عرفت منطقة "خنقة سيدي ناجى" بمورد النعام تونس الصغيرة، أما الخنقة اسم جغرافي يعنى الفج أوالمضيق بين جبلين، تقع هذه المنطقة الخلابة بالجنوب الشرقي للاوراس على الضفة الشرقية لواد العرب، وهي تابعة لدائرة "زريبة الوادي" وتبعد عنها ب25كم، تأسست خنقة سيدي ناجي عام 1946 ويقطنها حاليا خمسة آلاف نسمة كانت خنقة سيدي ناجي قبل تأسيسها عبارة عن غابات ونباتات متنوعة من أشجار العرعار والقصب تحيط بها الجبال من جميع الجهات، و يجري بها "وادى العرب"، وعرفت بمورد النعام لرؤية رآها سيدي لمبارك في المنام طلب منه فيها التوجه إلى هدا المكان فوصلها مع عدة قبائل صدراتة هزابرة رهانة دريد زناتة رقة شهد مع بداية القرن الحادي عشر للهجرة الموافق ل1010ه 1602م بني بها زاوية للصلاة لتعليم ونشر الطريقة الناصرية الشادلية، فجعل منها مركزا للعلم والمعرفة فبلغت مبلغا قل ما وصلت إليه أي منطقة في تلك الحقبة. وبعد وفاته عام 1031ه 1622م واصل ابنه سيدي احمد بن المبارك تعميرها، وظهرت البلدة في أول صورها على شكل حي صغير يدعي "كرزدة" يؤمون إليها شتاءا ويرحلون عنها صيفا، وأصبح فيما بعد أحد أحيائها العريقة وقسمت خنقة سيدي ناجي إلى خمسة أحياء كرزدة، والسوق، وموسى، وصدراتة والواتة، وأما حارة الحبس فقد تركت وفقا على من قصدها و لم يجد مأوى. واد العرب مصدر نشاط المنطقة كانت الفلاحة تعتبر أهم مصدر لجلب القوت والرزق وخاصة منتوج التمر المعروف بالتمر الذهبي العلكى، وكذا الحبوب من قمح وشعير، حيث تلك المنتجات تلقى رواجا كبيرا في السوق المحلي للبلدة الذى يؤمه التجار من أنحاء القطر وكذا من الدول المجاورة، أما الحرف فتنتشر بكثرة في المنطقة منها الصياغة والحدادة والصيدلة أين اشتهرت عائلة "قوبيح" التي استخدمت الأعشاب الطبية، إضافة إلى ذلك اشتهرت الخنقة بصناعة العطور والرياضة من سباق الخيل الصيد السباحة. لكن ما قيل عن البلدة بأن الفلاحة أهم مصدر لجلب القوت والرزق خاصة التمر الذهبي العلكي أو دفلة نور، الواقع يثبت العكس، حيث أكد لنا السيد سالمي أنه تتواجد في المنطقة حوالي ألف نخلة مهددة بالزوال بعد بناء سد " بربار واد العرب" الذي يعرف أيضا ب " الواد الشرقي و الغربي" والذي كان مصدر ومنبع الحياة بالنسبة للمنتجين الفلاحيين، أما حاليا فأصبحت هذه الأراضي والسهول الخضراء والواحات إلى أراض شبه قاحلة لم يبق منها سوى خيال بعض الأشجار اليابسة، حيث قال عمي طاهر وعلامات الحزن والأسى بادية على وجهه " بدون أن أحكي تاريخ المنطقة شاهد على كل شيء والأعين ترى الآن الواقع لما آلت إليه المنطقة الخنقة التي يضرب بها المثل بتراثها". المدرسة الناصرية مصدر إشعاع وعلم كانت هذه البلدة بمثابة مصدر إشعاع يحج إليها طلاب العلم من كل ناحية حيث كونت رجالا خدموا الوطن ساعة العسر واليسر وكانت لها مكانة مرموقة وتعتبر المدرسة الناصرية التي بنيت على يد الشيخ "احمد بن ناصر بن محمد بن الطيب" مركزا لإشعاع العلم الشرعي وبها خمسة عشرة غرفة لطلاب العلم من البلدة وخارجها وقد تخرج منها حسب ما قيل العديد من العلماء تابع بعضهم دراساتهم في جامع الزيتونة بتونس والجامع الأزهر ومن بين أشهر العلماء الدين تخرجو منها في كافة العلوم الملكي بن صديق بلمكى سيدى خليل وحكم سيدي عبد الحفيظ ....الخ، إضافة إلى مسجد سيدي لمبارك هناك عدد من المساجد القديمة مثل زاوية السيخ عبد الحفيض الونجلي ناشر الطريقة الرحمانية في القرن الثامنة عشر هجري ومسجد السوق الذى تم بناؤه خلال القرن الثامنة عشرة ميلادي ونظرا لمكانة البلدة في العهود العابرة فقد تغنى بها العديد من الشعراء ورثو لحالها في الأزمنة الحديثة مثل الشيخ خليفة بن حسن القمارى فقيه الصحراء الذي أفتى بتغريم السارق بالقيافة الحرة. "الخنقة" شاهدة على أول تنظيم إرهابي في الجزائر حسبما روى لنا أحد سكان المنطقة منذ هجرة سكانها في بداية التسعينيات، بقيت "الخنقة" معقلا لعناصر الجماعات المسلحة نتيجة نزوح سكانها بداية من ثمانينيات القرن الماضي، حيث اتخذوها مأوى لهم ومن خلالها استطاعوا تنظيم أنفسهم واستخدامها كمعبر للتنقل إلى المناطق المجاورة، كما كانت المنطقة مسرحا للاشتباكات بين عناصر هذا التنظيم وقوات الأمن الوطني، وجعلوا منها منطقة محرمة على السكان. أسطورة في طي النسيان بعد تنقلنا إلى داخل المدينة بمرافقة عمي سالمي المجاهد سابق مرنا على طريق "بويا احمد" و يعود اسم هذا الطريق إلى احد أولياء المنطقة ثم دخلنا إلى حارة موسى والسوق أين شاهدنا حقيقة روعة وأناقة الهندسة المعمارية للبلدة وكما واصفها عبد الله سالمي بالقصبة في الصحراء وبعد ذلك رافقنا إلى دار كبير بمثابة قصر وهو منزل الزعيم ويعود بناء المنزل إلى حوالي قرنين من الزمن وهو مبني بالأحجار والطين وسقفه بالعرعار ويتراوح سمك جدرانها حوالي ثمانين سنتمتر، سكت عبد الله سالمي قليلا ثم قال حقيقة خنقة سيدي ناجي أسطورة في ظل النسيان، وبعدها تنقلنا إلى برج السطحة وهو معلم من معالم التاريخية للمنطقة.،وحسبما قيل هو برج سكنه أحد زعماء أتى من تونس واستقر فيه. قد شاهدنا من خلال البرج كل المدينة أين توقفنا نتأمل هذه التحفة الفنية التي صنعت التاريخ ورافقها جمال واد العرب، ورغم أن معظم سكناتها مهدمة إما بفعل إلاستعمار أو الطبيعة الخنقة عرضة للزوال. شباب طموح يعاني التهميش نظرا لصعوبة الحالة الاجتماعية والفقر وقسوة الطبيعة، هاجر معظم سكان البلدة إلى مختلف أنحاء الوطن، وهذا بداية الثمانينيات، وامتد النزوح إلى غاية التسعينيات. وبقيت العائلات التي قطنت "الخنقة الجديدة" التي تبعد بحوالي 2 كيلومتر عن الخنقة القديمة، وبعد تقربنا للحديث مع شباب المنطقة ظهرت على وجوههم علامات اليأس فقدان الأمل.. حيث قال سعيد "حقيقة أن البطالة أعاقت شباب الخنقة وكأننا مهمشين على هذه الأرض".. و هذه الكلمات وترادفت من كل شاب تقربنا للحديث معه وكل آمالهم معلقة على "الخبزي" وهو رجل أعمال في المنطقة الذي وعدهم بإنشاء مصنع للفخار والنفخ في الزجاج. تركنا شباب الخنقة وكلهم أمل في غد مشرق لهم ولبلدتهم " الأسطورة" التي ما تزال في طي النسيان. 29 مليار سنتيم لدفع عجلة التنمية بالمنطقة بعد تنقلنا إلى السلطات المعنية للاطلاع أكثر الوضعية التي تعيشها "مورد النعام" تونس الصغيرة صرح والي ولاية بسكرة ل "الفجر" أن الدولة خصصت غلافا ماليا يقدر ب 29 مليار سنتيم موزع على مشروعين، الأول يتمثل في بناء مركز الامتياز خصص له ملياري سنتيم يهدف إلى تكوين شباب المنطقة في الصناعة التقليدية ومختلف الحرف، أما المشروع الثاني الذي خصص له باقي المبلغ يهدف إلى ترميم سكنات " خنقة سيدي ناجي"، وهذا بالتنسيق مع وزارة الثقافة. و يتساءل سكان المنطقة هل سيتحقق حلمهم بإعادة النشاط والحيوية لهذه الأسطورة؟.