من يعتقد أنه شخص مشهور مخطئ وبعيد عن الواقع .. ومن يكتفي بالشهرة ويثق بها كمن حكم على نفسه بالشطب من سجل الحياة .. وإن كان أول الشهرة لا ألذ منه .. جاه ومال ودلال وتبجيل وتقبيل، فإن آخرها بخار وريح قد يقلب كيانك في لحظة .. وللشهرة أنواع وأدوات تختلف من شخص لآخر .. ثمة من تجعله في قبضة الأنا الفريدة الوحيدة .. حبيس تصوراته الذاتانية .. فتتملكه عقلية : وحدي في البلاد .. وكل ما سواي هو حتما دوني وأقل مني .. والشهرة الخبيثة هي من تجعل صاحبها يفرط في التركيز على الخاص والشخصي وينتقص من قيمة الآخر .. ويميل صاحبها إلى جعل كل الحقائق والوقائع تحت أمرة غروره ونزعاته، بحيث تكون كلمته دائما سيدة مبجلة .. ويشعر أن كل شيء مهيأ له وفي خدمته .. السماء.. الأرض.. البحر.. العباد .. الكل يجب أن يبجله، أن يطيعه، أن يعجب به، أن يثني عليه كل ما يفعله صحيح.. وكل ما يقوم به مبهر .. طبعا فهو دائما الأذكى والأكفأ والأحسن والأجمل وهو الخلوق وهو النشيط وهو العالم والمثقف والمخ .. وما لا يعرفه كثيرون أن الشهرة قد تخون صاحبها وقد تخطط لقتله على نحو ما.. وقد تسكنه في خوف أبدي من أي شيء ومن لا شيء .. ويتحول كيانه الذي كان إلى ثقب على أهبة الامتلاء بأي شيء .. ومن بلي بالشهرة عليه أن ينتقل إلى الرصيف الآخر من شارع الحياة ويشطب مصطلحات كثيرة من قاموسه.. فلا عادت كلمة بساطة تعنيه ولا العادي يهمه .. ولا الحق يشغله .. عليه أن يعي أنها ستلزمه بالنفاق في كل لحظة وانتظار المجهول في أي وقت .. وقد تذهب الشهرة بصاحبها حد تبديد حقيقته .. وإلغاء أصله وفصله .. ولعل أتفه شهرة هي تلك التي يصنعها الإسم والمنصب السياسي السلطوي في غفلة من الوضوح فتأتي صاخبة قوية شامخة .. ثم تأخذ في العودة من حيث أتت وإن بعد عقود كأنها أخطات في العنوان أو أصيبت بصدمة أو خيبة لقاء .. والشهرة في الغالب لغة المسكونين بالفشل .. لغة تأكل تفاصيل النجاح المدرح .. وهي هوس العاجزين عن تحقيق وجودهم بلا عربة تجر مصيرهم .. كل المشهورين قليلا أم كثيرا لابد أن يقفوا ذات صدمة على انقشاع الوهم ووقف المهزلة .. . وقتها سيعودون حتما إلى أنفسهم بعد أن انفصلوا عنها .. ولا أحسن و لا أبقى من أن يدع الإنسان مقدرته الفعلية واسمه الحقيقي يسطر قدره .. ويخط مكانته .. ويعلمه عدم انتظار شيء قد يزيف حقيقته ويبدد قيمته على مرأى منه .. وأي شهرة مهما كانت ومهما دامت لا تمنحك أكثر من هبة فواحة كانت هنا ثم ذهبت .. وهي في الأخير ريح تأتي وتذهب كما وصفها الأديب البرتغالي الشهير بورخيس، حين نال جائزة نوبل .. أزعجته الأضواء وتهافت الصحافة ووسائل الإعلام عليه حتى إنه قال: أنا لم أخلق لشيء مثل هذا القبيل .. وهذا ليس بغريب عن أديب ومفكر منشغل بعالمه وقضاياه مهووسا بوحدته زاهدا في الشهرة، بل كارها لها حتى أن آخر رواياته كتبها عن الشهرة وبطلها شخص يمضي وقته في جمع قصاصات أخبار المشاهير من الساسة والفنانين ونجوم المجتمع .. عله يصبح مثلهم في يوم من الأيام .. ومن أراد الشهرة الحقيقية، عليه ألا يبحث عنها ولا يجري وراءها .. عليه أن يكون نفسه فقط ويخلص لذاته ويحترم وجوده.