«أعداؤنا ليسوا المجرمين من الجهلة و البسطاء، بل الأذكياء الفاسدون» يقول الكاتب البريطاني غراهم غرين متحدثا عن تطور الإجرام و انتشاره وسط المجتمعات الفقيرة و الغنية على حد سواء، فحيث يكون الفقر يكون الإجرام و حيث يكون المال يكون الطمع و يكون الإجرام أيضا. تطور الإجرام أنتج مجرمين متمرسين يضعون الخطط و الاحتمالات و يدرسون علم الإجرام و تقنيات التحقيق الجنائي، حتى لا يقعوا بين أيدي المحققين، و تطورت أيضا أساليب التحقيق الجنائي و أصبحت تعتمد على علماء الجينات و الكيمياء و الفيزياء و خبراء الميكانيك و الاليكترونيات الدقيقة للإطاحة بمقترفي الجرائم. في قالمة كما في ولايات أخرى وقعت سرقات و جرائم قتل كثيرة ارتكبها "أذكياء فاسدون" مازالوا أحرارا طلقاء إلى اليوم، خططوا جيدا و لم يتركوا أثرا بمسرح الجريمة، ربما وقعت عليهم أعين شهود كتموا الشهادة خوفا من الانتقام، أو نكاية في الضحايا الذين أزهقت أرواحهم و نهبت أرزاقهم بغير حق. أصبح المحققون الجنائيون يواجهون تحديات كبيرة عند ملاحقة المجرمين الأذكياء وسط مجتمع غير متعاون و غير متحمس لوقف إجرام متصاعد طال كل شيء، الأرواح البشرية، الأموال و المجوهرات، السيارات و المواشي، مذكرات البحث و برامج الحاسوب، الهواتف النقالة و أسلاك الاتصالات و الكهرباء، الأسمدة الزراعية، مواد البناء و كل شيء يصلح للبيع في السوق السوداء التي توسعت بشكل مثير للقلق و أصبحت وكرا آمنا للمجرمين توفر لهم الحماية و تستوعب كل ما يسرقون. و أمام التطور الخطير للإجرام الذكي، ظهرت مصالح الشرطة التقنية بالمديريات الولائية للأمن الوطني و المجموعات الإقليمية للدرك الوطني كأداة فعالة أسقطت الكثير من محترفي الإجرام و قادتهم إلى السجن. في قالمة التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى منطقة عبور و نشاط مكثف للعصابات الإجرامية، لعبت الشرطة التقنية بالمجموعة الإقليمية للدرك الوطني دوار كبيرا في كشف أسرار الكثير من الجرائم الخطيرة و مقترفيها، و لم يخف قائد المجموعة قانا بن عودة اعترافه في أكثر من مناسبة بدور الشرطة التقنية في مجال التحري و البحث الجنائي المضني عن المجرمين، و قال أن من أسماهم بجنود الخفاء قد تمكنوا من تحديد هوية الكثير من القتلة و السارقين، و أقنعوا القضاة بالدليل العلمي القاطع الذي لا يقبل الشك و لا يمكن للمجرمين أن ينكروه. مجرمون محترفون يحرقون جثث الضحايا لطمس معالم الجريمة في شهر أفريل من العام الماضي اختطفت عصابة قتل خطيرة سائق سيارة «فرود» من منطقة باب سكيكدة بمدينة قالمة ،و حولته إلى منطقة غابية معزولة بين حمام النبائل و بوشقوف شرق الولاية و جردته من هاتفه النقال و نزعت ملابسه و قتلته ،ثم استولت على سيارته لبيعها لعصابة أخرى بولاية برج بوعريريج. هز خبر الاختطاف سكان مدينة قالمة و انتشر المحققون في كل مكان للبحث عن الرجل، لكن دون جدوى، احتج أهالي المختطف و جيرانه و طالبوا بتكثيف البحث، و استدعى الدرك الوطني طائرات حوامة جابت إقليم الولاية طولا و عرضا ،لكنها لم تعثر على أثر للسيارة و صاحبها. كان الجناة يشاهدون الطائرات و هي تحوم فوق المنطقة الغابية التي يرقد فيها الضحية جثة هامدة، امتلكهم الخوف و قرروا العودة إلى المكان لحرق الضحية و طمس معالم الجريمة، حولوا جثته إلى كتلة متفحمة اكتشفها راعي غنم ،لكن لا أحد تمكن من تحديد هوية الجثة بالرغم من أن كل الشكوك كانت تشري إلى أنها جثة سائق «الفرود» المختطف من ضاحية باب سكيكدة. تدخلت الشرطة التقنية العاملة بمجموعة الدرك الوطني بقالمة و نزعت عيينات من الهيكل العظمي للضحية و عيينات من دم الوالدين المفترضين ،و أرسلت العيينات إلى المعهد الوطني للأدلة الجنائية و علم الإجرام ببوشاوي و أظهرت نتائج التحاليل بأن العيينات المنزوعة من الجثة مطابقة للعيينات المنزوعة من الوالدين المفترضين للضحية و أن الجثة المحترقة هي بالفعل جثة سائق «الفرود» المختطف. و بعد الاستغلال الجيد لهاتف الضحية تم تحديد هوية أحد المشتبه بهم، و عثرت الشرطة التقنية على بقع دم بحذائه بينت تحاليل الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (أ.دي.أن) أنها من دم الضحية و انكشف الجناة و سقطوا الواحد بعد الآخر. مشط الشعر مضاهاة الخطوط و البصمة الوراثية لكشف المجرمين في شهر أفريل من السنة الماضية اقتحمت عصابة منزلا ببلدية بن جراح غربي مدينة قالمة ،و سرقت مجوهرات بقيمة 150 مليون سنتيم، عاينت الشرطة التقنية مسرح الجريمة و وجدت آثار كسر صغيرة على نافذة المطبخ و كان الكسر من الداخل، كما عثر أيضا على بقع دم بعلبة المجوهرات و بقع دم أخرى بالقرب من سياج النافذة. وجهت أصابع الاتهام لخمسة أشخاص مشتبه بهم و نزعت منهم عيينات دم أرسلت إلى المعهد الوطني للأدلة الجنائية و علم الإجرام ببوشاوي لتحديد الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين ،و تبين أن العيينة الموجودة بمسرح الجريمة مطابقة لدم أحد لمشتبه بهم و تم توقيفه و تقديمه للعدالة. تسلل شخص إلى منزل ببلدية وادي الشحم شرقي قالمة لتنفيذ عملية إجرامية، و بعد مشاهدته لصاحب المنزل فر هاربا على متن سيارة من نوع بيجو 206، الضحية قام برمي حجر على السيارة كسرت زجاجها. و بعد إخطار الدرك الوطني نصبت السدود و انتشرت الدوريات في كل مكان و تم توقيف السيارة، لكن صاحبها نفى نفيا قاطعا أنه كان بمسرح الجريمة. تدخلت الشرطة التقنية و نزعت عيينات من زجاج السيارة و قارنتنها بالزجاج الذي كان متناثرا بجوار منزل الضحية، كما تم مشط شعر المشتبه به، و عثر المحققون على بقايا زجاج دقيقة مطابقة لزجاج السيارة و الزجاج المتناثر بمسرح الجريمة و انهار المشتبه به و قدم للقضاء. تلقت فرقة الدرك الوطني ببلدية بني مزلين بلاغا عن وجود جثة فتاة معلقة بلوح خشبي في منزل قيد الإنجاز ،و عثر المحققون على رسالة بصدر الضحية موجهة إلى صديقة لها تخبرها بأسباب الانتحار. و للتأكد من الرسالة تنقل المحققون إلى منزل الضحية و حجزوا عدة كراريس للدراسة خاصة بالضحية ، و أرسلوها رفقة الرسالة إلى المعهد الوطني للأدلة الجنائية و علم الإجرام ببوشاوي دائرة فحص الوثائق لإجراء الخبرة العلمية و مضاهاة الخطوط، أين تم التأكد من أن الضحية هي من كتبت الرسالة قبل الانتحار. نشب خلاف حاد بين زوج و زوجته حول قضية إثبات نسب مولود بإحدى بلديات ولاية قالمة، و بأمر من القضاء تدخلت الخبرة التقنية لنزع عيينات من دم المولود و الوالدين المفترضين و تبين بعد التحاليل البيولوجية أن المولود هو الابن البيولوجي للأم و ليس الابن البيولوجي للأب. و بالنظر إلى أهمية الخبرة التقنية في قضايا الإجرام، أصبح القضاة يعتمدون بشكل كبير على محاضر الخبرة و الدلائل الجنائية المقدمة من طرف الشرطة التقنية للفصل في القضايا المعقدة، في ظل التراجع المقلق للشهود و انسحاب المجتمع من معركة التصدي للإجرام المتصاعد.