كأن الكاتب السوري باسم سليمان في روايته الأولى نوكيا الصادرة حديثاعن دار ليليت بالقاهرة، يريد أن يعيد علينا ما قاله عميد الأدب طه حسين، وهو يرد على مصطفى صادق الرافعي حين طلب منه هذا الأخير أن يجاريه في تقليد القدماء والكتابة على نحوهم، وكأنه يريد أن يقول لنا: أما نحن فنريد أن يفهمنا الناس، كما نريد أن نفهم الناس، لهذا نتحدث إلى الناس بلغة الناس . لم يكتف باسم سليمان بما فعله في الشعر ومجموعته القصصية (تشكيل أول) و(لم أمسس) ليعيد قلب الطاولة على المدّعين في فن كتابة الرواية حيث أنا نفسي وكنت أدعي معرفة سابقة به ذهلت من شكل اللغة والأسلوبية في هذا العمل. والملاحظ أن اللغة هنا قامت على التكثيف والإيجاز والشحن، كذلك حاول الكاتب من خلال نصه إيجاد وظائف أخرى لهذه اللغة من خلال توليده لمعاني جديدة باستعارات غير مسبوقة ومتحررة من السياقات القديمة، إن اللغة هنا دالة، والدلالة فيها شديدة الصّلة بعالم الهواتف النقالة والأنترنت وشبكات التواصل الإجتماعي. إننا نكتشفه وهو لا يريد شيئا من الأسلوبية القديمة في الكتابة، يل يؤسس لمحكيه بأسلوب جديد عبر مطروق وبلغة ضالة ضلالة قارئ هذا العصر الذي يرى أنه ينتمي إليه. تضّمنت الرواية حكاية ثلاث شخصيات إنسانية لها ما يقابلها من عوالم حياتية: (باسم/واقعي) (داني/خيالي) (محمود/افتراضي). لتتصادم هذه الشخصيات الثلاث، ومن زخم الصراع ولدت هوية جديدة هي الوريث الشرعي للأبطال الغائبين، في آخر الرواية نكتشف باسم البطل وقد بات شخصا آخر غير ذلك الذي عرفناه في بداية الرواية، إنه هنا محمل بكل من إرث داني ومحمود، إرث ثقيل وهجين لكن لا مناص من أن يتقبله البطل إذا كان يُريد أن يستمر في هذه الحياة يوما آخر. فكأن الكاتب يأخذ البطل العربي المأزوم الذي خلفته لنا كتابات نجيب محفوظ، ليعيد إنباته في بيئة اليوم الجديدة. وليس بغريب أن هذا البطل لا يزال يحمل نفس الأفكار والهواجس والأسئلة القديمة في صراعه مع المدينة، فكأنه لم ينته إلى حلّها أو إيجاد إجابات لها، والحقيقة أنه بطل لا يعوّل عليه ما دام صدامه مع المدينة والحضارة صدام الدخيل والغريب لا صدام المنتج لهذه الحضارة. رواية نوكيا رواية ضاجة بالأسئلة الوجودية والفلسفية، وبخلاف الكثير من الروايات التي نحت هذا المنحى لم يعمد صاحبها إلى استجلاب تلك الأسئلة وغرسها في تربتنا التي تكاد تختلف في نواحي عديدة عن الأرض الغربية التي أنتجتها، إنه يرفض عملية الاجترار وبل يصر على أسئلتنا الخاصة والتي أفرزها واقعنا المأزوم والمريض مرتبطا بهويتنا وخصوصيتها، ثم إن الحداثة في نص باسم الجديد هي الفردية في قدرتها على إنتاج المختلف بعيدا عن السائد والمكرس. الحداثة عنده أن تؤمن بالمثل القائل: عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة . إذ أننا نرى كاتبنا لا يحفل إلا بما على الشجرة، أو هذا ما سنخرج منه بعد قراءتنا لروايته، إنه يكفّر بالثابت والمقدس ولا ينتصر إلا للمتحول الذي لا قداسة فيه. في الأخير نقول هنيئا لنا بهذا النص المتجاوز في انتظار الجديد من الكاتب المختلف باسم سليمان.