بعد المؤامرة العلمية التي حدثت في الأفلان سنة 1996 عقد هذا الحزب مؤتمره•• وذهبت كالعادة كصحفي لأكون شاهد زور على عقد هذا الحزب مؤتمره الديمقراطي••! وصلت إلى باب قصر الأمم فوجدت عند مدخل القصر أحد النكرات النضالية السياسية يشرف بنفسه على تفتيش أعضاءالمؤتمر والتحقق من هويتهم قبل السماح لهم بالدخول••• لأن أصحاب المؤامرة العلمية كانوا يخافون من تسلل بقايا ضحايا المؤامرة العلمية إلى هذا المؤتمر••! وقد هالني ما رأيت•• رأيت نكرة سياسية ونضالية وأستاذ في الانتهازية يفتش المرحوم رابح بيطاط ويتحقق من هويته قبل أن يدخل إلى القاعة••• لعله يكون من المتسللين إلى المؤتمر ••! ورأيت المرحوم بيطاط يقوم بتنفيذ ما يطلبه هذا النكرة من معلومات•• "كالبادج" وإفراغ الجيوب من الوسائل الحادة•• كالموس•• ومقلم الأظافر ••! عندها عرفت أن جبهة التحرير انتهت كحزب سياسي وقفلت راجعا•• ولم أحضر مؤتمر هذا الحزب حتى كصحفي لأنني أدركت أن هذه الجبهة التي تفتش أحد مؤسسيها الأساسيين بيطاط لا بد أن تكون غير الجبهة التي يعرفها الشعب الجزائري•• ويعرفها بيطاط•• وأن المؤامرة العلمية هي بالفعل مؤامرة علمية باتجاه تمكين الجهلة من الحزب••! وبسط سيطرة الإنتهازيين والإنتفاعيين عليه! هل سمعتم أن حزب البعث في سوريا أوفي العراق فتش ميشال عفلق قبل دخوله إلى مؤتمر الحزب للتأكد من هويته؟! تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع أخبار جبهة التحرير وهي تتدحرج في منحدر التيه السياسي وسط جحافل المصفقين للرداءة والهزال وسوء الحال..! الفراغ السياسي هو الذي جعل طرابنديست ديني مثل عمرو خالد ينزل فاتحا للجزائر••! ويقول للناس: إن الجزائر مقبلة على أحداث كبرى•! ولكن لا يقول ما هي هذه الأحداث•• ويتركنا نخمن كيهود موسى •• مالون هذه الأحداث •• ولكنه يضمن نصائحه (الغالية) لشباب الجزائر بالتمسك بالوحدة الوطنية••! وبالبر بالوطن•.! وبالمقابل تقول الأخبار إن السفارات الغربية العاملة في الجزائر بدأت تتحسس ما يجري في الجزائر••• وأن الداخلية الجزائرية تتحسس هي الأخرى هذه السفارات المتحسسة••! وعندما تعرف الصحافة الوطنية هذا الخبر من الواجب الوطني أن تكشفه للناس••! ولعل هذا هو المقصود بالمادة التي تقول في قانون الإعلام "الإمتناع عن نشر أخبار تمس بالمصلحة الوطنية العليا•• فعندما تراقب الداخلية نشاط السفارات فذاك هو واجبها الوطني لكن على الصحافة أن لا تكشف الداخلية لصالح السفارات إذا عرفت ذلك••لأن ذلك هو عين قلة الوطنية أولنقل قلة المهنية الوطنية؟! مشكلة الجزائر اليوم هي أنها دخلت في نفق التصحر السياسي•• لأن الأحزاب لم تعد تمارس السياسة بل أصبحت تمارس الإنتهازية والتضليل والرداءة أكثر مما تمارس السياسة•.! والصحافة هي أيضا بدأت تنزل نحو اللامهنية في الممارسة الإعلامية••! الصحافة أصبحت تطبل لكل واحد من الخارج حتى ولو كان ترابنديست ديني أواقتصادي أوثقافي••• ويحدث ذلك لأن البلاد بلا موضوع•• بلا مشروع ••بلا برنامج•• بلا أفق سياسي أواقتصادي••! نعم•• الحرية الإعلامية مسألة حيوية•• لكن الحرية الإعلامية ينبغي أن تتم ضمن الأطر التي تضمن مصلحة الأمة•••! وهل من مصلحة الأمة أن تروج لكل ماهو قادم من الخارج بلا وعي وبلا دراية ••! إننا في الجزائر نفقد شيئا فشيئا كل المكاسب السياسية والإعلامية المتصلة بالحريات•• ويحدث هذا ليس بسبب ممارسات السلطة وحدها بل أيضا بسبب سوء ممارسة السياسة من طرف السياسيين وسوء ممارسة الإعلام من طرف الإعلاميين••! فوضعنا المهني في السياسة وفي الإعلام يتدهور بصورة رهيبة•• ومساحات الحرية تتقلص•• ويحدث ذلك على أيدي السياسيين وعلى أيدي أشباه الإعلاميين أيضا••! قارنوا المرشحين للرئاسيات في 1999 بالمرشحين للرئاسيات سنة 2004 ••! وقارنوا المرشحين للرئاسيات سنة 2004 بالمرشحين للرئاسيات اليوم•• قارنوا ذلك وأنتم تعرفون مستوى التدهور السياسي الحاصل•• وهو تدهور ليست السلطة وحدها المسؤولة عنه••• والتدهور السياسي هذا لا يوازيه سوء إلا التدهور الإعلامي••! وعندما تجدون مسؤول صحيفة ينشر لنفسه 12 صورة في صحيفته تدركون حجم اللامهنية الحاصل في الصحافة والذي قد يتجاوز ما حصل في السياسة؟!