وإذا كان الأمن بهذه المثابة، فإن الله سبحانه قد حَرَّم ترويع المسلم وإخافتَه، سواء كان هذا الترويع بالقول أو بالفعل، وسواء كان على سبيل الجد أو اللعب، فقد رُوِيَ عن النعمان بن بشير، قال: ''كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير، فخفق رجل ''أي نَعِسَ'' على راحتله، فأخذ رجل سهمًا من كِنانته، فانتبه الرجل ففَزِع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''لا يَحِلُّ لرجل أن يُرَوِّعَ مسلمًا''، ورُوِيَ عن أبي الحسن البَدْري قال: ''كنَّا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رجل، ونَسِي نعلَيْه، فأخذهما رجل فوضعهما تحته، فرجع الرجل فقال: نَعْلِي، فقال القوم: ما رأيناها، فقال: هو ذا، فقال صلى الله عليه وسلم: فكيف برَوْعَةِ المؤمن؟ فقال: يا رسول الله إنما صنعتُه لاعبًا، فقال صلى الله عليه وسلم: ''فكيف بروعة المؤمن؟ قالها مرتين أو ثلاثًا''. وهذا يدل على أن ترويع المؤمن أمر عظيم، ولهذا بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث أُخَر أن ترويع المسلم ظُلْم عظيم، يستَوْجِب إخافة فاعله يوم القيامة، وعدم تأمينه من أفزاع هذا اليوم الكثيرة، فقد رُوِيَ عن عامر بن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ''لا تُرَوِّعُوا المسلم؛ فإن رَوْعَة المسلم ظلم عظيم''، ورُوِيَ عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ''مَن أخافَ مؤمنًا كان حقًّا على الله أن لا يُؤَمِّنَه من أفزاع يوم القيامة''. وحُرْمة ترويع المؤمن متحقِّقة، ولو كان بمجرد النظرة التي قُصِد منها الإخافة، وتشتد الحرمة إذا كان الترويع إشارة بالسلاح أو بما أجريَ مجراه من الحديد أو نحوه، لِما يترتَّب على هذا من التسبُّب في إفزاع المؤمن بغير حق، ولهذا فقد رُوِيَ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''مَن نظر إلى مسلم نظرةً يُخيفه فيها بغير حق أخافَه الله يوم القيامة''، كما رُوِيَ عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ''لا يُشير أحدُكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يَدري لعل الشيطانَ يَنْزِعُ في يده ''أي يَرْمي ويُفْسِد'' فيقع في حفرة من النار. وإذا كان مجرد ترويع الآمنين مُحَرَّمًا، ولو بمجرد النظرة المخيفة، فإن هذا يدل على أن ترويعَه بالأصوات المُنكَرة، أو انتهاك حُرْمته، أو الاعتداء على نفسه، أو على عضو من أعضائه، أو على ذي قرابة منه، أو على ماله، أو عمله أشد حُرْمَة وإثمًا، وأن فاعله يستحق اللعن والوعيد الشديد الوارد في الأحاديث السابقة لعِظَم جُرْمه وظُلْمه.