أسدل الستار أول أمس على بطولة الرابطة المحترفة الأولى بعد موسم إستثنائي، شهد نهاية «مجنونة» حيرت كل المتتبعين في أقطار العالم، على إعتبار أنه و قبل 4 جولات من خط النهاية ظلت كل الفرق معنية بحسابات التتويج و السقوط على حد سواء، لكن المحطة ما قبل الأخيرة حسمت في أمر اللقب، و كذا في هوية أول النازلين، قبل أن تتضح الرؤية نهائيا بتحديد أصحاب التذاكر الثلاثة على متن قطار النزول المؤدي إلى الرابطة الثانية، و قد شاءت الصدف أن يكون «طوفان» السقوط قد جرف معه أحد الأندية المتألقة قاريا، و يتعلق الأمر بمولودية العلمة المعني بتنشيط دور المجموعات في دوري أبطال إفريقيا، إضافة إلى جمعية الشلف التي مثلت الكرة الجزائرية في منافسة كأس الكاف، و أقصيت من ثمن النهائي على يد النادي الإفريقي التونسي. هذا الموسم الإستثنائي جعل البطولة الجزائرية بطولة المتناقضات، التي لم تعترف بالفوارق بين منشطيها، فهي الوحيدة في العالم التي يتحول فيها فريق من مرشح للتنافس على اللقب، إلى مهدد بالنزول، و العكس صحيح، و أحسن مثال على ذلك مولودية العاصمة التي كانت قد أنهت النصف الأول من الموسم في مؤخرة الترتيب برصيد 11 نقطة، لكنها و بعد إنتفاضة مرحلة العودة حققت قفزة عملاقة في سلم الترتيب و رست سفينتها على بر الأمان بترسيم البقاء في الجولة ما قبل الأخيرة، بينما كان الجار الإتحاد من أكبر المرشحين للتنافس على التاج، خاصة و أنه ختم مرحلة الذهاب في المركز الثاني برصيد 25 نقطة، غير أن المعطيات إنقلبت في مرحلة العودة، فأصبح أبناء «سوسطارة» أكبر المهددين بالنزول، و كان لزاما عليهم الفوز في الجولة الختامية في قمة الموسم على جمعية الشلف للمحافظة على مقعدهم في الرابطة الأولى. و لعل ما زاد البطولة الجزائرية إثارة و مكنها من خطف الأضواء و لفت إنتباه كل المتتبعين في العالم تقارب الفرق من حيث الرصيد النقطي قبيل جولات معدودات من نهاية المشوار، الأمر الذي عجز كل المحللين و المختصين في التكهنات عن فك شفرته، سيما و أن جميع المقابلات كانت تكتسي أهمية بالغة في حسابات اللقب و السقوط، من دون أن تصبح أفضلية العوامل الكلاسيكية من المعايير التي تلقي بظلالها على النتائج الفنية، بدليل أن وفاق سطيف الذي توج باللقب كان بحاجة ماسة إلى فوز بملعبه عندما إستقبل جمعية الشلف المتواجدة في مؤخرة الترتيب، لكن «الشلفاوة» عادوا بكامل الزاد من سطيف، و هي عينة على حالات التمرد على المنطق، كما أن الجولة 28 عرفت إنتهاء 7 مباريات بالتعادل، مقابل نجاح نصر حسين داي في تحقيق الإنتصار الوحيد في تلك المحطة، و كان خارج الديار بالحراش، و هي مخلفات لم تحصل في أية بطولة في باقي البلدان العالمية، رغم أنها من الحالات «الشاذة»، غير أنها جعلت الدوري الجزائري يسرق الأضواء من أحسن الدوريات في العالم، ليس من حيث المستوى الفني، و لكن بحكم الإثارة التي طغت على مبارياته في الثلث الأخير من المشوار. و لئن كانت بطولة «العجائب و الغرائب» قد إحتفظت بكامل أسرارها إلى غاية الأنفاس الأخيرة من الموسم فإن وفاق سطيف إنتزع اللقب في الجولة 29، ليرصع سجله بالبطولة السابعة، و لو أن «النسر الأسود» لم يكن لينتزع التاج لولا التعادل الثمين الذي عاد به من بلوزداد على حساب الشباب المحلي، مقابل إكتفاء مولودية بجاية بنقطة من مواجهتها لإتحاد الجزائر، لأن «الموب» كان أبرز المرشحين لإعتلاء منصة التتويج، خاصة بعدما قصف «السطايفية» بثلاثية في لقاء الإياب، غير أن إنشغال «البجاوية» بمنافسة كأس الجمهورية جعلهم يهدرون فرصة العمر لإحراز لقب البطولة، سيما و أنهم تعادلوا داخل الديار مع جمعية الشلف، كما إنهزموا أيضا بملعبهم أمام إتحاد الحراش، و هي 5 نقاط قلبت الموازين في الأميال الأخيرة من السباق، و خدمت أكثر مصلحة وفاق سطيف، على إعتبار أن «الموب» كانت قد توجت باللقب الشتوي، بعد تقدمها بخطوتين عن الثنائي إتحاد العاصمة و الحراش، في وقت كانت فيه «السطايفية» في المركز الرابع، لكن تراجع أشبال المدرب عمراني بعد التتويج بالكأس كان بمثابة هدية على طبق من ذهب لنسور الهضاب للتحليق عاليا و إستعادة اللقب الذي كانوا قد أحرزوه قبل سنتين. «الموب» المفاجأة السارة و «السطايفية» يقطفون ثمار الاستقرار بالموازاة مع ذلك فإن مولودية بجاية كانت من المفاجآت السارة لبطولة هذا الموسم، لأن «الموب» نالت تقدير و احترام الجميع بفضل الإستقرار، خاصة على مستوى العارضة الفنية، كون تجديد الثقة في المدرب عبد القادر عمراني سمح للفريق بالظهور في صورة «الكبار» كطرف بارز في معادلة اللقب، و تواجده بانتظام ضمن الأربعة الأوائل في سلم الترتيب، ليكون التتويج بكاس الجمهورية ثمرة سياسة العمل المنتهجة، و لو أن المولودية البجاوية أدت أحسن موسم لها في البطولة، مما سيمكنها من تمثيل الجزائر في دوري أبطال إفريقيا الموسم القادم، بحكم إنتهائها المشوار في الصف الثاني. إلى جانب مولودية بجاية يبقى وفاق سطيف المثال الذي يقتدى به في الإستقرار، لأن الزوابع التي هبت على بيت الفريق لم تكن كافية لإحداث التغيير، على إعتبار أن تتويج «النسر الأسود» باللقب القاري في نوفمبر الماضي عبد له الطريق لنجاحات أخرى على الصعيد المحلي، رغم أن الرئيس حمار و على غرار مدربه خير الدين ماضوي كانا في بعض المرات قد لوحا بالإنسحاب و الإستقالة، لكن النجاح في إحتواء تلك الأزمات الهامشية بسرعة البرق سرعان ما يعيد الهدوء و الإستقرار إلى البيت، ليجني الوفاق ثمار السياسة المنتهجة، و التي مكنته من إحراز 3 ألقاب هذا الموسم، إثنان منها ذات طابع قاري، مع بلوغه المربع الذهبي لكاس الجمهورية و إقصائه في سطيف على يد «الموب».
«طيور البابية» تعيد «سيناريو» وفاق سطيف قبل 28 سنة على النقيض من ذلك فإن «طيور البابية» التي حلقت عاليا في سماء القارية السمراء في أول ظهور لها على الصعيد الإفريقي لم تقو أجنحتها على مواجهة الرياح القوية في الدوري الجزائرية، لأن تواجد مولودية العلمة في مجموعات ربع نهائي دوري أبطال إفريقيا لم يشفع لها بالمحافظة على مكانتها ضمن «كبار» الرابطة المحترفة الأولى، و كأن عجلة الزمن دارت مع مرور السنين لتكرر نفس «السيناريو» الذي كان الجار وفاق سطيف قد عايشه قبل 28 سنة، لما سقط إلى الدرجة الثانية، لكنه واصل التألق قاريا و توج بكاس أبطال إفريقيا، لأن معاناة المولودية في البطولة إرتسمت منذ إنتهاء مرحلة الذهاب، رغم أنها كانت بمنأى عن الثلاثي النازل في النصف الأول من المشوار، بعدما تقدمت على كل من مولودية الجزائر، نصر حسين داي و جمعية الشلف، غير أن تألق «البابية» على الصعيد القاري مكنها من تحقيق إنتفاضة محلية، بدليل أنها فازت على «النهد» و تعادلت مع «سوسطارة» في سفريتين متتاليتين إلى العاصمة، فوجدت المولودية نفسها مجبرة على الفوز بلقائين داخل الديار للخروج نهائيا من حسابات السقوط، لكن التعادل دون أهداف مع شبيبة الساورة وضع مصير العلمة على كف عفريت، لتتعقد المأمورية أكثر بعد هزيمتها في بجاية في مباراة «دراماتيكية» ضيع خلالها هداف البطولة درارجة كرة «الإنقاذ» بإهداره ضربة جزاء، و لو أن المتتبعين أجمعوا على أن عدم الإستقرار على مستوى العارضة الفنية للفريق كان من بين العوامل التي أثرت بصورة مباشرة على مشوار المولودية، لأن البداية كانت مع قوافيك، ثم تم إستقدام آيت جودي، قبل أن يتقرر الإستنجاد بخدمات العجوز الفرنسي أكورسي الذي كان قد قاد التشكيلة الموسم الماضي . ما قيل عن العلمة يكاد ينطبق على جمعية الشلف، لأن «الشلفاوة» كانوا قد مثلوا الجزائر في كأس الكاف، لكن نتائجهم على الصعيد المحلي كانت متذبذبة، و هو أمر غير مألوف بالنسبة لهذا الفريق الذي تعود على لعب أدوار طلائعية، و مؤشرات السقوط لاحت في الأفق خلال مرحلة الذهاب، رغم الإستفاقة النسبية في النصف الثاني من البطولة، غير أن التعادل في عقر الديار في الجولة ما قبل الأخيرة مع «النهد» كان بمثابة آخر مسمار يدق على نعش «لاصو». بطولة المتناقضات تدخل الدوري الجزائري التاريخ إلى ذلك فإن القراءة التحليلية في الموسم المنقضي بلغة الأرقام تكشف عن الكثير من التناقضات ، لأن الشباك إهتزت في الدوري في 475 مناسبة، و مولودية العلمة تمتلك أقوى هجوم برصيد 40 هدفا، و تضم في صفوفها هداف الدوري وليد درارجة، في حين يبقى أمل الأربعاء أقوى فريق داخل القواعد بحصده 33 نقطة، بينما تعد شبيبة القبائل الأضعف في عقر الديار بحصولها على 20 نقطة فقط، و تلقيها 7 هزائم، خاصة بعد إجبارها على لعب عدد معتبر من المقابلات خارج تيزي وزو في غياب الجمهور. من جهة أخرى فقد خطفت عقوبات الرابطة الأضواء و ألقت بظلالها على سير البطولة، سيما فيما يتعلق بعقوبة اللعب دون جمهور، لأن 58 مباراة جرت أمام مدرجات شاغرة تنفيذا لعقوبة اللجنة المختصة، و كانت شبيبة القبائل أبرز ضحايا قرارات الرابطة بعد حادثة مقتل إيبوسي، في الوقت الذي نجا فيه فريقا شباب قسنطينة و نصر حسين داي من مقصلة «الويكلو»، بينما كثر الحديث عن فضائح الرشوة و ترتيب المقابلات، غير أن قضية الحكم المساعد رزقان و زميله بيشيران كانت الدليل الأبرز على صرامة الفاف في التعامل مع مثل هذه القضايا و إلزام كل الأطراف بإحضار الدليل المادي، ليتكرر نفس الإجراء مع حارس إتحاد بلعباس جوناتان ماتياس عقب تصريحه بتلقي عرضا من أجل تسهيل مهمة فريق على الفوز، في حين تعرض الكثير من رؤساء و مدربي النوادي لعقوبة نافذة و أخرى مع وقف التنفيذ بسبب الإتهامات التي وجهوها للحكام و الرابطة على حد سواء، أمثال مدوار، رضا مالك، حناشي و سعودي. من جهة أخرى لم يشذ الموسم المنقضي عن القاعدة بخصوص الحركية الكبيرة في سوق المدربين و غياب الإستقرار، حيث أن المقصلة أسقطت 21 رأسا، لكن بعض المدربين تداولوا على تدريب أكثر من فريق هذا الموسم، و المثال بوعلام شارف الذي قاد 3 فرق من الرابطة الأولى في ظرف 10 أشهر (مولودية الجزائر، إتحاد بلعباس و إتحاد الحراش)، في حين تبقى شبيبة القبائل الفريق الذي تداول على تدريبه أكبر عدد من التقنيين، و ذلك بتعاقب 4 مدربين على عارضته الفنية، و قد إستثني من التغييرات في المدربين كل من وفاق سطيف و مولودية بجاية.