تحيي الجزائر، اليوم الأربعاء، الذكرى ال74 لمجازر 8 ماي 1945 التي سقط فيها نحو 45 ألف شهيد راحوا ضحايا لجريمة ضد الإنسانية، تلاحق بمسؤوليتها التاريخية الدولة الفرنسية التي أعلنت، بضغط من الشارع الفرنسي، عن فتح ملف جرائمها الاستعمارية. وقد شكلت هذه الجرائم المرتكبة من طرف الجيش الفرنسي، خلال احتلاله للجزائر، نقطة من نقاط النقاش الوطني الكبير الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، بهدف تسوية الأزمة الاجتماعية التي تحولت إلى سياسية، حيث تم بذات المناسبة فضح الوجه القبيح للاستعمار الفرنسي الذي دأبت السلطات الفرنسية قبل سنوات على تكريس تمجيده بنص قانوني، وتجد نفسها مضطرة حاليا إلى كشف جانبه المظلم. وخلال هذا النقاش، وجه المناهض للاستعمار هنري بوييو، بصفته شاهدا على حرب التحرير الوطنية، رسالة إلى رئيس الدولة الفرنسية، أكد فيها على ضرورة الاعتراف بالجرائم ضد الانسانية (تعذيب واغتصاب والرمي من طائرات الهيلكوبتر والقتل في الغابات رميا بالرصاص في الظهر..) وجرائم الحرب (ما بين 600 و800 قرية أبيدت بالنبالم واستعمال غاز الأعصاب..)، وجرائم الدولة (مجازر 8 ماي 1945 ومجازر 17 أكتوبر 1961 بباريس..) وإدانتها والكف عن اعتبارها من مسؤولية منفذيها. وقد تجسد هذا الضغط الذي يمارسه الفرنسيون على سلطات بلادهم، من خلال مطالبة مجموعة متكونة من 31 جمعية ونقابة وستة أحزاب سياسية، في نهاية الشهر الماضي، السلطات الفرنسية بتقديم إشارات قوية وفتح كل الأرشيف وإدراج مجازر 8 ماي في الذاكرة الوطنية ودعم نشر أفلام وثائقية خاصة بتلك الأحداث في التربية الوطنية وكذلك في وسائل الإعلام العمومية. وأشارت ذات المجموعة التي دعت الى تنظيم تجمع يوم 8 ماي بساحة شاتلي بباريس، الى انه من غير الممكن احياء ذكرى الانتصار على الفاشية بدون محاولة تخليص النسيان مما حصل في الجزائر في ذات اليوم المصادف ل8 ماي 1945 والأيام التي تلته من خلال قول الحقيقية. وقبل ذلك، نشر كل من المثقفين الفرنسيين فرانسوا جيز وجيل مونسيرون وفابريس ريسيبوتي وآلان روتشيو مقالا في أحد المواقع الالكترونية، جاء فيه أن مغامرة فرنسا الاستعمارية أفضت إلى غزوات وقمع إجرامي على نطاق واسع تشكل انتهاكا صارخا للقيم التي نادت بها فرنسا والتي لا زالت تؤمن بها ، مضيفين أن السلطات العليا للدولة الفرنسية لازال لديها الكثير من الأمور لتقولها من اجل الاعتراف مثلا بمجازر ماي وجوان 1945 بالجزائر. واعتبروا أنه إذا لم يقرر الرئيس ماكرون الالتزام بجدية بمسعى الاعتراف الكلي والتام بما كانت عليه حماقات وجرائم الجمهورية الفرنسية في مستعمراتها، فإنه يُخشى أن يظل في نظر التاريخ مثل ذلك الذي حاول ببساطة استغلال المسألة الاستعمارية لأهداف انتخابية. وكان المرشح ماكرون، قد صرح خلال حملته الانتخابية للرئاسيات الفرنسية بتاريخ 5 فيفري 2017 بمناسبة زيارته الى الجزائر، ان الاستعمار يعتبر جريمة ضد الانسانية، وفي رده على سؤال للصحيفة الالكترونية ميديا بارت بتاريخ 5 ماي التالي، أوضح الرئيس الفرنسي: سأتخذ إجراءات قوية . وقد اعترف الرئيس ماكرون في 19 مارس الماضي بأن النظام الاستعماري بالجزائر كان ظالما وتنكر لتطلعات الشعوب لتقرير مصيرها، كما اعترف بجريمة الدولة في قضية موريس أودان، وقررت الدولة الفرنسية إعادة المتعلقات الإفريقية المنهوبة وإعادة جماجم قادة المقاومة الشعبية الجزائرية من القرن ال19 المحفوظة بمتحف الإنسان بباريس. وتثبت أحكام القانون الدولي الخاصة بجرائم الحرب، أن المجازر التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية ضد الشعب الجزائري في 8 ماي 1945 لا تسقط بالتقادم، ولا يوجد أي موانع قانونية، حسب قانونيين، لمتابعة فرنسا حتى مع عدم إمكانية تطبيق المسؤولية الشخصية لكون أن مرتكبي المجازر ليسوا على قيد الحياة، إلا أنه من حق الجزائر مطالبة المؤسسات التي كان يمارس فيها هؤلاء الأشخاص مهامهم بإصلاح الضرر بإجراءات قانونية ودبلوماسية. ويسعى نشطاء جمعويون، وفي مقدمتهم جمعية 8 ماي 1945 ، إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل المطالبة بتصنيف مجازر 8 ماي كجرائم إبادة جماعية ضد الإنسانية وتسجيلها لدى الأممالمتحدة، مع المطالبة بالاعتذار وتعويض الضحايا. ويؤكد الحقوقيون إمكانية اللجوء الى رفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية ضد مختلف جرائم الاستعمار الفرنسي التي خلفت ملايين الضحايا، بالإضافة إلى ما تسببت فيه هذه الجرائم من مخلفات أخرى على غرار الآثار السلبية على البيئة. وقد شكلت مجازر 8 ماي 1945 منعرجا حاسما في تغيير فكر المقاومة الجزائرية وأسست لتوجه جديد قائم على قاعدة ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة، كما كشفت الوعود الكاذبة التي قطعتها فرنسا الاستعمارية للشعب الجزائري بغية استعطافه خلال الحرب العالمية الثانية. كما كانت هذه المجازر، التي عايشتها عديد مناطق الوطن وسقط خلالها عشرات الآلاف من الجزائريين ضحايا للآلة الاستبدادية الفرنسية، دليل آخر لمدى بشاعة المستعمر الفرنسي وتنصله من جميع صور الإنسانية.