أحزاب وشخصيات تقرر عدم المشاركة أمام الرفض الشعبي تتجه الأنظار اليوم إلى نادي الصنوبر بالعاصمة، أين تنظم رئاسة الجمهورية ندوة وطنية بمشاركة يرتقب أن تكون ضعيفة لأحزاب سياسية وشخصيات وطنية وممثلي المجتمع المدني حول الأوضاع السياسية في البلاد، قياسا بالكم الهائل من بيانات المقاطعة التي تم إصدارها عشية انطلاق هذه المشاورات، التي وصفها العديد من السياسيين والنشطاء، بالغير مجدية، في وقت يتمسك فيه الملايين من الجزائريين برحيل كل وجوه النظام الأسبق. ووجّهت رئاسة الجمهورية دعوات ل 100 شخصية وطنية وخبراء وشخصيات مختصة في القانون الدستوري، فضلا عن الأحزاب السياسية، للتشاور حول آليات توفير أجواء شفافة تحضيراً لرئاسيات الرابع من جويلية المقبل، لكن كفة هذه الندوة مالت بشكل كبير لدعاة المقاطعة، بمقابل ترحيب عدد ضئيل من الأحزاب والمنظمات من قوى الموالاة التي كانت تدعم سياسات النظام السابق. وجاء في نص الدعوة التي وجهتها رئاسة الجمهورية للمشاركين في الاجتماع: كما تعلمون، وتحسبا لإجراء انتخابات رئاسية في اجل لا يتعدي التسعون يوما، طبقا لنص الدستور، التزم رئيس الدولة باستجماع كل الشروط القانونية الضرورية لاجراء انتخابات رئاسية شفافة ونزيهة تتيح لشعبنا تجسيد إرادته وتكرس خياره بكل حرية . وجاء في نص الدعوة: لذلك، باشر رئيس الدولة على وجه السرعة، بإحداث هيئة وطنية لتحضير الانتخابات وتنظيمها، مبادرة كان قد أعلن عنها في خطابه الموجه للأمة في التاسع افريل ، وتضمنت الدعوة كذلك: ووعيا منه بضرورة إرساء جو من الثقة الموسوم بالشفافية، عكف رئيس الدولة على أن يتم إعداد الإطار القانوني المتعلق بالموضوع في اقرب الآجال، بالتشاور مع الطبقتين السياسية والمدنية . ترحيب محدود بمشاورات بن صالح وكان أول المرحبين بهذه المبادرة رئيس حزب التجديد الجزائري، كمال بن سالم، الذي فتح باب المرحبين بالقول ان أي مشاورات ستفضي إلى حل يخرج الجزائر من الأزمة، لأنه اليوم غلق الباب أمام كل الحوارات، وكل جهة تنزوي على نفسها لا يثمر حلولا. وأضاف يقول: كل هذه الاقتراحات لا تجسد إلا بحوار فعلي يفضي بنا إلى حلول وطنية يطلبها السياسيين وكل النخب ويطلبها كل الشعب الجزائري، ولذلك لابد علينا أن نذهب جميعا إلى الحوار . وبررت أحزاب الموالاة موافقتها بحجّة أنّ الجزائر بحاجة إلى نقاشات للخروج من الأزمة الحالية، فلم يتردّد حزب الافلان عن تأييده للقاء، وأكّد مرافقته لمشاورات رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، أما حزب تاج هو الآخر فقد قبل الدعوى قائلا: نحن دعاة الحوار ونساهم من أجل الجزائر . حزب جبهة المستقبل، الذي كان له لقاء سابق مع رئيس الدولة الخميس الماضي، أيّد هو الآخر طلب بن صالح في المشاركة، واصفا المشاورات ب عملية انتقال سلس للسلطة من أجل إنتخابات شفافة ، أما حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يعيش تصدّعات في مكتبه الوطني، قال في بيان له: نشارك في المشاورات والأرندي لا يرفض أي مبادرة في صالح الجزائر . إتساع دائرة المقاطعة وسط الأحزاب بالمقابل، أعلنت كبرى الأحزاب السياسية المعارضة والشخصيات الوطنية والمنظمات الحقوقية مُقاطعتها لها، انسجاما مع الرفض الشعبي. وأعلن حزب الحرية والعدالة رفضه للندوة التشاورية التي دعا اليها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، والمزعم اجراؤها اليوم. كما اعتبر بيان للحزب توج إجتماع مكتبه الوطني، أن التشاور بين السلطة والفاعلين السياسيين وسائر فاعلي المجتمع، رغم انه ضروري، إلا أنه غير ممكن في هذه الفترة التي تخوضها البلاد لكونهم مغضوب عليهم من طرف الشعب. وشدد الحزب، الذي يقوده الوزير السابق محمد السعيد، رفضه تولي أحد رموز النظام القديم رئاسة الدولة، معتبرا أن التمسك بالرابع من جويلية كموعد لاجراء الانتخابات يضيع على البلاد فرصة اخرى لاختيار رئيس جديد وشرعي. في حين رفضت حركة النهضة الإنخراط في هذه المشاورات من منطلق أن الحراك يرفضها، وهو ما عبر عنه رئيس الحركة يزيد بن عائشة بقوله أن خارطة الطريق التي تبنتها السلطة اليوم في غياب الأخذ بعين الاعتبار كل هذه الصيحات والمطالب الجماهيرية التي تعد استفتاء دستوريا كامل الأركان، حسب وصفه. وانتهى إلى الحكم على ذلك بالقول: نحن لسنا معنيون بهذه المشاورات، لأنها في تصورنا لا تفضي إلى الحل المرجو والمطلوب الذي يؤدي إلى تهدئة الشارع ورسم خارطة متوافق عليها تفضي الى حل يكون مانعا وحافظا الجزائر من كل الانزلاقات الممكنة . كما يرى رئيس الجبهة الوطنية موسى تواتي، أن جل التشكيلات السياسية ترفض المشاورات، بالقول: إن الشارع السياسي يطالب بذلك والطبقات السياسية تسعى إلى إعادة النظر في الدولة وتأسيس جمهورية أكثر شفافية وأكثر ديموقراطية من أجل امتصاص غضب الشارع. وتساءل ذات المصدر يقول: ولكن هل الشارع سيفوض هذه الأحزاب، وهذه الأحزاب هل هي قادرة على التمسك والتحكم في قواعدها النضالية أم لا؟ ، كما أبدى رفضه لهذه المشاورات من خلال تصريحه، بالإشارة مباشرة بالقول: الطريقة التي يريد النظام فتح حوار بها هو غير مرغوب فيها، وبالتالي لا يجد مع من يتحاور ويتشاور معه ، ليفتح قوسا للإستدراك ملئه التخمين ليقول: ربما هناك بعض الأقليات في أحزاب السلطة سابقا سوف تلبي هذه الدعوة، ولكن الأغلبية السياسية لا يعتقد أنها ستلبي هذه الدعوة . من جهته، إصطف الى جانبهم رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري في صفوف الأحزاب الرافضة لدعوة رئاسة الجمهورية للمشاركة في هذا اللقاء التشاوري، حيث عبر من خلال منشور له على الفايسبوك أن حزبه يعتبر هذا اللقاء اعتداء على الإرادة الشعبية وتأزيما للأوضاع. هذا وقد عبّر رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، عن رفضه تلبية دعوة رئيس الدولة للحوار، قائلا أن حزبه لا يتحاور مع من رفضه الشعب الجزائري. بدوره، شدد رئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، أن هذه المشاورات تستبق الأحداث وأنها خارج موضوع الساعة، معتبرا: شعبنا يرى فيها محاولة يائسة لتجنب الاستجابة الفعلية لمطالبه الحقيقية . وعبر بن فليس عن رفضه المشاركة في المشاورات، مشيرا الى أنه يتقاسم مع الشعب كل مطالبه الشرعية والعادلة. كما أعلن من جانبه الحزب الوطني للتضامن والتنمية عن مقاطعته لهذه الندوة، معتبرا أنها فاقدة للشرعية الشعبية. وأضاف الحزب في بيان له أنه يحترم مطالب الشعب ويندمج فيها كليا. الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، بدورها، رفضت الاستجابة لدعوة رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، للتشاور، معلنة عن مقاطعة اجتماع يوم 22 أفريل الجاري حول هيئة تحضير وتنظيم الانتخابات. وقالت حنون في فيديو نشرته بالصفحة الرسمية للحزب عبر موقع الفايسبوك: يوم الأربعاء المنصرم اتصلوا بنا للمشاركة في المشاروات التي دعا إليها بن صالح، وأجبت بأن الهياكل القيادية للحزب هي التي تتخذ القرار، إجتمع أعضاء الحزب وقررنا عدم المشاركة في مشاورات الإثنين، نحن لا نعترف باللجنة التي سموها اللجنة الموسعة، لا ندري من أين أتت بسيادتها في وقت لم يفوضها فيه أي شخص، الشعب قال لهم إرحلوا جميعا لذلك يجب أن يرحلوا . كما رفض محسن بلعباس، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الارسيدي)، دعوة عبد القادر بن صالح المشاركة في اللقاء التشاوري المزمع تنظيمه اليوم. ورد بلعباس قائلا: ارحلوا، فنحن لا نعترف بأجنداتكم لأنكم في وادي والشعب في وادي آخر . بدوره، شكك بن ڤرينة رئيس حركة البناء في نوايا السلطة ووصف طاولة الحوار بامتداد لحكم العصابة، متسائلا عن الشخص الذي قرر إدراج هذا الحوار وجدول أعماله وأهدافه. شخصيات وطنية ترفض المشاركة وفي ذات السياق، أوضح رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، أنه لم يتلق دعوة بن صالح من أجل المشاورات، مضيفا في منتدى جريدة الحوار أن اعلان ترشحه من عدمه لرئاسيات جويلية سابق لأوانه، وسنرى ما تحمله الايام المقبلة ثم نقرر. كما رفض رئيس الحكومة الأسبق، مقداد سيفي، دعوة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح للمشاورات السياسية، وقال سيفي في بيان رسمي ردا على دعوة بن صالح: لم أعد أعترف لبن صالح بأدنى شرعية دستورية لتمثيل الدولة، فإنني أذكره بأنني كلية مع الشعب الجزائري والذي، ومنذ 9 جمعات متتالية، يخرج بالملايين في شوارع بلدنا ويطلب من جميع أعضاء نظام بوتفليقة المقيت الرحيل . وأضاف سيفي في بيانه: العمل الوحيد المنتظر من بن صالح هو أنه يستقيل من مهامه غير المبررة كرئيس الدولة، وهذا للسماح للشعب الجزائري باختيار أولئك واللواتي من يقترحون له حقا إنتقالا إلى جمهورية ديمقراطية جديدة متخلصة من مستنقعات الأنظمة السابقة. وحول الحوار والاصلاحات التي اطلقتها السلطة، يعلق رئيس الحكومة الاسبق قائلا: إن البلاد ليست في حاجة لمثل هذه الإصلاحات، بل هي في حاجة إلى تغيير جذري. إن الأزمة التي نعيشها اليوم ناتجة تحديدا عن عدم احترام الدستور والقوانين الناجمة عنه، ومن جراء أن مراكز للسلطة تتموقع عمدا فوق القوانين . كما يعتبر المتحدث المسعى المعتمد في إطار المشاورات غير ملائم في جوهره أمام الرهان السياسي للأزمة، وهو المسعى الذي سيضيع وقتا ثمينا للبلاد ومن شأنه، ومن خلال المماطلات والتأجيلات، إثارة والتعجيل بحل عنيف لهذه الأزمة، هذا الحل الذي علينا أن نجنبه أمتنا وشعبنا. وكان رئيس الدولة قد استقبل الخميس الماضي كلا من عبد العزيز زياري، عبد العزيز بلعيد وميلود براهيمي، بصفتهم شخصيات وطنية في إطار المساعي التشاورية التي ينتهجها لمعالجة الأوضاع السياسية في البلاد. وفي هذا الصدد، صرح رئيس جبهة المستقبل، عبد العزيز بلعيد، أنه قدم خلال اللقاء حلولا كفيلة بضمان نزاهة وشفافية الانتخابات، وهذا من خلال الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات التي يجب ان تتمتع باستقلالية تامة وصلاحيات مراقبة تنظيم سير كل مراحل المسار الانتخابي. واعتبر بلعيد ان استقرار البلاد والحفاظ على الهيئات والاشخاص وكذا تحويل السلطة في اطار الشرعية لا يمكن ان يتحقق إلا من خلال انتخابات نظيفة وشفافة. بدوره، دعا المحامي ميلود براهيمي إلى تنصيب لجنة سيادية مكلفة بتسيير المرحلة الانتقالية وتنظيم الانتخابات الرئاسية دون التردد في وضع الدستور جانبا، مشيرا الى أنه يمكن لهذه اللجنة التي سيتم تنصيبها بالاتفاق مع الأحزاب السياسية وممثلي المجتمع المدني، تأجيل تاريخ الانتخابات الرئاسية وتمهيد الطريق لضمان الرحيل النهائي لهذا النظام. كما أشار إلى أن السياق السياسي الحالي الذي تعيشه الجزائر لا يسمح بتنظيم انتخابات رئاسية تكون في مستوى تطلعات الشعب، إذ يجب التوصل إلى إعادة تنظيم شؤون البلاد وبناء نظام يتماشى وطموحات الشعب، معتبرا أن التعبئة الشعبية تعد بمثابة ثورة حقيقية في الجزائر والعالم.