احتفلت تونس أمس بعيد استقلالها التاسع و الخمسين في أجواء خيمت عليها تداعيات الهجوم الإرهابي الذي استهدف سياحا أجانب في متحف باردو، و عبر التونسيون من خلال تظاهرات في الشوارع عن نبذهم للعنف و الإرهاب، معلنين تحديهم لمنفذي الهجوم من الإرهابيين المرتبطين بجماعة أنصار الشريعة، كانوا قد تلقوا تدريبات في ليبيا حسب العناصر الأولية للتحقيق. و دعا الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي في كلمة ألقاها أمس بقصر قرطاج بمناسبة الاحتفال بعيد الاستقلال إلى الوحدة الوطنية من أجل كسب الرهانات الأمنية و الاقتصادية و الاجتماعية، و ضمان عدم تكرر العمليات الإرهابية. و أضاف السبسي حسبما نقلت وكالة تونس الرسمية للأنباء أنه «كلما توحد الشعب التونسي حول أولوياته إلا و انتصر» مذكرا بالعديد من المحطات المضيئة في تاريخ تونس التي تؤكد اقتران الوحدة بالانتصار. و أكد الرئيس التونسي أن بلاده تواجه اليوم تحديات كبرى و في مقدمتها التحديات الأمنية التي قال أنه لا يمكن للبلاد أن تجابهها بمفردها، معربا عن إرتياحه لما عبرت عنه الدول الشقيقة و الصديقة من استعداد لمعاضدة المجهود الوطني التونسي في هذا الاتجاه. و شدد السبسي على أن الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلاده يقتضي القيام بإصلاحات وصفها بالهيكلية و الموجعة تتوج مسار الانتقال الديمقراطي و دعا إلى إرساء مصالحة وطنية، و رفع كافة القيود عن رجال الأعمال المعنيين بعد صدور أحكام قضائية في شأنهم و إيجاد إطار قانوني لهذا الصلح من أجل غلق الملف نهائيا. و اعتبر أنه لا يجب الاقتصار على إيجاد حلول للمسائل الأمنية و الاقتصادية و الاجتماعية بل يجب كذلك السعي بعد إنجاح المسار الانتقالي إلى الالتحاق بركب الدول المتقدمة و هو ما يستوجب القيام بإصلاح شامل لقطاع التعليم و النهوض بمستوى الجامعات التونسية. و عبر التونسيون في مسيرات بعديد مدن البلاد أمس احتفالا بعيد الاستقلال عن وقوفهم صفا واحدا في مواجهة الإرهابيين و دعوا في مسيرة بقفصة إلى «توحيد الصفوف قصد اجتثاث الإرهاب من البلاد» و عبروا عن دعمهم المطلق للقوات المسلحة و الأمن الوطني في محاربة الظاهرة، و حمل عدد من المتظاهرين في ولاية قبلي مسؤولية ما تعيشه تونس من أوضاع صعبة «للأطراف السياسية التي دعمت بشكل أو بآخر المجموعات الارهابية التي اخترقت البلاد عقب الثورة و لم تجد نية جادة في التصدي لها، و هو ما يعكسه تتالي العمليات الإرهابية التي تعرفها تونس منذ سنة 2011» حسبما نقلته الوكالة التونسية. كما شهدت بقية مدن البلاد مسيرات و تظاهرات منددة بالإرهاب داعية إلى التصدي له في كل من القصرين و توزر و المهدية و تطاوين. من جهته أعلن وزير الصحة، سعيد العايدي، أن العملية الإرهابية التي وقعت بمتحف «باردو» بتونس أسفرت عن سقوط 23 قتيلا و47 جريحا. و صرح نوفل السمراني مدير مصلحة الطب الاستعجالي في الوزارة أن القتلى الذين تم تحديد هوياتهم حتى مساء أمس هم أربعة إيطاليين و ثلاثة فرنسيين و ثلاث يابانيات و إسبانيان و كولومبيان أحدهما مزدوج الجنسية (كولومبي – أسترالي) و بولندي و بريطانية و بلجيكية. ونقلت وكالة «تونس أفريقيا للأنباء» عن الصيد قوله في تصريحات إعلامية أدلى بها في قصر الحكومة في «القصبة» عقب اجتماع طارئ لمجلس الوزراء أن «قوات الأمن تمكنت من القضاء على العنصرين الإرهابيين اللذين نفذا الهجوم ويدعيان ياسين لعبيدى وحاتم الخشناوي». و ذكر الصيد أن الإرهابي لعبيدي كان متابعا من قبل مصالح الأمن، لكن دون أن تتوفر معلومات دقيقة لديها عن نشاطاته أو شبكة علاقاته، بينما تم اعتقال تسعة أشخاص على علاقة بمنفذي الهجوم في سياق التحقيقات الأمنية التي تقوم بها الأجهزة التونسية. كما قامت الوحدات الأمنية صباح أمس بمدينة صفاقس بمداهمة منزلين لعنصرين يرجح انتماؤهما لجماعة أنصار الشريعة المحظور في تونس أحدهما عائد من سوريا. و قد تبنى تنظيم «داعش» في تسجيل صوتي الهجوم على متحف باردو في تونس، بينما قال موقع إفريقيا للإعلام المرتبط بجماعة أنصار الشريعة التونسية في بيان على الإنترنت صباح الخميس أن منفذا الهجوم لعبيدي و الخشناوي لم يكونا بحاجة إلى السفر إلى ليبيا للجهاد، ومقدما تفاصيل عن العملية التي ذكر أنها كلفت 4 آلاف دينار تونسي، متوعدا بالمزيد من الهجمات. وأكد الصيد أنه «تم اتخاذ عدة إجراءات لمجابهة الوضع الناجم عن هذه العملية الإرهابية سواء على المستوى الأمني أو على صعيد التدخلات الصحية للعناية بكل الجرحى». وأثنى على أفراد قوات الأمن والجيش الوطنيين لجهودهم المتواصلة في التصدي للمخططات الإرهابية وكذا أعوان الصحة الذين عملوا على العناية الكاملة لضحايا عملية «باردو «من الجرحى. و قد أعلنت وزيرة الثقافة التونسية لطيفة لخضر عن إعادة فتح متحف باردو للجمهور يوم الثلاثاء القادم و قالت بحضور عدد من الوزراء في ندوة صحفية أن هذا القرار بمثابة رسالة واضحة لمن تهجموا على ذاكرتنا الجماعية و موروثنا الثقافي، و أضافت أن متحف باردو سيحتضن العديد من التظاهرات و الفعاليات في إطار المنتدى الاجتماعي العالمي الذي سينظم بتونس ما بين 24 و 28 مارس الجاري. من جهتهم وافق زعماء الاتحاد الأوروبي على زيادة التعاون الأمني مع تونس في أعقاب الهجوم، كما تعهدوا بتقديم مزيد من المساعدات الاقتصادية للدولة العربية التي تشهد ديمقراطية وليدة. وفي البيان الختامي الصادر عن قمة الاتحاد في بروكسل أمس أدان الزعماء الهجوم الذي شهدته تونس وعبروا عن تعاطفهم مع ضحاياه. وأضاف البيان «سيكثف الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء التعاون مع تونس للتصدي لهذا التهديد الإرهابي المشترك لتعزيز الديمقراطية الواعدة في تونس ومساعدة تطورها الاقتصادي والاجتماعي.» وفيما يتعلق بالهجوم على متحف باردو في العاصمة التونسية، قالت مسؤولة السياسات الخارجية بالاتحاد موغيريني إنها تحدثت مع رئيس وزراء تونس الحبيب الصيد لتأكيد الدعم الأوروبي من الناحيتين الأمنية والاقتصادية، وكذلك على صعيد «الانتقال الديمقراطي الذي تمر به البلاد». و أضافت أنها أجرت قبل يومين محادثات مع وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش، ووقعت معه اتفاقات مهمة للتعاون.