يشرف رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة خلال أيام قلائل على افتتاح السنة القضائية 2008 -2009 بالمحكمة العليا ،كتقليد سنوي يواظب عليه منذ توليه مقاليد الحكم ،وهي الفرصة التي يستغلها دائما القاضي الاول للبلاد ورئيس المجلس الأعلى للقضاء لمحاسبة القائمين على القطاع ، وتقييم مدى التزامهم بما اتفق عليه للرقي بالمنظومة القضائية وجعلها في مستوى طموحات المواطن بتحقيقها العدالة للمتقاضين كهدف أساسي لها . وهو الموعد الذي يعطي فيه الرئيس توجيهات للقضاة على ضوء ما شهدته السنة من أحداث تختص بالعدالة والتشريع . ولكن تبقى وصية الرئيس الشديدة الأهمية متمثلة في تحقيق استقلالية القضاء وإبعاده عن مختلف الشبهات وتخليصه من الشوائب التي خلفتها أزمة سنين تقارب العشريتين، وجعلت ثقة المواطن في جهاز العدالة في آخر درجات السلم، ولعل قضايا الفساد والرشوة التي تسجلها أروقة المحاكم باستمرار ونوعية الأحكام الصادرة ابرز دليل على أن إصلاح العدالة لم يتحقق بعد ، إذا استثنينا القياس بعدد القوانين والنصوص التشريعية الصادرة حديثا والتي تسارعت وتيرة وضعها بشكل يستحق الذكر . وبالمقابل لابد من قياس درجة الإصلاح التي بلغتها المنظومة القضائية من خلال نسبة تنفيذ الأحكام ونوعية هذه الاخيرة ،وبنسبة ملفات الطعون التي تتلقاها المحكمة العليا، والتي تبلغ سنويا عشرات آلاف الملفات لم يعد للقائمين على المحكمة العليا "نفس' لمعالجتها. وكان الرئيس قد أكد في افتتاحه السنة القضائية المنصرمة أن إصلاح العدالة ليس هدفا في حد ذاته ،وإنما هو وسيلة مرحلية للارتقاء بالقضاء الى مستوى التحديات التي تفرضها عليه التحولات الداخلية والخارجية. وألزم القائمين على المنظومة القضائية على العمل لمواكبة هذا الصلاح تدريجيا وعن كثب بما يمليه الواقع الجزائري من مشاكل تستحق الاهتمام والعناية ومن تأثير التطورات الخارجية، وأوصاهم بالتركيز على محاربة الفساد وإبعاد القضاة عن دوائر الضغط ، والتأثير الذي قد يتعرضون له من طرف بعض المؤسسات. وهو مطلب يرى القضاة انه يتحقق أفضل بتوفير شروط الحياة الكريمة للقاضي وجعله في منأى عن استغلال بعض الأطراف لظروفه. وتميزت السنة القضائية المنصرمة بكثرة الدورات التأديبية للمجلس الأعلى للقضاء التي تمخض عنها عزل وفصل وقهقرة في الدرجات وتوبيخ لعشرات القضاة أكدت التحقيقات أنهم ارتكبوا أخطاء مهنية تمس "بسمعة" الجهاز ، وهي الدورات التي رأى فيها بعض القضاة مبالغة فيها رغم أن نص القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاة لا يحدد عدد الدورات التأديبية المفروض عقدها خلال السنة وإنما يخضعها لعدد الملفات الموجودة على مستوى مكتب المجلس والمتعلقة بالأخطاء القضائية ، كما أن بقاء ملفات القضاة المعنيين بالتأديب قد يبقي على ترقية المظلومين منهم عالقة دون وجه حق . وسيكون افتتاح السنة القضائية أيضا موعدا لتخرج دفعة جديدة من القضاة قد تساهم في تخفيف الضغط الذي يعانيه القضاة الممارسين بسبب كثرة الملفات والنزاعات في انتظار طرح الطرق البديلة لفض النزاعات .