أنعم الله تعالى على خلقه بنعمة الحياة الدنيا وأباح لهم التمتع بطيباته وخيراتها المنبثة في دروبها ومسالكها طبعا أو اكتسابا وانتاجا فقال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) (البقرة: من الآية168). وقال تعالى: ((قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق))، بل جعل التمتع بها أمارات شكر للمنعم واعترافا بمفضله ومنته سبحانه وتعالى؛ ولكن هذا التمتع بالطيبات مقيد بضرورة أن يكون بعيدا عن صفة الإسراف؛ وهي الصفة التي نهى عنها القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف:31). وبما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة «. لأن الإسراف الذي يعني المبالغة في استهلاك الحلال الطيب والإنفاق بما زاد عن الحاجة منة شأنه تضييع نقود وأموال ومنتوجات قد يحتاجه الإنسان في قادم الأيام وهدر للطاقات الطبيعية في هذه الحياة ونشر ثقافة الحط من قيمة النعم وعد إيلائها المنزلة التي تستحقها باعتبارها من فضائل الله تعالى. وصور الإسراف في زماننا كثيرة تختلف باختلاف الأعراف والأماكن والعصور ومنها الاكثار من اقتناء المواد الغذائية من اللحوم والخضر والفواكه وغيرها بما يزيد عن حاجة الإنسان الحقيقية اليومية ويظهر ذلك في أطنان النفايات التي ترمى بعد الإفطار في المدن والقرى، ومنها أيضا كثرة استهلاك الطاقة المائية أو الغازية أو الكهربائية بما يفوق الحاجة وتنويع الألبسة والأفرشة والتجهيزات المنزلية والمراكب بما يتجاوز عادة أهل المحلة أو العيش حياة البذخ والترف الدائم وغير لك من الصور والمظاهر التي تنم عن قصور في نظرة الإنسان إلى الحياة وطبيعة المعيشة، والغفلة عن الآخرة قال تعالى: (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين).. وعن الأمراض التي قد تصيب الإنسان جراء مثل هكذا تبذير، ولئن كان للتربية الأسرية الأولى التأثير الأساس في توجه الإنسان وميله أو نفوره من الإسراف فإن ثمة عوامل أخرى نفسية واجتماعية لا تقل تأثيرا ومنها حب المباهاة والتفاخر والتقليد وغير ذلك من العوامل. وقد وضع القرآن للمسلم ميزانا في التصرف في الحلال يضعه بمنأى عن الإسراف وهو الوسطية دون مبالغة أو بخل وتقشف، فقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)(الفرقان:67) وقال عز وجل: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (الإسراء:29). وبهذه القاعدة القرآنية يمكن التحكم في الاستهلاك على المستوى الأسري والاجتماعي والحد من التفاوت وترشيد الاستهلاك وضبط الميزانية الأسرية أو الوطنية، أما التمادي في هذه الصفة الذميمة فليس من شيم المسلم الصحيح الإسلام صاحب الخلق الرصين.