقة بعدما تورط السنة الماضية 366 قاصر فقط، وتوقيف571 قاصر في قضايا الضرب والجرح العمدي، بعدما تم توقيف السنة الماضية في نفس الفترة 334 قاصر، وتوقيف أيضا 448 قاصر متهمين في قضايا تكوين جمعية أشرار بعدما وصل عددهم سنة 2007 إلى 24 متورط فقط، وتوقيف 472 قاصر في قضايا الحرفة والهجرة غير الشرعية بعدما كان يقدر عددهم في 2007 ب 223 قاصر، وتوقيف 218 قاصرة متورطة في قضايا خاصة بالشرف بعدما تم توقيف 161 قاصرة في 2007 ، وتوقيف 32 قاصرا متورطين في قضايا اغتصاب وتوقيف 166 قاصر آخر في قضايا المتاجرة واستهلاك المخدرات، بعدما كان عددهم سنة 2007 ب 61 متورط، إلى جانب قضايا التهريب بتوقيف 83 قاصرا و قضايا المتاجرة بالأسلحة بتوقيف 8 قصر و توقيف أيضا 29 قاصرا في قضايا السطو على المنازل، و 22 قاصرا متورطا في قضايا الاختطاف. وتعكس هذه الأرقام خطورة الوضع، خاصة أن التحقيقات الميدانية والاختبارات العلمية التي باشرتها فرق الدرك الوطني على مستوى خلايا حماية الأحداث بالولايات، أن معظم المجرمين البالغين دخلوا عالم الانحراف والإجرام في سن الحداثة حيث يبقى العمر الذي يتراوح بين 12 و18 سنة هو العمر الذي يكون الانحراف على أشده وفي أخطر مراحله من عمر الإنسان، وبالنسبة للنمو الاجتماعي للشخص أيضا لأنه يكون قابل للتأقلم مع أي تيار والغوص فيه. من جهتها قامت عناصر خلايا حماية الأحداث خلال مدة 8 أشهر الفارطة من السنة الجارية ب 1885 عملية تدخل بعد إجراء 45 تحقيقا يتعلق بالأحداث وشمل خصوصا الأعمال المخلة بالحياء والاغتصاب واستغلال القصر والضرب والجرح العمدي والهروب من المنازل والسرقة، إلى جانب إجراء تحقيقات اجتماعية خاصة بالظروف المادية والمعنوية للقاصر والتي تعد من بين الإجراءات الضرورية لتتبع ظروف القاصر وذلك من أجل إعادة تأهيله وإدماجه في المجتمع، بالتنسيق مع أخصائيين نفسانيين للتكفل بالحالة على اعتبار أنها قابلة للعلاج والتقويم، خاصة أن العديد من العائلات أصبحت اليوم تتوافد على تلك الخلايا طلبا للمساعدة في إعادة إدماج أطفالها القصر في الطريق السليم بعد ظهور بوادر الانحراف، حيث استقبلت ذات الخلايا من 15 مارس 2005 إلى 30 جوان 2008 و ذلك من تاريخ تأسيسها 52 طلب مساعدة من الأولياء ومن الأولاد أنفسهم، و في هذا الصدد قامت ذات الخلايا المتواجدة على مستوى 3 ولايات هي الجزائر، وهران، وعنابة من إعادة إدماج 222 قاصر من كلا الجنسين في المحيط العائلي و التكفل ب 131 طفل آخر كانوا في خطر معنوي بعد تورطهم في حالات تسول و تشرد، كما تم التدخل في 38 عملية متاجرة القصر بالمخدرات و المشروبات الكحولية، و15 عملية تدخل بعد استغلال و تحريض القاصرات من الفتيات على الفسق والدعارة، كما تم أيضا التكفل ب 65 طفل قاصر كان في حالة تشرد في الشوارع بعد طلاق أوليائهم والتفكك الأسري، و قد تم وضعهم في مراكز متخصصة لحمايتهم من أخطار الشارع والانحراف فيه، كما تمت برمجة 88 جلسة إصغاء مع القصر في مقر الخلايا للأحداث الذين كانوا في خطر معنوي، و قد تم وضعهم تحت المتابعة من طرف أخصائيين نفسانيين للوقوف عند مشاكلهم الحقيقية و لإنقاذهم و إخراجهم من الوضعية المأساوية التي هم عليها. وتساهم من جهتها هذه الخلايا في أيام تحسيسية داخل المؤسسات التعليمية ومراكز التكوين المهني حيث تم تنشيط 335 عملية لتوعية الأطفال القصر بخطورة انسياق وراء الجريمة التي أصبحت أكثر شيوعا، ووصلت إلى حد الاختصاص فيها من قبل القصر، حيث كشف قاضي الأحداث بمجلس قضاء و هران على أنه تتم سنويا معالجة 1000 قضية إجرامية متورطين فيها أطفال قصر أعمارهم تتراوح مابين 10 إلى 18 سنة، حيث يستفيدون من عقوبات مختلفة لإعادة تأهيلهم في المجتمع، فيما تمنح لهم العديد من التسهيلات كعدم التشديد في العقوبة رأفة بمستقبلهم. وقد أرجعت الدراسة التي أجرتها الضابط بلباي غرايسية من القيادة العامة للدرك الوطني حول أسباب انحراف الأحداث إلى عامل الفقر الذي يعد السبب الرئيسي وراء الانحراف لأنه يكبت جميع رغبات الطفل مما يدفعه إلى السرقة والاعتداء على الآخرين لقضاء حاجاته، هذا إلى جانب عامل البطالة بالنسبة للأولياء والذي يكون له دور سلبي في انحراف الأطفال لكسب قوتهم، فضلا عن التفكك الأسري الذي يخلق حالات جفاف عاطفي بالنسبة للأولاد و يدفعهم إلى الانحراف والاختلاط في الشارع، في الوقت الذي أصبحت فيه ظاهرة الانحراف تهدد استقرار المجتمع و الدولة. وقد احتلت في ذلك ولاية الجزائر الصدارة في ظاهرة انحراف القصر تليها ولاية وهران و بلعباس و عنابة و غيرها، فيما تصدرت قضايا الضرب و الجرح العمدي و السرقة، الريادة عند الأطفال القصر في غياب دور العائلة والمجتمع المدني في إرشاد هؤلاء القصر و توعيتهم لحمايتهم من الانحراف و التشرد و الضياع الذي يؤدي في الأخير إلى الجريمة بكل أنواعها.