لاتزال العديد من الأملاك الوقفية في الجزائر تعاني الإهمال واللامبالاة، والبعض الآخر طاله الاستنزاف بصورة غير قانونية، وصلت إلى حد الاستيلاء عليها من طرف مواطنين ضموها إلى ملكيتهم بالرغم من جدواها ومنافعها الإقتصادية. موثقون خالفوا القانون وأصدروا عقود شهرة لأملاك وقفية كما توضح الدراسة التي تحصلت "الفجر" على نسخة منها، فإن العديد من الأملاك الوقفية في الجزائر لاتزال مسيطر عليها من قبل أشخاص، فبعد الاستيلاء عليها أو إقامة أي نشاط عليها لما يفوق 15 سنة، يقوم هؤلاء وبعد أن يدركوا أن تلك الأوقاف لم يسأل عنها أصحابها أو مالكوها الأصليين الذين أوقفوها أو قاموا بحبسها، استقر بهم المقام، كما أوضح الباحث في الأوقاف وأستاذ الاقتصاد الدكتور فارس مسدور، وهو صاحب الدراسة، في اتصال أمس مع "الفجر"، لدى بعض الموثقين الذين قاموا بالتحايل على القانون، وزوروا عقود الملكية لتلك الأوقاف بإصدار عقود شهرة والإعلان عنها في البلديات وعبر مختلف الجرائد لمدة 60 يوما ليسلموا بعد ذلك "شهادة إشهار" للمالكين غير الشرعيين لتلك الأملاك الوقفية مهما كان نوعها. محلات تجارية مؤجرة بأثمان بخسة والأغلبية لا يسددون قيمة الكراء تكشف الدراسة دائما، ارتكازا إلى معطيات وأرقام خطيرة، مدى استنزاف الأملاك الوقفية والاستهتار باستغلالها الذي وصل إلى حد كرائها وتأجيرها، حسب الدكتور فارس مسدور، بثمن بخس لم يتعد في كثير من الأحوال 100 دينار شهريا، كما هو الحال لبعض المحلات التجارية التي تدخل ضمن الأملاك الوقفية. بعض هذه المحلات مثلا، كما ذكر المتحدث، تقع في وسط مدينة البليدة فيما يعرف لدى العام والخاص "زنقة التوت"، بعض مستغليها كانوا يرفضون وبصورة دائمة تسديد إيجارها، بالرغم من الدنانير الرمزية التي يدفعونها، وحتى إن تغيرت قيمة الإيجار لهؤلاء في الوقت الحالي لتصل في حدود 1200 دينار إلا أنهم يأبون في كل مرة تسديدها. نفس الشيء بالنسبة لبعض المحلات التجارية الكائنة بمنطقة بابا احسن التي يقدر عددها ب 20 محلا، استولى عليها أشخاص من أصحاب النفوذ وحولوها إلى "بازارات" دون حسيب أو رقيب ودون دفع ولا دينار واحد، رغم أن تلك المحلات مصنفة ضمن الأملاك الوقفية. وبلغة الأرقام، تبين الدراسة أن إحصائيات وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لعام 2006 تشير إلى أن 3804 ملك وقفي مستغلة بإيجار (قيمة رمزية لم تتعد 1200 دينار في الوقت الحالي، حسب ما ذكره الأستاذ فارس مسدور)، منها 1018 محل تجاري، 254 مرش وحمام، 2062 سكن و470 قطعة أرض. ما يفوق 1200 ملك وقفي مستولى عليه وأكثر من 400 آخر مهمل دائما وبلغة الأرقام، تكشف الدراسة أن 1254 ملك وقفي ودائما بالارتكاز على إحصائيات وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، منها: 58 محلا تجاريا (12 بسكيكدة، 11 بخنشلة، 8 ببومرداس و7 ببجاية) وهي المناطق التي يوجد بها أكبر عدد. أما السكنات، فنجد 595 سكن، منها (202 ببجاية، 96 بباتنة، 102 ببومرداس، 65 بالبويرة، 24 بالشلف، 18 بكل من جيجل وسيدي بلعباس). أما المرشات والحمامات فبلغ عددها 88، منها (53 بباتنة، 15 بخنشلة، 6 بالبويرة، 4 في كل من سيدي بلعباس وبومرداس). أما الأراضي، فقد بلغ عددها 513 قطعة أرض، منها (500 قطعة بالجزائر العاصمة، 6 قطع أرضية بجيجل، إليزي، سطيف، خنشلة، تيبازة قطعة واحدة، وقطعتين بولاية النعامة). أما الأملاك الوقفية المهملة وغير المستغلة حاليا وفقا لإحصائيات الوصاية وطبقا للدراسة، فبلغ عددها 421 ملك وقفي، منها: 62 محلا تجاريا (22 بأم البواقي، 23 بسكيكدة)، 65 مرشا وحماما (13 ببرج بوعريريج، 10 بباتنة، 8 بتيارت)، 218 سكن (53 بالمسيلة، 24 بباتنة، 17 بجيجل، 15 بالشلف، 14 بالبويرة)، أما الأراضي فبلغ عددها 76 قطعة أرض (29 بأدرار، 14 ببسكرة، 6 بالنعامة). للإشارة، فإن هذه الأرقام تخص المناطق التي بها أكبر عدد من الأملاك الوقفية سواء كانت المستنزفة أو غير المستغلة، بيد أن هناك ولايات أخرى بها أوقاف من هذا القبيل. مراجعة تشريعات الأوقاف ضرورة لابد منها إن الجوانب التشريعية في مجال الاستثمار العقاري الوقفي، لاتزال تحمل بعض الثغرات، فرغم التطور الذي جاء به قانون 01/07 في الاستثمار العقاري الوقفي، إلا أن ذلك يتطلب، حسب الدراسة وصاحبها، ضرورة مراجعة الصيغ المعتمدة من طرف المختصين في الاستثمار الوقفي والتمويل الإسلامي لتصحح الأخطاء الواردة فيه، وضرورة الإسراع في إصدار النصوص التطبيقية التي توضح كيفية تطبيق مختلف المواد، لكن بعد مراجعة دقيقة لها، زيادة على ذلك يجب توسيع صيغ الاستثمار الوقفي بما يتوافق وتطور صيغ التمويل الإسلامي، والتأكيد على أن التمويل الخارجي المعتمد يجب أن يحترم قواعد الشريعة الإسلامية، خاصة في مجال الربا. وفي الأخير، فإن ترقية الاستثمار الوقفي لا يعني الاهتمام بالصيغ التمويلية فقط وإنما يجب أن تؤخذ المجالات الاستثمارية بعين الاعتبار. تجدر الإشارة إلى أنه منذ الاستقلال إلى يومنا هذا صدر 22 نصا قانونيا لحماية الأوقاف، لكن دون فائدة.