تعرض التراث الإنساني في الشرق الأوسط لعمليات تدمير وتخريب ونهب واسعة في 2015 تسببت فيها الحروب الجارية في المنطقة منذ خمس سنوات، والتعديات الممنهجة للجماعات الإرهابية والتي كان آخرها تدمير بوابتين تاريخيتين آشوريتين بالموصل، شمال العراق. ويقدم عدد من الأثريين العرب صورة سوداوية جدا عما آل إليه هذا التراث في السنوات الأخيرة، حيث يعتبر الأمين العام لاتحاد الأثريين العرب، ومقره القاهرة، محمد الكحلاوي، أن الشرق الأوسط يعيش تدهورا رهيبا جدا فيما يتعلق بتراثه حيث فقدت سورياوالعراق أكثرمن 50 % من آثارهما في حين فقدت مصر 30 %. ويقول الأكاديمي المصري في تصريح له شهر مارس الماضي أن السبب في هذا الوضع يرجع إلى الصراعات التي تعيشها البلدان العربية وما صاحبها من تصاعد للتطرف الديني، بالإضافة للإهمال واللاوعي عند الشعوب العربية وعدم تعاملها مع التراث باحترام. ويؤكد الكحلاوي أن العالم العربي يتعرض لعملية تدمير مقصودة لتراثه، وأن الغرب يريده أن يكون بلا تاريخ ضاربا المثل بالمتحف الوطني العراقي الذي نهبت منه 7 آلاف قطعة أثرية إلى اليوم. ويشدد من جهته، عالم الآثار المصري، زاهي حواس، على أن ثلثا آثار مصر تم تهريبها للخارج بين عامي 2011 و2013 عقب الإطاحة بنظام مبارك مضيفا في تصريح له شهر أفريل الماضي أن تهريب الآثار مازال مستمرا اليوم ولو بشكل أقل حدة. وكان متحف القاهرة قد تعرض للنهب في 2011 إبان الإضطربات السياسية التي أطاحت بنظام مبارك كما تم إتلاف آلاف الكتب النادرة في حريق بمبنى المجمع العلمي المصري نفس العام. وتؤكد تقارير إعلامية غربية على أن الكنوز الأثرية الشرق أوسطية صارت تباع في العديد من متاجر المدن الغربية الكبرى كما صارت تعرض للبيع علنا من على مواقع إلكترونية عالمية كe-Bay. ولم يكن التعدي على آثار بلاد الرافدين إلا استمرارية لاعتداءات سابقة وخصوصا إبان الغزو الأمريكي للعراق في 2003 لما تم نهب المتحف الوطني العراقي في عملية صنفها أثريون كأكبر سرقة في التاريخ كما يؤكده المنقب العراقي عامر عبد الرزاق في حوار له شهر أفريل الماضي. وتم أيضا بعد أشهر من بداية هذا الغزو، يضيف هذا المنقب، نهب وتخريب وتدمير ما يقارب من 15 ألف موقع أثري كما تم استخدام العديد من المتاحف والمواقع الأثرية كمقرات ومعسكرات للقوات الأمريكية، على غرار مدينة بابل وغير بعيد عنها موقع كيش السومري. وإبان حرب الخليج الثانية، يتابع هذا الأثري، كانت مدينة أور السومرية التي تعتبر من أهم المواقع الأثرية في البلاد قد تعرضت للهجوم من طرف القوات الأمريكية قبل أن تحولها لثكنة عسكرية. الذاكرة الإنسانية في زوال لقد كان عام 2015 الأكثر إجراما بحق التراث في الشرق الأوسط، حيث تم في العراق تدمير مدينة نمرود الآشورية التي تعود للقرن ال13 قبل الميلاد وإحراق مكتبة الموصل التي تضم الآلاف من الكتب والمخطوطات، بالإضافة لتخريب ونهب مدينة الحضر التي يرجع تاريخها للقرن الأول قبل الميلاد. وفي سوريا، قام تنظيم ما يسمى ب الدولة الإسلامية (داعش) بتدمير عدة معالم بمدينة تدمر التي تعود للقرنين الأول والثاني بعد الميلاد كما تحولت الكثير من المواقع لساحات معارك على غرار البيوت الأثرية بحلب وقلعتها التي يرجع تاريخها للقرن ال16 قبل الميلاد. وكان معهد الأممالمتحدة للتكوين والأبحاث (يونيتار)، ومقره جنيف، قد أكد في 2014 واعتمادا على صور للأقمار الصناعية بأن أكثر من 290 موقع في سوريا تعرض للتدمير أو النهب أو الإصابة بأضرار كبيرة منذ بداية الصراع. ويستثمر التنظيم الإرهابي (داعش) جيدا في بيع ما يمكنه من آثار حضارات الهلال الخصيب القديمة حيث تشكل، وفقا لتقارير إعلامية، ثاني أهم مصدر للدخل بالنسبة له بعد بيع البترول المهرب، إذ تقدر عائداته بحوالي 100 مليون دولار سنويا وفقا لأحد الدبلوماسيين الأمريكيين. وتعرضت بدورها آثار اليمن للتخريب نتيجة عدم الإستقرار بالبلاد منذ الإطاحة بنظام علي عبد الله صالح بداية 2012 على غرار بعض معالم مدينة صنعاء القديمة المصنفة ضمن التراث الإنساني وعدد من آثار مدينة براقش التي ترجع للقرن الأول قبل الميلاد وسد مأرب الذي يعود للقرن الثامن قبل الميلاد.