سماسرة العقار يلتهمون عنابة أصبحت ولاية عنابة سوقا مفتوحا للمتاجرين بالعقار والاستحواذ على الأراضي وأصول المؤسسات المنحلة التابعة للدولة، بطرق قانونية وغير قانونية، سواء في إطار الإستثمار في مشاريع أغلبها غير مجدية لا تعود بأي فائدة اقتصادية على الولاية، كما هو الحال بالنسبة للترقيات العقارية الممنوحة في إطار « كالبيراف» والتي تعرف تجاوزات بالجملة، أو استيلاء سماسرة على تحصيصات بمناطق متفرقة بتواطؤ منتخبين وإداريين، لإعادة بيعها لأشخاص من خارج الولاية. تحقيق: حسين دريدح هذا إلى جانب الاستحواذ على الأملاك التابعة للأجانب عن طريق التزوير في الوكالات والعقود الرسمية، ناهيك على سوء التسيير و الخروقات الحاصلة بالوكالة العقارية، والتي أدت إلى استهلاك كامل مخزونها العقاري، لفائدة نافدين بالولاية، دون تجديد حقيبتها العقارية. ويشير تقرير أسود حول ملف العقار رفعه منتخبون لوالي عنابة الأسبق، إلى تسجيل تجاوزات خطيرة في تسيير المخزون العقاري بالولاية، وهو آخر تقرير ثم إعداده سنة 2010 ولم يطرح إلى يومنا هذا الملف الثقيل للنقاش على المجالس المنتخبة، ومصنف حاليا في خانة « الطابو». نسف المخزون العقاري باسم المشاريع الاستثمارية خاصة بعاصمة الولاية ساهمت مشاريع «كالبيراف» في الاستحواذ على ما تبقى من الأوعية العقارية بعاصمة الولاية تحت غطاء الاستثمار في مشاريع غير مجدية ومنتجة حسب مختصين ومتتبعين كالترقيات العقارية، بالإضافة إلى انتزاع بعض الأراضي التابعة للخواص، تم اقتراحها من قبل المستفيدين ومنحتها مصالح أملاك الدولة في إطار الامتياز، بعضها عن جهل وأخرى عمدا تقع في أمكان إستراتيجية كطريق مطار عنابة. وأدى الخطأ الفادح في التشريع، الذي يضبط تسيير لجنة المساعدة على تحديد الموقع وترقية الاستثمار والضبط العقاري «كالبيراف»، إلى استحواذ خواص على عدد هائل من الأراضي لإنجاز ترقيات عقارية، وهو ما يتعارض مع النصوص التنظيمية، التي تسمح بمنح حق الامتياز غير القابل للتنازل في المشاريع المنتجة فقط كالصناعة، الفلاحة، السياحة، الخدمات. أما الترقيات العقارية فلا تندرج في هذا الإطار ، فهي تمر عبر اللجنة التقنية للولاية، و قد وجد أصحاب المشاريع المنجزة في هذا الإطار أنفسهم أمام إشكال قانوني كبير كون القطع الأرضية المبنية عبارة عن امتياز وليست ملكية خاصة، حيث لا يستطيع المرقي إنجاز عقود الملكية للمستفيدين من هذه السكنات كونه يملك البناية دون الأرض. هذا الأمر دفع بالحكومة حسب رئيس مصلحة المنازعات بمديرية أملاك الدولة لولاية عنابة بوشرمة حميد، إلى تدارك النقص الموجود في التشريع، حيث يجري إعداد نص قانوني ينظم عملية التنازل على القطع الأرضية لفائدة المرقين. ملف «الكالبيراف» كان محل انتقاد من طرف الوالي السابق المرحوم محمد منيب صنديد في آخر اجتماع له بأعضاء المجلس الشعبي الولائي، مستغربا منح 70 بالمائة من المشاريع كمحطات متعددة الخدمات وترقيات عقارية بمناطق إستراتيجية، لأنها تستهلك مساحات كبيرة من الأراضي وليست منتجة، خصوصا وأن أصحاب المشاريع السكنية يستفيدون من العقارات بثمن رمزي ويبيعون الشقق بمبالغ مرتفعة تفوق قيمتها 1.5 مليار سنتيم، ولا يستطيع المواطن البسيط شراءها. فهذه المشاريع لم تأت حسب متتبعين للتخفيف من الطلب المتزايد على السكن، بل موجهة لفئة معينة من أصحاب المال. سجلت اللجنة الولائية للمساعدة على تحديد الموقع وترقية الإستثمار والضبط العقاري المسماة اختصارا «كالبيراف» منذ انطلاق العملية، إيداع 1934 ملف، بالنسبة للقرارات المنجزة قدر عددها ب 175، والعقود المشهرة 138، فيما بلغت الملفات المقبولة 357 ملف. وأكد المدير الولائي لأملاك الدولة بعنابة سعادة مبروك في لقاء مع النصر بأن مصالحه تمنح الأراضي فقط في إطار الاستثمار غير القابل للتنازل، إلى جانب تسوية وضعية العقارات الصغيرة الموجودة داخل النسيج العمراني وغير قابلة للبناء لفائدة شاغلي المساكن المجاورة لها، وكذا الموجودة محل نزاع. و ردا على سؤالنا حول منح الأولوية للوكالة العقارية بصفتها مرقي مفوض في شراء الأراضي، أوضح المدير سعادة بأن أملاك الدولة تتعامل مع جميع المرقين العقاريين سواء عمومي أو خاص في إطار الاستثمار وبنفس السعر، الذي وصل في بعض المناطق الإستراتيجية إلى 9 ملايين سنتيم للمتر المربع. عائلة خبير عقاري استولت على عقارات معمرين بوثائق مزورة وجود عقارات تعود للأجانب الذين كانوا يقيمون بعنابة فسح الطريق لبعض العاملين والعارفين بهذا المجال للتلاعب في تزوير الوثائق للاستيلاء على الأملاك التابعة للأجانب وتحويل ملكيتها لصالحهم، كما حصل مع عائلة الخبير العقاري بولنوار المتواجد بالسجن رفقة ابنه عن تهمة جناية التزوير في محررات رسمية، لقيامهما بتزوير وكالات على أنها صادرة عن القنصلية الجزائرية بمدينة بونيني الفرنسية، لتوكيلهما من طرف ورثة عائلة « بونرسيس» وهم معمرون سابقون بالجزائر، لبيع قطع أرضية. وفي هذا الإطار كشف بوشرمة حميد رئيس مصلحة المنازعات بالمديرية الولائية لأملاك الدولة بعنابة، بأن هناك عمل مشترك تطبيقا لتوجيهات الإدارة المركزية لتحين الوضعية الحقيقية للأملاك المسجلة باسم الأجانب منهم الفرنسيون، التونسيون، والأتراك الذين غادروا التراب الوطني، وإعداد قائمة اسمية للأجانب مالكي العقارات وتسجيلها لفائدة الدولة، بعد إثبات من خلال التحقيق الذي تقوم به مختلف المصالح أن هؤلاء الأجانب غادروا بصفة رسمية التراب الوطني، كما ثبت تخليهم عن هذه الأملاك، وذلك تطبيقا لنص المادة 42 من قانون المالية لسنة 2010 ، منها أملاك الفرنسيين «بورج»، «صابرية»، «بونسي»، «كردوزو» وبعض الشركات كمصنع « سكيناز» لإنتاج الفلين. الدولة تلجأ إلى ذراع الريش و الكاليتوسة للخروج من مأزق انعدام العقار أمام تقلص حجم الوعاء العقاري بسبب سوء تسيير المخزون ووجود المحاباة في توزيع الأراضي، لجأت السلطات المحلية إلى إنشاء تجمعات سكنية خارج عاصمة الولاية عنابة، و اختارت منطقة ذراع الريش والكاليتوسة ببرحال، لتلبية احتياجات المواطنين وطلبهم المستمر على السكن. هذا الأمر انتقده العديد من الخبراء والمختصين في العمران، مقترحين قبل الذهاب لاستغلال واستهلاك الأراضي الفلاحية والغابية، التوجه نحو إعادة تجديد المناطق والأحياء العمرانية القديمة، منها حي ما قبل الميناء الذي يحتوي على مستودعات ضخمة مهملة تستطيع استيعاب مشاريع سكنية وعمارات ذات أبراج تصل إلى 2000 شقة، نفس الشيء بالنسبة للمدينة القديمة، شارع جبهة التحرير، برمة الغاز، حي «لاستي»، وطاحونة كوكي. و هي الأحياء التي تحتوي على مختلف الشبكات، وتسهل عملية تزويد السكان بالمواد الطاقوية والماء وقنوات الصرف الصحي دون تخصيص أموال ضخمة للربط بشبكات جديدة. تورط مدراء سابقين للوكالة العقارية في منح الأراضي بالمحاباة أدى سوء التسيير الذي عرفته الوكالة العقارية من قبل المدراء الذين تعاقبوا عليها في السنوات الأخيرة إلى نسف المخزون العقاري ومنح قطع أرضية عن طريق المحاباة، وعجزها في تسوية وضعية المستفيدين ضمن التحصيصات القديمة، والسكنات التساهمية والريفية. وأوضح إطار مسير متقاعد من الوكالة العقارية تحفظ عن ذكر اسمه، بأن الوكالة بقيت تتخبط في المشاكل وتسير بالنيابة دون مدير رسمي من 2002 إلى غاية 2009 ، نجم عنها تراكم العقود وتأخر تسوية وضعية المستفيدين، إلى جانب الخروقات في بيع القطع الأرضية، وبعد تعيين المدير الجديد (ع.ج) لم يكد يمضي عامين في منصبه ، ثم أدين بتهمة اختلاس وتبديد أموال عمومية، وإساءة استغلال الوظيفة، وإبرام عقود مخالفة للتشريع والتنظيم المعمول بهما، و حكم عليه بالحبس النافذ ودخل السجن. الوكالة العقارية عادت بعده من جديد لتُسير بالنيابة بتعيين مدير يبلغ من العمر 75 سنة لمدة عامين تقريبا لينتهي به المطاف كسابقه في أروقة العدالة متابعا بنفس التهم، وأمام الإنسداد الحاصل واحتجاج المواطنين للمطالبة بتسوية وضعيتهم، عينت وزارة الداخلية والجماعات المحلية السيد جلاب عزيز مديرا رسميا يتمتع بكامل الصلاحيات، وهو يسير الوكالة حاليا حسب مصادرنا بنفس أخطاء سابقيه والمتعلقة أساسا في تسيير ممتلكات البلديات دون أن تصب عائدات بيع القطع الأرضية في حساب بنكي خاص بالبلديات، حسب دفتر الأعباء المنصوص عليه في المرسوم التنفيدي 90. 405، فالوكالة تتصرف في هذه الأموال بشكل كامل دون استثمارها في تهيئة تحصيصات جديدة. واستنادا لذات المصدر فالوكالة حاليا عاجزة على إنجاز عقود المستفيدين من السكن التساهمي والريفي، كونها عبارة عن» مرقي مفوض « وفق الاتفاقية الثلاثية الممضاة بين مديرية السكن والتجهيزات العمومية (صاحبة المشروع)، الصندوق الوطني للسكن (الممول)، والوكالة العقارية التي تسير الملف وتتابع الأشغال فقط، تملك الأرض ولا تمول الأشغال، فهي غير مالكة لسكنات لتستطيع إنجاز عقود الملكية، فملفات المستفيدين مجمدة لدى الموثقين لعدم قانونية الإجراءات. كما تخلت الوكالة العقارية على تهيئة التجزئات التي تم إنشاؤها حسب ذات المصدر رغم تسديد المستفيدين للقيمة التجارية، على غرار تجزئة الخروبة، حيث صرفت جميع العائدات في تسديد أجور العمال على مدار سنوات دون إعادة استثمارها. وكشف محدثنا بأن الوكالة فوتت على نفسها فرصة شراء قطع أرضية واسعة في أماكن إستراتيجية وبأسعار معقولة جدا من الخواص، باعتبارها مرقي عمومي لديه نفس الحقوق والمزايا مع المرقين الخواص، وله الأولوية في تنفيذ المشاريع الاجتماعية، فهي تعتمد على شراء القطع الأرضية من أملاك الدولة فقط، ما أدى بها إلى استهلاك كامل مخزونها العقاري ولم تتوسع. في المقابل قام المرقون العقاريون الخواص بالاستثمار في شراء قطع أرضية بمواقع مهمة استغلوها في انجاز ترقيات عقارية ضخمة، كما هو الحال بمنطقة سيدي عيسى المطلة على الواجهة البحرية. أما بخصوص عملية تسيير المخزون العقاري للوكالة والمسير من قبل مكتب العمليات العقارية، فتبين استنادا لتحقيقات أمنية سابقة، أن عددا هاما من القطع الأرضية المهيأة للبناء استفاد منها أشخاص من المقربين للمدراء ودون توفر أدنى الشروط القانونية فيهم، هذا التصرف حدث منذ سنوات عديدة وفي تحصيصات مختلفة على غرار تحصيص الخروبة، السلام، جنان القارس بالسهل الغربي، سيدي عيسى، تحصيص فيليب دو سارنار، بالإضافة إلى تحصيص بوخضرة ببلدية البوني . و يضيف ذات المصدر بأن الوكالة العقارية إلى حد الآن لم تستطع تسوية التحصيصات القديمة التي أنجزت من طرف البلديات في إطار الأمر 26.74 بعدة مناطق على غرار الصرول، واد النيل، حجر الديس، عين جبارة، خرازة، أول ماي. و في ظل سوء التسيير التي تعرفه الوكالة في الفترة الأخيرة خرج أغلب العمال بحصص فردية، والآن تسير بموظفين بعقود مؤقتة لا يملكون أي خبرة في مجال التسيير العقاري. و قد كشف مدير الوكالة العقارية للتسيير والتنظيم العقاريين الحضريين بعنابة جلاب عزيز في تصريح سابق للنصر بأن الوكالة حاليا توقفت عن بيع القطع الأرضية، وتتجه مستقبلا للاستغلال العقارات التابعة لها لبناء سكنات جماعية ونصف فردية بعدد من البلديات على غرار البوني برحال سيدي عمار، وكذا القطب المندمج ذراع الريش، ومنطقة سيدي عيسى حيث تجري حاليا حسبه إجراءات الحصول على الإعتمادات ورخص البناء للانطلاق في هذه المشاريع، التي من شأنها التخفيف من حدة أزمة السكن التي تعاني منها الولاية، وقطع الطريق على الأشخاص الذين يحتكرون شراء العقارات لرفع أسعارها، واستثنى جلاب أصحاب الإستفادات القديمة، حيث تجري تسوية وضعيتهم بدفع المبالغ المالية المتبقية. خبراء ينتقدون طريقة تسيير المخزون العقاري ويقترحون فتح مسالك وتهيئة تحاصيص جديدة بسيرايدي وبوقنطاس يرجع خبراء أسباب توقف عجلة التعمير المنظم، إلى غياب التنسيق بين مختلف المتعاملين العقاريين (الوكالة العقارية للولاية، مديرية أملاك الدولة، مديرية التعمير، البلديات، المحافظة العقارية)، واقتصار نشاطات البلديات في مديرية التعمير على القيام بدراسات مخططات شغل الأراضي دون تجسيدها على أرض الواقع بشق طرقاتها و إنجاز مختلف شبكاتها و تعيين المشاريع التي تنجز عليها، إلى جانب عدم متابعة الدراسات المبرمجة و تسليمها في الأوقات المحددة لاستعمالها في التوسع العمراني المنظم. و الدليل على ذلك ، هو أن بعض الدراسات لمخططات شغل الأراضي لم تنته و لم يصادق عليها إلى يومنا هذا منذ عشرات السنين من الشروع فيها، بالإضافة إلى عدم توفير مناطق عمرانية و قطع أرضية مهيأة للمواصفات القانونية للمواطن و للمرقي و للمستثمر و للإدارة العمومية. ويقترح الخبراء الذين تحدثوا للنصر للخروج من أزمة انعدام العقار، الإسراع بتوفير مخططات شغل الأراضي لكل الأحياء السكنية بالولاية و إعطاء الأولوية لمناطق التوسعات العمرانية الجديدة، وإنهاء عملية التسوية للعقارات الممنوحة في ظل الاحتياطات العقارية، وتخصيص مبالغ مالية معتبرة لتهيئة التجزئات المنشأة ضمن الاحتياطات العقارية البلدية مثل ما يجري العمل به في مناطق التوسعات العمرانية الجديدة، وإتمام عملية تطهير العقار الصناعي و الفلاحي و استرجاع أكبر قدر ممكن من هذه الأراضي لاستعمالها في إعادة بعث النشاط الاقتصادي و الفلاحي للولاية. كما أكد الخبراء على ضرورة الإسراع في دراسة الملفات الخاصة بمطابقة البناءات و إتمامها تطبيقا للقانون رقم 08/15 المؤرخ في 20/07/2008 ، حتى يتم وضع حد للتوسع العمراني الفوضوي. 18 ألف بيت قصديري في احتياطات عقارية استراتيجية أدت عملية تراجع الرقابة العمرانية إلى نشأة المناطق السكنية الفوضوية ، حيث تحصي الجهات المختصة وجود نحو 18 ألف بيت قصديري متواجد في احتياطات عقارية إستراتيجية منها أحياء سيدي عيسى، حي الخروبة، حي الفخارين، حي بوزعرورة، فقد تسببت هذه البناءات الفوضوية في إستعمال العقار الذي كان مخصصا لبعض التجهيزات العمومية، في الحيلولة دون إنجاز بعض المشاريع الهامة لتطهير المدينة، كما هو الشأن لواد سيدي حرب و مرور قنوات المياه الصالحة للشرب و شبكات التزويد بالكهرباء و الغاز، و عدم التحكم في توزيع البرامج السكنية و التمكن من القضاء على الأزمة، و إجبار السلطات المحلية على تهيئة هذه المناطق الفوضوية، و استحالة الرقابة لهذه المناطق العمرانية من طرف الهيئات الأمنية و تفشي ظاهرة الانحلال الخلقي، و تشويه المنظر العمراني للمدينة و ترييفه بتربية المواشي و مختلف النشاطات المخلة بالنظام الحضري العام. ناهيك عن النزيف الاقتصادي الذي تسببت فيه هذه الأحياء في استهلاكه للطاقة بطريقة عشوائية دون دفع مبالغها و تبذيرها للمياه الصالحة للشرب، و تصريف المياه القذرة و الملوثة للمحيط، و أكبر من ذلك كله التسبب في الإنجرافات على سفوح الجبال و الفيضانات في أحياء المدينة ،مما يصعب من مهمة البلديات القيام بتنظيف المدينة و جعلها مطابقة للنموذج الحضري المنشود. خروقات في قانون التعمير و أملاك الدولة تُحمل البلديات المسؤولية استنكر المختصون في البناء والتعمير بولاية عنابة، الخرق المفضوح لقوانين التعمير خاصة بعاصمة الولاية، فهناك غياب تام لاحترام مخططات شغل الأراضي، وهو ما نلاحظه في عدد من الأحياء السكنية حيث تجد مباني مشيدة وفق المخطط، وأخرى بجانبها مؤلفة من أبراج ذات 15 طابقا ،رغم أن المخطط ينص على إنجاز طابقين فقط، ما سمح بالاجتهادات الخاطئة في مجال التعمير و تجاوز القوانين المعمول بها. كما تأخذ هذه المخططات حيزا كبيرا من الوقت للمصادقة عليها، و في بعض الأحيان يتجاوزها الزمن و تصبح غير قابلة للتطبيق، فكل الشروط التي وضعت للتحصيصات المنشأة لم تحترم عملية المطابقة للبناءات و إتمامها. يحدث هذا رغم توفير الدولة كل الوسائل الردعية التي تسمح باحترام قوانين التعمير المشرعة لهذه المجالات، من وسائل بشرية و إمكانات مادية. نشوء تحصيصات عقارية بطريقة غير شرعية، نتج عنها ملفات عقارية ثقيلة عجزت السلطات المحلية في كبح النهب المفضوح للأراضي على مدار السنوات العشر الأخيرة، بكل من خرازة، الشابية،عين جبارة، البركة الزرقاء، بوشارب اسماعيل ، بوزعرورة والصرول. و حمل المدير الولائي لأملاك الدولة سعادة مبروك رؤساء البلديات مسؤولية التراخي في معاقبة وردع المخالفين والمتعدين على الملكية العقارية التابعة للدولة، وكذا تنفيذ قرارات الهدم، عن طريق تسخير القوة العمومية، كون الأميار يتمتعون بصفة الضبطية القضائية تسمح لهم بطلب المساعدة من مصالح الأمن والدرك الوطني لمرافقة وتأمين عمليات هدم وإزالة البناءات غير القانونية. وأوضح سعادة بأن مصالح البلديات تقوم بتحرير المئات من قرارات الهدم وتوقيف الأشغال، لكنها لا تطبق على أرض الواقع وتبقى حبيسة الأدراج، مشيرا إلى تشكيل لجان مشتركة تضم ممثلين عن مديرية البناء والتعمير ومنتخبين وإداريين لإعداد تقارير مفصلة حول النهب المفضوح للأوعية العقارية بالمناطق المذكورة عن طريق معايناتها الميدانية، للوقوف على ما يجري من انتهاكات وتجاوزات مرتكبة في حق الأراضي التابعة للدولة ورفع تقريرها النهائي لمصالح أملاك الدولة، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في شأنهم. و أضاف ذات المتحدث في حال عدم التوصل لأي نتيجة في ردع المخالفين ، يتم اللجوء إلى وكيل الجمهورية لتحريك الدعوى العمومية ومتابعة المتعدين على العقار أمام العدالة، حيث أدين العام الماضي 8 مخالفين بالحبس وغرامات مالية، كما تسجيل خلال العام الجاري 28 اعتداء على الملكية العقارية التابعة لدولة بمناطق متفرقة. وأمام عجز البلديات في كبح ظاهرة استفحال النهب المنظم للأراضي التابعة للدولة لانجاز سكنات ومستودعات، من قبل « مافيا العقار»، يتم التحقيق في هذا الملف من قبل مصالح الأمن والدرك الوطني بأمر من وكيل الجمهورية المختص إقليميا، لمعرفة الأطراف التي تساعد وتشجع على نهب الأراضي لوقف نشاطهم، بعد أن تحولوا إلى أثرياء على حساب أملاك الدولة، مستغلين معرفتهم للمناطق التي يسكنون فيها للاستيلاء على الأراضي الشاغرة، التي تتم تسويتها بالجرافات ليلا وغرس الأساسات لإعادة بيعها لمواطنين من خارج الولاية بمبالغ تعد رمزية بالمقارنة مع الأسعار المتداولة لدى الخواص، الذين يحوزون على عقود ملكية للأراضي الذي يبيعونها، مستثمرين في أزمة السكن التي تعيشها ولاية عنابة، مع الطلب الرهيب على العقار والشقق. و أصبح المشترون الجدد يسيطرون على تحصيصات بالمناطق المذكورة، لإعادة بيعها بأسعار تتراوح ما بين 50 و150 مليون سنتيم للقطعة الأرضية، مستغلين تراخي السلطات المحلية في هذا الشأن، خاصة مع شغور منصب والي الولاية. و تعمل مصالح الشرطة والدرك الوطني على استدعاء الأشخاص المتعدين على القطع الأرضية للاستماع إلى أقوالهم، حول التجاوزات المتعلقة بالمتاجرة بجيوب العقارية التابعة لأملاك الدولة. كما تشتكي بلديات عنابة من الملفات العالقة لدى الوكالة العقارية، بالنسبة للتجزئات المنشأة في ظل الأمر 74/26 أو في ظل البرامج الاجتماعية كالسكنات التطورية و الريفية و البناء الذاتي الممول و غير الممول و كذلك السكن التساهمي. هذا التأخير في تسوية الملفات راجع أساسا لغياب الوثائق الإدارية اللازمة ،مثل رخص التجزئة و المداولات المصادق عليها من الوصاية و المنازعات العالقة بالعدالة و عند الموثقين، إلا أن الدولة اتخذت الإجراءات اللازمة لهذا الشأن و أصدرت قانون 15/08 المؤرخ في 20 جويلية 2008 و الخاص بمطابقة البناءات لاحتواء كل العقارات المبنية و تسوية وضعيتها بما في ذلك الملفات المتأخرة و التي لم تسو في إطار قانون التوجيه العقاري 90/25. الاستحواذ على العقار الفلاحي والصناعي في إطار الاستثمار عرف العقار الفلاحي والصناعي استنزافا مرعبا عبر كل بلديات ولاية عنابة، خاصة وأن المرسوم التنفيدي 11.11 المؤرخ في 2011 الذي يحدد شروط منح الامتياز على الأراضي التابعة لأملاك الدولة الموجهة لانجاز مشاريع استثمارية، يسمح للخواص باستغلال أصول المؤسسات المنّحلة كالشركات العمومية والتعاونيات الفلاحية المفلسة في إطار «كالبيراف» حيث يتم إعطاء الأولوية في هذا القانون لمؤسسات الدولة للاستفادة من العقارات المتواجدة داخل المحيط العمراني لانجاز مرافق عمومية. وتحولت أراضي فلاحية خصبة إلى تعاونيات عقارية، اختصت في زراعة الفيلات والعمارات لذوي النفوذ والموظفين السامين، لأنها لم تساهم في تطوير المنتوج الغذائي، حسب ما تضمنه آخر تقرير للمجلس الشعبي الولائي حول ملف العقار، حيث أصبحت هذه الأراضي محل مزايدات و استغلت المستثمرات الفلاحية في تشييد الفيلات، أضف إلى ذلك امتناع المستفيدين منها على تسديد الديون المترتبة عن حق الانتفاع، و التي بلغت 440 مليار سنتيم. نتيجة كل هذه التصرفات و التجاوزات على العقار الفلاحي، أرتأت السلطات العمومية وضع القانون رقم 08/16 المؤرخ في 03/08/2008 و المتضمن التوجيه الفلاحي الذي يكرس نمط الامتياز بدلا من حق الانتفاع مما يفتح المجال واسعا أمام المستثمرين الحقيقيين في مجال الفلاحة لخدمة الأراضي و الاستغلال الأمثل للعقار الفلاحي المتوفر بولاية عنابة. أما فيما يخص العقار الفلاحي المبني هناك التعاونيات الفلاحية على مستوى حي «طاباكوب» و قد أنشئت هذه المباني العقارية لتحويل المنتجات الفلاحية، و لكن بعد التنازل لفائدة العمال في إطار قانون التوجيه الفلاحي تم هجرها و بيع عتادها و كرائها، كثروة عقارية هائلة تستغل من غير شرعية قانونية و لا تجلب للدولة أي منفعة عمومية. و بالإضافة إلى ذلك فإن هناك بعض المحلات المبنية بالمزارع الاستعمارية لا تشتغل من طرف المستفيدين بها و تعتبر عديمة المردودية للولاية و تعرف تدهورا مستمرا يوما بعد يوم. المجلس الولائي اعتبر العملية مبرمجة تحدث التقرير المعروض أمام المجلس الشعبي الولائي عن المناطق الصناعية بأنها «لم تبلغ الآفاق المرجوة و المسطرة التي وضعتها الدولة لعدة أسباب أبرزها عدم التزام المستثمرين بدفاتر الشروط المخصصة لتلك المناطق، وعدم تسوية العقود التي تسمح للمستثمرين بممارسة نشاطه الصناعي و إتمام مشروعه المبرمج لذلك، إلى جانب الاستحواذ على مساحات أرضية دون إنشاء المشروع و تركها شاغرة، بالإضافة إلى اتخاذ العقار الصناعي كوسيلة للربح السريع عن طريق السماسرة، وخلق مناطق صناعية دون القيام بأشغال التهيئة في وقتها المحدد، وخلق مرافق خدماتية، مما يصعب للمستثمر مزاولة النشاط الصناعي. كل هذه المشاكل و التناقضات جعلت العقار الصناعي غير ناجع و دون أية جدوى اقتصادية». و نتيجة التذبذب الكبير الذي عرفته الولاية في السوق العقارية للاستثمار و الناتج أساسا عن كثرة المتدخلين في هذا المجال حسب ما ورد في ذات التقرير ،جاءت النصوص القانونية التي تضع حدا لكل التلاعبات و تعيين الوكالة الوطنية للوساطة و الضبط العقاري، بموجب المرسوم التنفيذي رقم 07/119 المؤرخ في 23 أفريل 2007 لتنظيم هذا الفضاء. وفيما يخص المناطق الصناعية فهناك منطقتان صناعيتان ببلدية الحجار و ببلدية برحال و هما منطقة (جسر بوشي) و منطقة الكاليتوسة اللتان بهما 136 حصة على مساحة تقدر ب 237 هكتار .أما بالنسبة للمناطق النشاط التجاري فتوجد ثمانية مناطق بها 510 حصة تم شهر 321 منها، للعلم أن هذه العقارات المتواجدة في المناطق الصناعية و التجارية قد تم تحويلهما إلى الوكالة الوطنية للوساطة و الضبط العقاري (أنيراف) لتقوم بمنح امتياز عن طرق المزاد العلني في إطار تطوير الاستثمار. العقار السياحي ينتظر تجسيد المشاريع منذ عشرات السنين تتوفر ولاية عنابة على مساحة معتبرة من العقار السياحي على طول الشريط الساحلي بدءا من سيدي سالم إلى شطايبي مرورا بسفوح الإيدوغ، إلا أن هذه الثروة الهائلة لم تستغل إلى يومنا هذا، فأغلب المشاريع السياحية المبرمجة ذهبت أدراج الرياح و أخرى طال انتظارها و استعسر تجسيدها. والسؤال الذي يطرحه العنابيون أين هي القرية السياحية بسيدي سالم التي وضع حجر أساسها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة و أين هو مشروع سيدار بساحة 19 جوان، و أين هي شاليهات «أوربان» برأس الحمراء، وكذا مناطق التوسع السياحي بشطايبي وعين عشير، وغيرها ؟. الأكيد أن المشكل ليس مشكل عقار للاستثمار في القطاع السياحي حسب مختصين في المجال ، بقدر ما هي عراقيل بيروقراطية محضة. فولاية عنابة لم تعرف انطلاق مشروع سياحي واحد يليق بخصوصيتها كقطب سياحي بامتياز، رغم وفرتها على عقار متميز خصيصا لهذا المجال و ذلك بشهادة مستثمرين أجانب. و يتساءل المهتمون بالمجال السياحي، إلى متى ستظل هذه المساحات السياحية الشاسعة شاغرة ؟ هل تنتظر أن تشيد عليها البناءات القصديرية كما حدث في حي الخروبة و رفاس زهوان و سيدي عيسى و سيدي سالم؟.