يجب التوجه نحو نموذج جديد للاقتصاد الوطني المؤسسات الوطنية تكبدت خسائر فادحة بسبب الحراك التضامن ضروري بين الجزائريين لتفادي ارتفاع الأسعار أطراف تستغل الفوضى الحاصلة لتهريب الدوفيز حذر الخبير الاقتصادي، إسماعيل لالماس، من تضييع وقت طويل في الوصول إلى شرعية سياسية شعبية تسمح للحكومة المقبلة بوضع آليات الإقلاع الاقتصادي، لأن الوقت يضغط في اتجاه إغراق البلاد في متاهات اقتصادية خطيرة. رئيس جمعية الجزائر استشارات للتصدير، أكد في حوار ل السياسي ، أن الحكومة المقبلة ستستلم قنبلة اقتصادية موقوتة، قياسا بالتركة التي ورثها عن السلطة الحالية في الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية، وهنا اقترح محدثنا جملة من الآليات للخروج من هذا المأزق. الإستقرار السياسي أهم معايير الإستثمارات ما تحليلكم لوضع الاقتصاد الوطني بالموازاة مع استمرار الحراك الشعبي المطالب بالتغيير؟ حقيقة، الوضع الاقتصادي في خطر منذ سنة 2014 بسبب تراجع إيرادات النفط، الأمر الذي اثر كثيرا على النشاط الاقتصادي في بلادنا، ولذلك وجب اليوم الذهاب نحو وضع نموذج جديد للاقتصاد الجزائري من اجل أن يجنبنا أزمة أعمق من هذه، لأن الحراك الشعبي يؤزم الوضع الاقتصادي أكثر فأكثر ويؤدي لارتباك في مجال التوزيع، هذا كون أهم المعايير الأساسية للاستثمارات هي الاستقرار السياسي. توقيف الميترو والترامواي والقطارات خلّف خسائر فادحة ما تقديركم للخسائر المالية التي تكبدتها الدولة والمؤسسات الاقتصادية بسبب المظاهرات والإضرابات العمالية المستمرة منذ 22 فيفري الماضي؟ أعتقد أن الحياة الاقتصادية في الجزائر مستمرة رغم تواصل الحراك لأكثر من شهر لسبب معلوم، وهو أن مداخيل الجزائر من العملة الصعبة لم تتضرر لحد الآن لأن قطاع الطاقة يسير بطريقة عادية، لكن بالنسبة للقطاعات الأخرى وخاصة الخدماتية، فأكيد أنها تكبدت خسائر مادية معتبرة بسبب المظاهرات والإضرابات، ونذكر على وجه الخصوص قطاع النقل، حيث من غير المعقول إقدام الحكومة على توقيف نشاط الميترو والترامواي وشبكة السكك الحديدية أيام الجمعة بسبب مظاهرات شهد العالم كله على تحضرها وسلميتها، إذن فالخسائر موجودة في القطاع التجاري والخدماتي، لكن من الصعب تقديرها بأرقام. الإضراب العام خطر كبير على الاقتصاد الوطني تتزايد يوماً بعد يوم الدعوات إلى الإضراب العام وشل القطاعات الحيوية بفعل الإنسداد السياسي.. في حال حدوث هذا السيناريو، كيف سيكون أثره على الاقتصاد الوطني؟ الجزائريون لا يزالون لحد الآن في مرحلة المظاهرات وهم يترقبون الاستجابة لمطالبهم المشروعة والمتمثلة في رحيل النظام، وهو مطلب مستعجل بلغة الاقتصاد لأن الوضعية غير القانونية التي تعيشها البلاد تضر كثيرا بالاقتصاد الوطني كما سبق الإشارة له، ولذلك أطالب النظام بضرورة الاستجابة لمطالب الشعب فورا من اجل تفادي لجوء المتظاهرين لأساليب أخرى تعتبر أضرارها عنيفة على الاقتصاد الوطني، حيث أن ما يسمى ب العصيان المدني يؤدي إلى شل نشاط الشركات الكبرى والموانئ والبنوك والمطارات وستكون عواقبه وخيمة على بلادنا. كيف تتوقعون أن تكون آثار الحراك الشعبي على مناخ الإستثمار في الجزائر؟، وهل ستؤدي الأزمة السياسية إلى عزوف الأجانب عن ضخ أموالهم في بلادنا؟ المتعامل الأجنبي وحتى الجزائري لا يمكن أن يجازف باستثماراته إلا في مناخ مستقر سياسياً واجتماعياً، وهو ما يحتم ضرورة عدم تضييع وقت طويل في الوصول إلى شرعية سياسية شعبية تسمح للحكومة المقبلة بوضع آليات الإقلاع الاقتصادي، لأن الوقت يضغط في اتجاه إغراق البلاد في متاهات اقتصادية خطيرة. تتصدر المخاوف من ارتفاع الأسعار في المشهد الاقتصادي بعد إعلان البنك المركزي قبل نحو شهرين تعويم الدينار بشكل موجه.. ما هو الحل، حسبكم، لحماية القدرة الشرائية للجزائريين؟ التضامن في هذه المرحلة الحساسة أكثر من ضروري بين الصناعيين والتجار والمواطنين لتفادي ارتفاع الأسعار، في ظل غياب الحلول الاقتصادية للحكومة الغائبة وغياب الحوكمة، وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأزمات بفعل غياب تنظيم حقيق للسوق المحلية، هذا بالنسبة للحلول الظرفية. أما الحلول الدائمة، فتتمثل في كسب رهان مجموعة من الاقتراحات من أجل الوصول إلى توازن كلي وفي مقدمتها القضاء على الاقتصاد الريعي، وخلق اقتصاد متنوع وتطوير الإنتاج المحلي الذي يؤدي لرفع المستوى المعيشي للجزائريين، وهذا يكون طبعا بالذهاب لأقرب وقت إلى الشرعية الدستورية وتصحيح الوضع السياسي أولا. تحدثت العديد من التقارير عن خروج بعض رؤوس الأموال المحلية والأجنبية من البلاد بفعل التخوفات من مصير الحراك الشعبي.. ما هي الآليات التي يجب تطبيقها، حسبكم، لوقف نزيف الأموال من البنوك؟ كل المؤشرات الاقتصادية تؤكد الارتباك الحاصل في أوساط رجال الأعمال والمستثمرين، فالدينار الجزائري انخفض إلى مستويات تاريخية بفعل الطلب الكبير على العملة الصعبة في هذا الظرف، وكما هو معلوم فإن العديد من رجال الأعمال يسلكون طرقا غير رسمية لنقل أموالهم من خلال تضخيم فواتير الاستيراد على وجه خاص، ولذلك فأنا أناشد مسؤولي البنوك في الجزائر بتوخي الحذر وضرورة مراقبة عمليات الاستيراد بشكل دقيق لعدم ترك المجال أمام عمليات تهريب الدوفيز ، كما نطالب الجمارك وشرطة الحدود بمزيد من الحذر واليقظة ومضاعفة المجهود في هذا الظرف الصعب الذي تعاني منه البلاد، حتى لا يتم استنزاف ما تبقى من احتياطات الصرف، كما نحذر الإطارات على مستوى الوزارات من استغلال الفوضى الحاصلة من أجل القيام بتعيينات جديدة ومنح مشاريع بتواريخ قديمة وندعوهم للتحلي بالروح الوطنية والحس المدني. تصاعدت التحذيرات من خطورة التركة الاقتصادية الثقيلة التي ستتسلمها أي سلطة جديدة في ظل استمرار العجز المالي، تآكل احتياطي الصرف وتهاوي قيمة الدينار.. ما هي الآليات التي تقترحونها على الحكومة الجديدة لتجاوز هذا الوضع؟ حقيقة، الحكومة المقبلة تنتظرها تحديات كبرى في المجال الاقتصادي الذي يعتبر سيئا مع تراجع احتياطي الصرف بصفة كبيرة وصل إلى اقل من 80 مليار دولار وهذا لا يكفي لمدة سنتين، وهنا أرى أن أكبر تحديات السلطة التي سيفرزها الحراك الشعبي هي التوازنات الكبرى للاقتصاد الوطني، في ظل تقلص مخزون النقد الأجنبي وارتفاع مؤشرات التضخم، والعجز المستفحل في مختلف الحسابات. لذلك، يجب على الحكومة المقبلة كسب رهان مجموعة من الاقتراحات من أجل الوصول إلى توازن كلي وفي مقدمتها القضاء على الاقتصاد الريعي. وهنا يجب بناء نموذج اقتصادي جديد مبني على محورين، المحور الأول هو تصحيح الوضعية والثاني تطوير الاقتصاد بالاعتماد على الطاقة الايجابية للمواطنين منذ 22 فيفري، واستهداف قطاعات معينة لتطويرها. وهنا أدعو ناشطي الحراك الشعبي إلى أخذ الرهانات الاقتصادية بعين الاعتبار في حملة الضغط الشعبي على السلطة، باعتبارها ستكون السند الحقيقي لأي حكومة مستقبلية، كما يتوجّب على الحراك الشعبي عدم استهلاك الكثير من الوقت في تحقيق مطالبه المرفوعة، لأن البلاد تنتظرها تحديات اقتصادية كبيرة ومعقدة، في ظل الاختلالات المتفاقمة في الاقتصاد المحلي. فمهما كان شكل وشرعية الحكومة المقبلة، فإنها ستستلم قنبلة موقوتة، قياسا بالتركة التي ترثها عن السلطة الحالية في الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية، لذلك القرار الاقتصادي القادم يتوجب أن يكون حكيما ورزينا، وإلا كان مصيرها الانهيار. كنتم من أبرز الخبراء المحذرين من آلية طبع الأموال، كيف تتوقعون مستقبلها بعد رحيل أويحيى وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني؟ طبعا، لقد حذرت من قبل من تداعيات خطيرة للمغامرات التي أقدمت عليها الحكومة المستقيلة، والمتمثلة في اللجوء إلى التمويل غير التقليدي، الذي سيكون وبالا على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المستقبل القريب، لكن لا حياة لمن تنادي، فحكومة اويحيى أصرت على هذا الخيار الخطير. آلية التمويل التقليدي أو طبع الأموال، ولو أنها معترف بها دوليا، لكن في إطارات وظروف معينة لا تتواءم مع طبيعة الاقتصاد الجزائري، وهنا بدا واضحا أن الحكومة ضحت في ظل هذه الظروف بالقدرة الشرائية للمواطنين، من منطلق أنّ الإفراط في استعمال هذا الأسلوب سيلهب الأسعار ويهوي بقيمة العملة الوطنية، ويعصف بالقدرة الشرائية للجزائريين. هذه العملية تؤكد على غياب الحلول العملية والتقنية لدى الحكومة من أجل تمويل الاقتصاد، لاسيما في ظل تراجع مداخيل البترول، فالأجدر أنه كان على الحكومة استعمال هذه الطريقة بشكل ظرفي لا يتجاوز سنة واحد في أقصى الظروف، باعتباره حل استثنائي شريطة اتخاذ الآليات التي من شأنها امتصاص حجم الكتل النقدية المطبوعة والمطروحة للتداول في السوق، عبر الاهتمام بتنمية الأنشطة الاقتصادية، بدلا من الاكتفاء فقط بطرح هذه الكتل من النقود على مستوى السوق، كما أن الدول التي استعملت التمويل غير التقليدي تختلف كلية عن الجزائر من الناحية الاقتصادية، فضلا عن كونها كانت تعاني من حالة انكماش وتراجع للأسعار، وهو عكس التضخم، وعلى هذا الأساس فقد كانت تهدف عبر طباعة النقود إلى تشجيع الاستهلاك لتحفيز الدورة الاقتصادية على الإنتاج، الأمر الذي لا ينطبق على الوضع في الجزائر، من منطلق أنّ الأسعار تسجل حاليا ارتفاعا كبيرا.