الزواج وتكوين أسرة من أسمى وأبدع ثمرات الحضارة الإنسانية وهي الأعظم في تكوين العقل و الأخلاق ولكن هناك بعض الاعتبارات التي تحدد الزواج، كسلامة جسم المرأة، فإذا كان جسم المرأة حتى وإن بلغت سن البلوغ أو السن الشرعي للزواج ضعيفا أو هزيل البنية، ولا تستطيع احتمال مشكلات الحمل والولادة، فيجب مراعاة ذلك وتأخير الزواج إلى حين تكتمل صورة المرأة، أما إذا كانت الفتاة قاصرا فهي ليست مستعدة لهذا الزواج نفسيا وفسيولوجيا لكونها مجبرة ومكرهة من والدها أو والدتها اللذين يريدان الخلاص من مسؤولية القاصرة في سن مبكرة حتى وان كان الرجل الذي يتزوجها في سن اكبر من عمرها بسنين عديدة فعندما تتحول البراءة إلى حقد و قطيعة أسرية ويسبب أمراضا وأعباء صحية نفسية للفتاة وتعيق مستقبلها وتطورها، بالرغم من كل هذا فإن بعض الأسر لا تعير ضرورة مرور القاصر بمراحل مهمة في حياتها كالتعليم ما اثر وبصورة سلبية على حياتهم، وذلك بغية التخلص من عبء الفتاة المادي والمعنوي بالرغم من التطور الذي طرأ على المجتمع الجزائري إلا أن ظاهرة زواج القاصرات لا تزال سارية في بعض المناطق النائية والمداشر هذا ما أثار حفيظة كل المعنيين والمهتمين بهذه الظاهرة.. روبورتاج: ي. مغراوي لا يزال الجدل قائما ومحتدما، حول ظاهرة زواج القاصرات، من رجال كبار في السن، أو حتى من الشباب، خاصة وأنها عادت إلى الواجهة بعد اختفاء طويل وذلك نظرا للظروف الاقتصادية والاجتماعية لهاته الأسر وقد لاحظنا أن هذه السنة ومنذ بدايتها قد شهدت زيادة ملحوظة جدا في عدد حالات الزواج بالقاصرات وان في هذه الظاهرة كثرت لعدم وجود الوعي الفكري لدى بعض العوائل مما أدى إلى تفاقم هذه الحالة، وتعود هذه الظاهرة لأسباب مادية بحتة، فحاجة الأب للمال، وطمعه أحيانا، تدفعه لبيع ابنته إلى احد التجار، المتنفذين والقادرين على دفع المهر، مهما غلا ثمنه، متجاهلين أن الزواج من فتاة قاصر، لا يبني أسرة كريمة، خاصة، إذا كانت هذه القاصر جاهلة، ولم تستكمل تعليمها، كما أنها لا تستطيع فهم أبعاد مثل هذا الزواج، وفهم الهدف منه وغالبا ما ينتشر زواج القصر في المناطق الداخلية وعلى غرار تبسة، ومعسكر وأدرار وتندوف و ورڤلة، فضلا عن ولايات الجنوب.. وبهذا الصدد تقربت الاتحاد من بعض القرى والمداشر التي اشتهرت بتزويج بناتها وهن لم يبلغن سن الرشد بعد وأول وجهة لنا كانت مرتفعات ولايات جيجل وسطيف وبعض القرى المتواجدة على مستوى أقاليم بلديات ولاية تندوف، وذلك للتعرف عن كثب عن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تؤدي إلى زواج القاصرات في هذا العمر؟ ماهي الآثار التي تقع على الأسرة والمجتمع من جراء هذا الزواج.؟ وكيف ستعالج هذه الحالة؟ ابنتنا كانت لمجرد الاستئجار فقط، و أعيدت إلى أصحابها أول حالة صادفتنا كانت بتندوف بأعالي بلدية تبلبالة وهي حكاية القناة سعدية التي لم تبلغ الرابعة عشر بعد، جاءت حكايتها على لسان خالتها مقدودة حيث قالت: سعدية كانت أكبر بنات أختي فتاة جميلة مرحة وحلوة الكلام لا تزال تلعب مع صديقاتها البنات بالدمى والقريدة وما إن بلغت الرابعة عشرة حتى قرر والدها تزويجها لرجل صادفه في العاصمة وحسب زوج أختي كان الرجل يكبر الفتاة بأربعة وعشرين عاما إلا أن الثروة الطائلة التي كان يملكها أنسته هذا الفارق في العمر وجعلت الفتاة لعبة بين يديه، حين قرر والدها بيعها له مقابل منصب عمل لدى صهره الجديد ومنزل بالجزائر العاصمة، لكن الرجل ما إن وضع عقد الزواج في جيبه حتى اخذ الفتاة بعيدا ودون أن يبلغ أحدا عن وجهته وبعد ستة أشهر عادت سعدية، بعدما روت لنا ما تجرعته من ألم ومعاناة مع زوجها الذي كان مدمن كحول يضربها باستمرار ويعايرها بوالدها "الطماع"، وتسترسل الخالة كلامها قائلة: كانت سعدية ضحية "متاجرة"، وفوجئت أنها لا حقوق طبيعية لها كزوجة، واكتشفت بعد 10 أيام من الزواج أن لزوجها عائلة حقيقية، متكونة من زوجة وأربعة أولاد يكبرونها سنا، فأدركنا أن الرجل اخذ ابنتنا لمجرد الاستئجار فقط وأنها أعيدت إلى أصحابها بعد ذلك، خاصة عندما قالت لنا أنه كان يعطيها حبوبا كل يوم أي حبوب منع"الحمل".. حبه للمال أنهى حياة ابنته "الطفلة" أما لوداد طفلة ذات الخمسة عشر عاما حكاية تدمي القلوب، بعدما كانت سلعة تقاذفها الشيوخ ففي سن الثانية عشر زوجت وداد عنوة ودون عقد لأحد شيوخ القرية الذي عرف بالجاه والمكانة ولكن سرعان ما طلقها بعدما علم بحملها فعادت وداد إلى بيت أهلها وبعدما وضعت مولودتها وانقضاء العدة حتى زوجها لآخر وكان غنيا أيضا فحملت بمولود ذكر وبعد النفاس حملت مجددا لتجد نفسها حامل ما جعل حالتها الصحية تتدهور لتصاب بأنيميا حادة أودت بحياتها وحياة جنينها.. ليجد والدها نفسه حاملا عبء طفلين يعيلهما بعد تنكر الوالدين لهما.. زواجي وحملي المبكرين جعلاني أبدوا كالمومياء""جلدا على عظم" أما مريم عشرون عاما وهي أم لطفلة في السادسة أخرى في الرابعة حيث قالت: زوجني عمي بعدما توفي والدي من رجل يكبرني بخمسة أعوام ولم أشعر أبدا بأنني زوجة له، بل خادمة جئت إلى هذا البيت لأريح كل من فيه من جميع الأعمال التي يقومون بها، حتى أنني لم أتحمل ذلك فطلبت من عمي التدخل ولكنه لم يفعل شيئا، لم يقف الحال عند هذا الحد، فزوجي الذي لم يكمل عامه ال18، كان يعاشرني طالبا مني الإلمام في أمور لم أكن أعلم بها قط"، حتى أنني هربت أخيرا إلى منزل والدي ولكن الحكاية لم تنته بعد، رفض عمي استقبالي، وأرغمني على العودة وتحمل الحياة محاولا التخفيف عني بقوله إنها حياة تعيشها وتتحملها جميع الفتيات المتزوجات، وعندما عدت وجدت ما هو أقسى وأعنف ومتطلبات حياتية أخرى جعلتني أبدو "جلدا على عظم كالمومياء" بسبب الممارسات التعسفية والعقوبات التي كانت تقع عليها عندما تخطئ كأي فتاة غير ناضجة..هربت مريم مرة ثانية، ولكن إلى عمٍ آخر لها، وطالبته بإنهاء معاناتها، وهو الأمر الذي تبناه عمها وعمل عليه حتى تحقيقه بعد مشاكل كبيرة حدثت بين الأشقاء انتهت بطلاقها، وعلى كتفيها طفلتين.. ظاهرة مرضية تعتري المجتمعات العربية الإسلام بريء منها فيما أكد الدكتور النفسي موسى محمد أن زواج القصر يخلف أضرارا. اجتماعية، وحتى دينية، أما الآثار النفسية فحدث ولا حرج فتزويج الطفلة الصغيرة حرمان عاطفي لها من حنان الوالدين، والحرمان من عيش مرحلة الطفولة، التي إن مرت بسلام، كبرت الطفلة لتصبح إنسانة سوية، لذا فإن حرمانها من الاستمتاع بهذا السن، يؤدي عند تعرضها لضغوط، إلى ارتداد لهذه المرحلة في صورة أمراض نفسية مثل الهستيريا والفصام، والاكتئاب، والقلق واضطرابات الشخصية واضطرابات في العلاقات الجنسية بين الزوجين، ناتج عن عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة، مما ينتج عنه عدم نجاح العلاقة، وصعوبتها، وقلق واضطرابات عدم التكيف، نتيجة للمشاكل الزوجية، وعدم تفهم الزوجة لما يعنيه الزواج، ومسؤولية الأسرة والسكن والمودة... وهذه الظاهرة الإسلام بريء منها. زواج القاصرات عبئ على النظام الصحي أما عن الأضرار الجسمانية فتقول الدكتورة النسائية نصيرة بولعراس أن الخوف وما يترتب عليه، قد يصاحب القاصر إذا تعرضت للزواج بهذا العمر، والانغلاق اللا إرادي للمهبل لمن هن في عمر مبكر ويزيد من احتمال حدوث ذلك، وجود الخوف (القلق) من الشدة الجسدية من الزوج، وهي حالة مرضية تستدعي التدخل الطبي، ووجود قابلية للإصابة ببعض الأمراض خلال فترة النفاس مما يؤدي إلى زيادة الأمراض في الأسرة والمجتمع، وبالتالي تشكل عبئا على النظام الصحي. الأصل في المقاصد وليست الألفاظ وهنا استغل الدين في تحليل الجريمة مستندين إلى أن الإسلام لم يحدد سنا معينا للزواج، ولكن الإسلام يرد على ذلك بأن الأصل فيه هي المقاصد وليست الألفاظ، وفي حديث الرسول صلى الله عليه وأله وسلم "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"، والباءة هنا هي القدرة البدنية والقدرة المادية. ففي تعريف الزواج المبكر في الإسلام أن من الحقائق الموضوعية أن سلامة جسم المرأة وعقلها له دور فعال في تربية الأطفال وتقويم شخصيتهم. ولم يغفل الدين الإسلامي عن هذه الحقيقة، لذا نبه على ضرورة مراعاة عوامل السلامة من العيوب الجسمية والعقلية لكلا الزوجين. وجعل منهما الخيار في فسخ العقد، فيما إذا ما تبين أن أحدهما كان مصابا بعيب جسماني أو خلل عقلي. بالإضافة إلى وجوب التأكد من سلامة الزوجة من العيوب الجسدية الموجبة لفسخ العقد..