يبدو أن الكثير من الشباب يحلم بالعيش في الضفة الغربية ظنّا منهم أنها جنّة الله في الأرض، إلا أن الكثير يجهل المعاناة التي قد تواجههم خاصة في ظل العيش بعيدا عن الأهل والأقارب، وهو الأمر الذي واجهته حورية المنحدرة من ولاية البليدة التي أرغمها والدها على الزواج من أحد المغتربين بإسبانيا لتحسين ظروفهم الإجتماعية.. ولمعرفة أكثر تفاصيل عن الواقع المرير الذي تكبّدته محدثتنا في ديار الغربة، تقربت السياسي من حورية لتروي لنا قصة 7 سنوات من المعاناة وهي بعيدة عن الأهل والأقارب. هكذا بدأت حياتي في ديار الغربة توجهنا إلى البليدة أين استقبلتنا حورية في منزلها لتروي لنا قصة رحلة العذاب التي عاشتها في إسبانيا، لتبدأ محدثنا تستذكر آلامها وكأنها بالحاضر القريب وبعيون باكية تقول: (تقدم لخطبتي شاب في سنة 2000 من نفس الحي بمدينة البليدة وهو يكبرني بعشر سنوات، وكنت وقتها طالبة بكالوريا أنوي الحصول على الشهادة لأدخل الجامعة لأتخصص كأستاذة في اللغة الفرنسية، فلم أكن أفكّر وقتها في الزواج وكان جلّ تفكيري منصبّا على دراستي فقط، لكن والدي وافق على العريس مباشرة دون أن يأخذ رأيي أو يستشيرني ضنّا منه أن هذا هو الشخص الأنسب والذي سيخرجني وعائلتي من الحالة الاجتماعية التي كنا نعيشها، حيث لم نكن نملك حتى بيتا لائقا.. تمت مراسيم الخطبة ولم أتحدث مطلقا إلى من سيعيش معي حياتي بسبب أنه كان يقيم في إسبانيا ولم تمر على خطبتي إلا ثلاثة أشهر وعاد خطيبي إلى أرض الوطن، أين طلب من والدي الإسراع في مراسيم الزواج لظروف متعلقة بالعمل وأقمنا حفل الزفاف وانتقلت معه إلى إسبانيا رغم أنني كنت رافضة لهذا الزواج، إلاّ أني اقتنعت أن هذا هو ما قدّره الله لي ويمكن أن يكون خيرا لي ولعائلتي، حيث انتقلت للعيش في إسبانيا وكانت معاملة زوجي رائعة حيث كان يحرص على تلبية جميع طلباتي ويأخذني للتسوق في كل مرة، كما كنا نغادر إسبانيا لمناطق أخرى وكنت أشعر أن الله قد عوضني خيرا خصوصا عندما وافق على إتمام دراستي وأن يسجلني فور عودتنا إلى الجزائر كمترشحة حرة في البكالوريا، وعندما أحصل على الشهادة يقوم بتسجيلي في الجامعة هناك، ومرت أشهر على زواجي ورزقت بابْني الأول نجيب وكانت فرحتنا آنذاك لا تتصور وحمدت الله على النعمة التي أنا فيها وبقيت فترة في إسبانيا.. توجهت بعدها إلى أرض الوطن لزيارة أهلي أين طلبت من زوجي إتمام أوراقي للتسجيل في الامتحان وقام هو بتقديم ملفي لأحد أصدقائه على أن يقوم بدفعه وقت بدء التسجيلات وغادرنا بعد انقضاء العطلة إلى بيتنا، وحياتي كلها أن أعود إلى الجزائر وقت الإمتحان). حلم البكالوريا... تبخر مع اكتشاف حِملي بعد وقت قصير من عودتي اكتشفت أنني حامل بطفلي الثاني أكرم ومرت شهور على حملي لم يسمح لي وقتها بمغادرة إسبانيا بسبب الحمل وضاعت عليّ فرصة اجتياز الإمتحان، تأسفت كثيرا حينها لكن كل ذلك زال بمجرد إنجاب ابني الثاني.. مرضت كثيرا في ولادتي الثانية حيث لم أعد قادرة على القيام بالأشغال لمنزلية وتربية الأولاد، حيث زادت المسؤولية وطلب زوجي من أختي الصغرى المجيء إلى إسبانيا لمساعدتي وجاءت أختي أحلام في فترة الصيف حيث كانت في عطلة وكانت تتكفل بكل أمور البيت من غسل وطبخ وعناية بالأطفال، ولكن فترة مكوثها معي لم تدم سوى شهرين لأنها طالبة جامعية إختصاص بيولوجيا وكانت في السنة الأخيرة للتخرج ولا يمكنها تفويتها.. رجعت أحلام إلى الجزائر وبقيت شهرا أعاني الأمرين بسبب حالتي الصحية، اكتشفت في هذه الفترة أن زوجي يشرب الخمر وذلك كان بمثابة صدمة لي وعندما واجهته بالحقيقة قال أنه كان قد أدمنه مند فترة وهو الأن يعالج منه وطلب مني مساعدته للإقلاع عنه. إدمان زوجي.. بداية مشاكلي بإسبانيا وبعيون باكية تسترسل حورية كلامها (مرّت الأيام وزادت المسؤولية عليّ، مما اضْطر زوجي بجلب خادمة لمساعدتي وهي مهاجرة غير شرعية من مكسيك وكانت تساعدني في أشغال البيت وأقوم أنا بطهي الطعام وكانت تبيت عندنا في المنزل ومنذ مجيئها لاحظت تغير تصرّفات زوجي معي، حيث أصبح قليل الكلام معي ولا يكترث لأمور البيت، وبعد شهرين إكتشفت أن زوجي كان على علاقة مع تلك الفتاة قبل أن تأتي للعمل في بيتنا فقد كانت تعمل كمنظفة زجاج في المتجر الذي يمارس فيه عمله، فقمت بطرد الفتاة ولم أجد مَن أذهب إليه أو أشكو له، خاصة وأن زوجي مند الحادثة أصبح يبيت في المحل وبعد فترة أخدني إلى بيت أهلي ومكثت قرابة 6 أشهر حتى تماثلت للشفاء وعادت المياه إلى مجاريها بيني وبين زوجي وقررنا العودة إلى إسبانيا، أنجبت ابني الثالث آدم بعدها، ولكن زوجي أصبح قليل الدخول إلى البيت حيث يخرج في الصباح ولا يعود إلاّ آخر الليل وعندما يعود يخلق المشاكل بيننا ويضربني وكثيرا ما كان يرجع إلى البيت وهو سكران، وكنت أكتم الأمر عن عائلتي وأولادي عسى أن يرجع إلى الطريق المستقيم وينتبه أكثر الى عائلته، خاصة وأن أولاده كانوا في فترة دراسية وأي مشكل قد يؤثر على تحصيلهم العلمي. تواصل معاناتي دفعني لمواجهة الواقع كانت الأيام تمضي بسرعة حيث كنت منشغلة في تربية أولادي الثلاثة ومرت ثلاث سنوات على ولادة إبني آدم، وفي مرة من المرات كنت ذاهبة رفقة إبني الأكبر نجيب إلى المدرسة حتى وجدت زوجي برفقة امراة كانت هي نفسها الخادمة التي كانت تعمل في بيتي مند ثلاث سنوات، وعند عودته إلى المنزل أخبرته بالأمر فكذبني وقال أن الشخص الذي رأيته ليس هو وأن أعصابي تحتاج إلى راحة.. واجهته بالحقيقة لكنه أنكر جملة وتفصيلا، قلت له أنه لم ينه علاقته بها منذ ذلك العام، بعدها إتصل هو بوالدي وأوهمه أني متعبة، فطلب أبي مني أن أرجع إلى أرض الوطن وبقيت في بيتنا مدة شهر ولم أستطع أن أمكث أكثر بسبب مدرسة ولدي وعندما طلبت من زوجي أن يدفع لي ثمن التذكرة لم يوافق وقال أنه عليّ البقاء لمدة أطول، لكن الشك بدأ ينتابني وقام أخي بشراء التذكرة لي ولأبنائي وتوجهت مباشرة إلى إسبانيا وعندما دخلت إلى بيتي وجدت الخادمة هناك تتصرّف وكأن البيت بيتها، ثرت ولم أتمالك أعصابي وشتمتها وغادرت باتجاه إحدى صديقاتي في بيتها إتصلت هي بعدها بزوجي أين تبعني وقام بضربي في الشارع.. لم أقدم أي شكوى في حقه لكن هناك 30 شخصا شهد الحادثة حسب تقرير الشرطة تمّ استدعاءنا إلى مركز الشرطة ولم أنكر الواقعة فقاموا بأخذ زوجي إلى السجن، وأخذت أنا وأولادي إلى أحد المراكز التي تهتم بالنساء المعنفات وقمت بتوكيل محامي للدفاع عني. 7 سنوات من المعاناة.. انْتهت بعودتي إلى الجزائر قال لي المحامي أنه رغم أن زوجي يملك أوراقا رسمية للإقامة في إسبانيا، إلا أنه سيتم ترحيله إلى أرض الوطن ولكني سحبت شكواي وطلبت الطلاق وحضانة أولادي، رجعت إلى الجزائر أحمل معي حلما لم يتحقق ومسؤولية ثلاثة أولاد.. لم أعرف كيف أبدأ ولكن التعويض الذي منح لي من قبل المحكمة كان كفيلا بأن أستأجر بيتا يأويني أنا وأولادي، فبيت والدي لا يسعنا جميعا وبدأت أبحث عن عمل أعيل به أولادي وعملت كعون إداري في إحدى المؤسسات التربوية الخاصة، وكان وقوف أخي إلى جانبي يعطيني دفعا قويا خاصة أمام رفض والدي لفكرة طلاقي، مكث زوجي بعدها شهرين في السجن وعاد هو إلى حياته الطبيعية وعلمت من إحدى صديقاتي أنه تزوج من الفتاة المكسيكية وهو الآن يعيش معها، فتجربتي هناك كانت قاسية جدا، فلو أن هذا الأمر وقع لي وأنا في بلدي لَكَََان أهون عليّ وعلى أولادي.. وكان يوم دخولي الجزائر نهاية رحلة العذاب والمعاناة التي عشتها في ديار الغربة.