زارت "المساء" محلا يقع بحي القصابي بتندوف. يظهر المحل للوهلة الأولى، أنه عادي لتواجده بشارع وحي شعبي عريق، وقد خصصه صاحبه لحفظ التراث الشعبي الذي ظل حبيس الذاكرة، وفي زوايا البيوت والخيام. استقبلنا السيد بويدة أحمد في يوم مشمس وهو يحمل بعض الأدوات الحرفية التي كان يستعملها في الورشة الصغيرة بالمحل. وفي تلك اللحظات بدأنا نستحضر حقبا زمنية قديمة، تركت وراءها إرثا تاريخيا وثقافيا، جسده بويدة أحمد في متحفه الصغير المتواضع. وينحدر بويدة أحمد من مواليد 1964 بتندوف، من أسرة حرفية أبا عن جد، امتهنت ممارسة الصناعة التقليدية منذ زمن بعيد. وواصل أحمد مزاولة هذا النشاط رغم ضيق المحل، ونقص المواد الأولية في صناعته التقليدية. وأوضح المعني وهو يسرد مسيرته الفنية التي بدأت منذ سنة 1996 والتي تُوجت بجمع أزيد من 14 ألف طابع بريدي تؤرشف لحقب زمنية ماضية، إلى جانب جمع وحفظ حوالي 8 آلاف و500 عملة معدنية وطنية ودولية، وهي عبارة عن كمّ هائل من النقود المعدنية التي ماتزال محافظة على نقاوتها وبهائها. كما عثرنا خلال الجولة بمتحف أحمد بويدة، على 250 عملة ورقية تعود إلى الأزمنة القديمة بقيت كما هي. كما يتوفر المحل على عدد من البطاقات البريدية القديمة تحمل رسائل لأشخاص، وتبادل التهاني على الصيغ الكلاسيكية عبر البريد. وحدثنا أحمد وهو يشرح لنا تفاصيل محتويات المتحف أنه مولع منذ صغره بحفظ التراث المادي وحمايته من الضياع؛ حيث يحتوي متحفه على وسائل الزراعة، والتحف النادرة، والأساور الفضية والنحاسية. ويستعمل أحمد في صناعته التقليدية قرون الماعز في تصميم الخواتم، والتحف الجذابة من أحجار كريمة ورخام وزجاج. كما اختص في الحدادة من خلال إنجاز النوافذ والأبواب بلمسة حضارية ومستوحاة من تاريخ العمارة المغاربية والقصور المحلية. وعلى مدار سنوات حافلة بالنشاط والحضور في مختلف التظاهرات المحلية والجهوية والوطنية والدولية، تمكن أحمد من إعطاء صورة حية للموروث التاريخي والثقافي لتندوف، تحصّل خلال هذه الفترة على نحو 244 شهادة شرفية وتقديرية من مختلف الهيئات الإدارية المحلية والوطنية. وفي نهاية الجولة استنتجنا أن بويدة أحمد هو آخر العنقود من شجرة التراث المادي بتندوف بعد أن هجرها القدامى؛ لأسباب الوفاة، والمرض، والتقدم في العمر. وأكد لنا بويدة أنه ماض نحو حماية الذاكرة التاريخية من كل أشكال الضياع والتلف. ويأمل أن يعرض محتويات متحفه في مكان فسيح؛ لإعطاء فرصة الاطلاع عليه من طرف سكان تندوف. وكشف لنا أنه يخبئ مفاجآت لزوار متحفه الفريد من نوعه بتندوف.