الشراكة مع الدول الكبرى نحدّدها في إطارها التقني والإستخباراتي والإتصالاتي واشنطن تيقّنت من صحة إستراتيجية الجزائر في معالجتها للإرهاب القيادة العليا للبلاد واعية بالتحديات التي تجابهها بلادنا حاليا الجزائر ترفض التدخّل الأجنبي وترحّب بالتعاون للقضاء على الإرهاب بفضل الجزائر توصلنا إلى ربط دفع الفدية وتمويل الإرهاب ربطًا مباشرًا كشف مستشار رئيس الجمهورية عبد الرزّاق بارة في حوار حصري مع »السياسي« بأن الجزائر ومن ورائها دول الساحل الإفريقي قد أبلغت الدول الكبرى وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية والمتمثلة في قيادة الأفريكوم بأن مسألة السلم والأمن من إختصاص حكومات بلدان المنطقة دون سواهم. وأكد مجددًا مستشار الرئيس بوتفليقة رفض الجزائر القاطع لكل شكل من أشكال التدخل الخارجي في شؤون الداخلية للدول، لكن رحّب في نفس الوقت بالشراكة والتعاون التقني والإستخباراتي والإتصالاتي مع الشركاء الأوروبيين والأمريكيين لمكافحة الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة بإضافة إلى مد جسور التعاون في قضايا التكنولوجيا والتنمية. وبدد المستشار عبد الرزاق بارة المخاوف التي تبدي تحفظات حول نوايا الشركاء الغربيين في مكافحة الإرهاب في المنطقة وشكوكهم بأنها قد تكون بوابة للتدخل الخارجي من أجل الإستحواذ على مقدرات وثروات شعوب المنطقة، وبالتالي إيجاد موطني قدم دائمة في الإقليم الإفريقي. كما أجزم ذات المسؤول في نفس الوقت على قدرة الجزائر على ضمان أمنها وحماية شعبها من كل المخاطر التي تحيط بها من جراء إضطربات الجوار الليبي وتهديدات الجماعات الإرهابية الناشطة في الساحل الإفريقي وهو ما تيقّنت منه القوى الكبرى وعلى رأسها واشنطن من صحة الإستراتيجية والنظرة الثاقبة للجزائر في محاربة آفة الإرهاب الدولي على حد قوله. وقد خص مستشار رئيس الجمهورية عبد الرزاق بارة »السياسي« بلقاء شيق رغم كثافة أجندته السياسية والدبلوماسية داخل الندوة الدولية حول الأمن والتنمية في منطقة الساحل الإفريقي والتي عرفت مشاركة على أعلى مستوى لشخصيات سياسية وعسكرية أوروبية وأمريكية مما أعطى زخمًا إعلاميًا وسياسيًا لندوة الجزائر.
»السياسي«: يرى المحلّلون السياسيون أن حضور قائد الجيوش والقوات العسكرية الأمريكية في القارة الإفريقية الجنرال كارترهام، وكذا المستشار السياسي للرئيس ساركوزي أندري بارون وأيضا مستشار الوزير الأول البريطاني ديفيد كاميرون روبرت سيفيك للمشاركة في ندوة الجزائر المتعلقة بالشراكة مع دول الساحل الإفريقي في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بعد انتصار سياسي وقفزة دبلوماسية للجزائر واعترافا بثقلها ووزنها الجيوبوليتيكي في المنطقة باعتبارها قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها في أي ترتيبات في المنطقة؟ عبد الرزاق بارة: في الحقيقة أهمية هذه الندوة أتت من الخطة التي إعتمدتها الجزائر لتقييم الوضع في المنطقة بالنسبة للخطر الإرهابي الذي تشكله، وتحركه التنظيمات الإرهابية، ثم قدرة بلادنا على إقناع شركائها في المنطقة للإنضمام إلى إستراتيجية موحدة ومقاربة مشتركة لمواجهة هذه الأخطار، والتحديّات الكبرى والتي تتمثل في الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى مخاطر أخرى لا تقل خطورة على همجية التنظيم الإرهابي هذا ومن بينها الجريمة المنظمة وشبكات التهريب المختلفة وعصابات تجارة المخدرات، والربط بين علاقة هذه الشبكات وعصابات التهريب لمختلف الجرائم المنظمة وبين النشاط الإجرامي الإرهابي للحركات المسلحة الناشطة في المنطقة. وكما جاءت ندوة الجزائر الخاصة بالإرهاب والتنمية أيضا بتصورات وحلول مرتبطة بتدعيم التنمية لفائدة شعوب وسكان دول المنطقة، هذه الإستراتيجية والنظرة المتفحصة والرائدة للأمور والمعضلات الأمنية هي التي جعلت الولاياتالمتحدةالأمريكية تتأكد وتتيقن بأن الجزائر لها تصور، وخطة مدروسة، وإستراتيجية معلومة المعالم لمجابهة الظاهرة الإرهابية، ونالت إستحسان وترحيب وانخراط في هذا المسعى الجزائري من قبل السلطات في واشنطن. والولاياتالمتحدةالأمريكية على كل حال هي القاطرة في السياسة الدولية في كثير من المجالات، بما في ذلك مجال مكافحة الإرهاب الدولي والذي يعتبر في مواثيق ولوائح الأممالمتحدة كخطر للسلم والإستقرار العالميين. هناك تخوّفات من المراقبين وحتى عموم شعوب دول الساحل الإفريقي بما فيهم الشعب الجزائري طبعًا، من أن يكون عنوان محاربة الإرهاب، بوابة وغطاء للولايات المتحدةالأمريكية والدول الغربية للتدخل ووضع موطن قدم لهم داخل المنطقة، كما حدث في بعض نقاط العالم وهي في الحقيقة تخوّفات مشروعة من قبل شعوب لها مآسي مع التدخل الأجنبي والإستعمار على حد سواء. هذه النظرة والمواقف لابد أن نتجاوزها، لأن هذه المنطقة هي مركز الإهتمام والمتابعة من قبل المجتمع الدولي، عندما نتكلم ونشير إلى المجتمع الدولي نعني أن الإتحاد الأوروبي له خطة والأممالمتحدة لها خطة أيضا، والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لهم خططهم ومصالحهم المتعلقة والمرتبطة بالمنطقة، وأكيد من خلال إجتماعنا في ندوة الجزائر حول الإرهاب والشراكة، أكدنا كدولة جزائرية ودول الساحل الإفريقي لشركائنا في جميع دول العالم بما فيهم الولاياتالمتحدةالأمريكية أن قضية السلم والأمن وفرض الإستقرار في المنطقة من إختصاص وصلاحيات دول المنطقة وبلدان الساحل التي تستطيع فرض الأمن والسلم والإستقرار بنفسها ولوحدها، وبدون تدخل أي جهة خارجية أو دولة أجنبية خارج إقليم الساحل الإفريقي، ولكن الشراكة والمصالح المتشابكة تجعل من الضروري أن نتعاون مع شركائنا في المجتمع الدولي، والتواجد في جميع المجالات هو المعيار والمفتاح، وأنا شخصيا أظن أننا لابد أن نتجاوز النظرة المبنية على اصطدام المصالح وتشابكها ونظرتنا لتنسيق الجهود بين دول المنطقة وشركائنا من خارج الإقليم الإفريقي هي الخطة التي سوف تسمح حقيقة وبالفعل من تعزيز الأمن والتنمية والإستقرار في بلدان الساحل. أبدت الجزائر تحفظات قوية فيما يخص فوضى السلاح الحاصلة الآن داخل الأراضي الليبية، سيما بعد بروز شبكات وتجار تهريب الأسلحة وخاصة أيضا بعد أن تحدثت تقارير عن بيع قطع سلاح بمبالغ رمزية، مما يعرض أمننا القومي للخطر؟ الأزمة الليبية وتداعياتها المختلفة ستفتح المجال لفترة إنتقالية طويلة ومعقدة في جوانبها الأمنية، أما من الناحية السياسية، فنحن متأكدون من أن الإخوان في ليبيا سيتوصّلون إلى وضع تصور لجعل النظام الجديد في ليبيا مبني على عناصر الحكامة الديمقراطية المطابقة للمعايير العالمية في ظل السلم والأمن والإستقرار والوحدة، وهذا ما نتمناه من كل قلوبنا لإخواننا في ليبيا، التي تربطنا معهم أواصر الأخوة والجوار والقرابة والتاريخ واللغة والدين، وهم يعلمون أننا سوف نكون إلى جانبهم في هذا المسعى، ولكن في نفس الوقت هناك إنهيار أمني جعل الجماعات الإرهابية تغتنم الأسلحة وسيارات رباعية الدفع وأجهزة عسكرية متطورة، وتعمل على تسريبها وتمريرها الى دول الجوار وبلدان المنطقة، تحسبا وإستعدادا لتطورات أخرى قد تحصل في تلك البلدان المجاورة، وتعلم أن فيه عناصر إرهابية وأفراد ونشطاء في حقل الجماعات الإرهابية تسربوا الى دول المنطقة وتوغلوا داخل أرجائها لضرب إستقرارها وإحداث أعمال إجرامية تطبيقا لمخططاتهم الإرهابية، نعم هناك خطر أنه المساحات كبيرة جدًا وواسعة والتحكم في الحدود في غاية الصعوبة في هذه المنطقة، وربما من خلال عمليات إرهابية في نيجريا وشرشال حديثا والتي لها ربط على كل حال بما يجري في المنطقة، فتخوفنا مشروع ومؤسس، ومن حقنا وواجبنا كدول مسؤولة إتخاذ تدابير وإجراءات إحتزازية، لكي نضمن أمن وسلامة حدودنا وأمننا القومي، فهذا يدخل في إطار أيضا مسؤوليات جميع الدول. وإخواننا في النيجر والمالي وفي موريتانيا يشاركوننا هذا التصور، فهناك إذن سلسلة من الخطوات الوقائية الواجب إتخاذها على كل مستوى من دول المنطقة عندما تأتيها أزمة عميقة مثل الأزمة الليبية على حدودها القائمة حاليًا، والجزائر لم تبق مكتوفة الأيدي أمام هذه التداعيات الخطيرة على حدودنا، حيث ضبطت كل صغيرة وكبيرة على شريطها الحدودي الكبير مع الشقيقة ليبيا، لكبح أي تسللات لعناصر إرهابية أو عمليات تسريب أسلحة نحو حدودنا، والقيادة العليا للبلاد واعية بالتحديات التي تجابهها الجزائر في هذه الفترة الحالية التي تتميز باضطربات في المنطقة، لذلك إتخذت جميع التدابير اللازمة لحماية بلادنا وشعبنا من أي إنزلاقات وخروقات تنجم عن تداعيات اللاستقرار والإنفلات الأمني الموجود على حدودنا مع ليبيا. إذن، ندوة الجزائر حول الإرهاب والتنمية حملت تأكيدات الدول والقوى الكبرى للتخوّفات المشروعة للجزائر بخصوص تدفق السلاح وقلقها من وقوعه في أيادي الجماعات الإرهابية وذلك لانطلاق من الأراضي الليبية الأحداث الجارية في المنطقة، بحثنا على سبل الإدراك بخطورة الوضع، هذا ما جعلنا مع شركائنا أن نلفت انتباه المجموعة الدولية حول هذا الخطر، لأننا لا نريد للأزمة في ليبيا أن تأتي لتعزيز قدرات المجموعات الإرهابية، وتعطيها قوة أكثر ودفع أكبر لإلحاق الأذى والشر بدول الجوار والمنطقة ككل. هذا ما يجعلنا من الناحية الأمنية نتخد كما قلت لكم سابقا الإجراءات الإحترازية لحماية أمننا الوطني. لاحظنا سيدي الكريم، أن جل التدخلات التي أتت على لسان رئيس الجيوش الأمريكية والقائد الأعلى للقوات العسكرية في إفريقيا »أفريكوم« وكذا مستشاري الرئيس الفرنسي والوزير الأول البريطاني وممثل الإتحاد الأوروبي ركزت على ضرورة التكوين والدعم اللوجستيكي والتعاون الإستخباراتي الواجب منحه لدول المنطقة، كيف يمكن لدول الساحل والجزائر واحدة منهم إستغلال هذه الفرصة لتحقيق نجاحات أخرى ضد آفة الإرهاب، كما سجلنا في خطابات ممثلي الدول والقوى الكبرى في العالم رفض مبدأ التدخل في الشؤؤن الداخلية لدول الساحل؟ هذه النقطة بالذات هي محور إجماع بيننا، فنحن نرفض التدخل في شؤوننا الداخلية، ولكن نرحب وندعو للشراكة، فرفض التدخل الأجنبي يبدأ أولاً من عدم السماح لأي دولة غير إقليمية أنها تقدم لنا مساعدات لها طابع عسكري، فنحن لنا خبرة وقدرات ما يسمح لنا في بلداننا أن نحمي أوطاننا، وشعوبنا ونقدم لهم ما يحتاجونه من وسائل الأمن والسلم والإستقرار، وهذا لا يعني أن في المسائل التقنية وقضايا التنمية ووسائل الإتصالات الحديثة، هناك تكنولوجيات حديثة وتقنيات عالية يمكن إستعارتها في إطار الشراكة مع هذه الدول الكبرى، ووجود الأفريكوم في ندوة الجزائر حول الإرهاب والتنمية وعلى رأسها الجنرال كارتار هام جاء ليؤكد عدم رغبة الولاياتالمتحدةالأمريكية والممثلة في أفريكوم وباقي التنظيمات العسكرية الإقليمة والدولية في التدخل في المنطقة، فنحن لنا قدراتنا وإمكانياتنا وخبراتنا وتجربتنا الكافية لكي نحمي أوطاننا بوسائلنا الخاصة، فالشراكة مع هذه الدول الكبرى نحددها في إطارها التقني والتعاون الإستخباراتي وطابعها الإتصالاتي ونحن نسعى وبتعاون مع شركائنا في المجموعة الدولية بأن نجعل منطقتنا مكانا للأمن ومنطقة إنماء لصالح شعوب المنطقة ولصالح المجتمع الدولي. ما سجلناه في هذه الندوة الدولية حول ظاهرة الإرهاب والتنمية بروز تقدم ملحوظ في خطاب الدول الأوروبية والولاياتالمتحدةالأمريكية إزاء قضية تجريم تقديم الفدية للإرهابيين مقابل تحرير رهائنها، وذلك بعد تردد طويل من قبل الحكومات الغربية لطالما اشتكت منه الجزائر، وهو ما يعتبر مكسبا وإنجازا سياسيا ودبلوماسيا للجزائر في هذه الندوة الدولية؟ من بين المقاربات التي تمّ الآن الإتفاق بشأنها وعليها من قبل المشاركين هو خطف الرهائن ودفع الفديات، جعل من هذه المجموعات الإرهابية تأخد لنفسها وسائل متطورة لتضخيم الخطر الإرهابي في المنطقة، وبالتعاون مع شركائنا وبمبادرة من الجزائر توصلنا إلى التوصية التي جعلت الربط بين دفع الفدية أو تمويل الإرهاب ربط مباشر، وهذا سيسمح لنا أن نصل الى مرحلة أخرى هي تجريم دفع الفدية، لم نصل الى إجماع حقيقي حول تجريم تقييم الفديات بعد، ولكن توصلنا من خلال هذه التوصية الى الربط على مستوى مجلس الأمن بين دفع الفديات للمجوعات الإرهابية وتمويل الإرهاب، والمسار مازال طويلاً على كل حال، والجزائر وبدعم من شركائها في إقليم الساحل الإفريقي تبقى دائمًا تسعى الى تخفيف منابع الدعم المالي واللوجستيكي للجماعات الإرهابية في المنطقة والخطر مازال قائمًا.
سيادة المستشار، هل لنا من كلمة نختم بها هذا اللقاء الشيّق؟
أنا أشكر كل من ساهم في نجاح هذه الندوة الدولية حول الشراكة في الساحل الإفريقي، الذي عكست السمعة الطيبة التي تتمتع بها بلادنا على المستوى الإقليمي والدولي، بعد أن كنا في السابق في غياهب النسيان والحصار جراء العشرية السوداء التي مرت علينا، واليوم الحمد لله الجزائر إسترجعت مكانتها ودورها الريادي الإقليمي، وذلك بفضل المجهودات التي تقوم بها الدولة الجزائرية، وبفضل حكمة وتبصّر والقيادة الرشيدة لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، كما لا يفوتني أن أشكركم على إهتمامكم بمتابعة وتغطية ونقل الحدث للرأي العام الوطني والدولي.