ولد إيتيان سفيد بالمجر عام 1914 وفي 1930 التحق بورشة الفنون الغرافية بالعاصمة بودابست. غداة الحرب العالمية الثانية و بداية توسع الجيوش النازية بأوربا الشرقية لجا ايتيان سفيد إلى مصر عام 1938 أين استقر على ضفة النيل حتى عام 1946. و هناك اشتغل بجريدة "التقدم المصري" حيث نشر الكثير من الصور الكاريكاتورية قبل أن ينتقل إلى فن التصوير الفوتوغرافي. سنة 1954 نشر ايتيان سفيد كتابا يضم أهم صوره حول بلاد الفراعنة تحت عنوان "مصر وجها لوجه" مع نص تأملي للكاتب تريستان تزارا( مؤسس حركة الدادية بفرنسا و احد رواد المذهب السريالي بأوربا). مع انتهاء الحرب العالمية الثانية انتقل ايتيان سفيد إلى فرنسا أين أقام دار نشر خاصة به تهتم بالتصوير الفوتوغرافي إلى غاية وفاته عام 1996. في عام 1951 خلال زيارة عائلية قادته إلى الجزائر العاصمة دامت ستة أسابيع بين شهري مارس و افريل استسلم ايتيان سفيد لرغبته الملحة في التصوير و راح يلتقط كل ما يدغدغ أحاسيسه. انطلاقا من العاصمة و وصولا إلى بوابات الصحراء مرورا بمنطقة البليدة القبائل الكبرى و سيدي عيسى نقل ايتيان سفيد مشاهدا واقعية عن يوميات الأهالي في مختلف دروب الحياة. يضم كتاب "الجزائر بلد في الانتظار" إلى جانب صور ايتيان سفيد تعاليق ثلاث شخصيات ثقافية جزائرية بارزة ذات مشارب مختلفة، وهم على التوالي : المؤرخ بنجامين ستورا الشاعر، والناقد مالك علولة، والروائية مايسة باي. تبرز صور ايتيان سفيد وجوه أشخاص خيل لي أنني أعرفهم.. الأماكن لم تكن غريبة عني أزقة القصبة، حديقة التجارب بالحامة، سهول متيجة، حقول القبائل، سوق المواشي بسيدي عيسى، واحة بوسعادة، وسحر ضوء الجنوب. شعرت للحظة أنني كنت موجودا داخل تلك الصور. شعرت برغبة في العيش أين لا يمكنني أبدا أن أكون. كانت الصور صادقة ومعبرة وكان المصور جد محترف. كنت أقلب صفحات الكتاب وأتمنى عدم بلوغ نهايته. كنت أحاول أن أهجر ذاتي وحاضري كي أنغمس في صفاء الماضي البعيد. كانت رحلة وكانت الصورة اصدق من ألف حديث. "وأنا أتمعن في هذه الصور.. كنت أسمع ثغاء سوق المواشي، صخب ونداءات السوق المغطاة، جعجعة المطحنة صفير الريح.. أشم رائحة الجلابة القروية دخان الحافلات والسيارات، أستنشق الغبار الصاعد، أستمتع بصوت القرقابو والاستعراض" كتب مالك علولة (ص 72). من خلال صور المجموعة كانت حياة الأهالي حاضرة بمختلف أطيافها. نلاحظ بعمق إلمام المصور إيتيان سفيد بتفاصيل الحياة اليومية: اللباس الشكل المعماري للمدينة و الحياة المهنية من خلال الحرف البسيطة. كثيرون هم الذين عبروا عن الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية سواء بالشعر أم بالقصة أم باللوحة. كل مبدع ينظر إلى الواقع من نافذته الخاصة. لكن من النادر جدا أن نعثر على صور فوتوغرافية تحمل حساسية مرهفة وتترجم هواجس شعب مقاوم. صور صارت اليوم جزءا من تاريخنا المعاصر.