مراكز تجارية بقسنطينة ممنوعة على الشباب ليلا لجأ مسيرو مراكز تجارية بقسنطينة إلى منع الشباب من الدخول منفردين خاصة في الفترة الليلية، للحد من توافد أشخاص يقصدون تلك الأماكن بغرض التجول و التحرش ما يخل بحركة التسوق بالفضاءات التجارية ويجعلها مكتظة على مدار اليوم، وهو ما خفف من مظاهر التزاحم والتدافع التي أصبحت تشكل ديكورا يوميا بتلك الأسواق. حسنت الاستثمارات الأخيرة في المجال التجاري من عادات التسوق لدى القسنطينيين بتوفير فضاءات أوسع بها شروط مقبولة وتعتمد على التكامل في الخدمات، ما حول المراكز التجارية إلى قبلة للمتسوقين ولكن للراغبين في التنزه أيضا، وهو ما جعل تلك المرافق تختنق بقوافل مواطنين ووافدين من ولايات مجاورة يبحثون عن أماكن للجلوس والترفيه. فتح المركز الأول بالمدينة الجديدة علي منجلي منذ سنوات كان نقطة تحول دفعت الكثير من المستثمرين والتجار إلى التفكير في الانتقال من المحل إلى الفضاء الأوسع، ليتزايد عدد الأسواق الكبرى ذات الطوابق يوما بعد يوم وتتسع دائرة أصحاب الأسواق الصغرى من نوع «سوبيرات»، ليصبح مركزا تجاريا في علي منجلي ينافس الأسواق الشعبية بالمدينة القديمة، بعد أن وجد المواطن مجالا للتسوق في ظروف أحسن بعيدا عن التزاحم وأكوام القاذورات والصراخ المتواصل. أسعار المحلات تصل إلى 10 ملايين سنتيم وبتنوع الاستثمارات بدأت عادات التسوق تتخذ منحى يتلائم ووجود مساحات كبرى على شاكلة «المونوبري» و «الغلوب»، وبمعالم تكاد تقترب من زمن الفضاءات الكبرى وما صاحبه من طوابير وكثرة عدد المتجولين دون وجود حاجة لاقتناء أي سلعة، حيث يكفي إلقاء نظرة على أحد تلك الأسواق ومتابعة الحركية بها للتأكد من أن الأمر يتعدى الرغبة في التبضع، كون تلك الفضاءات أصبحت تحوي جزء من مشاهد التزاحم والتجوال على مدار اليوم، ما يحولها في مناسبات كشهر رمضان والأعياد إلى ساحات للتزاحم والعراك، وترتسم بها طوابير بلغت حد تشابك نساء بالأيدي بعد فرض نظام الدخول في شكل مجموعات، وهو ما دفع القائمين على عدد من المراكز التجارية إلى منع الشباب من الدخول خاصة في الفترة الليلية خلال شهر رمضان، مع منع نوعية معينة من الزبائن المريبين نهارا، لتفادي وقوع أية تجاوزات أو سرقات تسيء لسمعة السوق وتنفر الزبائن منه، ولا تكاد الحركية تنقطع بتلك الأسواق كون المكيفات تسهل على هواة التجول المهمة. كما تشهد المراكز التجارية تسابقا أيضا من التجار للظفر بمحلات تؤجر بأثمان خيالية، لا لشيء سوى لتميز هذه الفضاءات بحركية كبيرة، كما تختلف الأثمان من سوق لآخر وحسب الموقع والمساحة، حيث أكد لنا عدد من التجار أن بعض الأسواق الكبرى بالمدينة الجديدة يتراوح ثمن تأجير المحل شهريا بها بين 80 و 100 ألف دينار، في حين يكون خارج السوق بين 50 ألف و90 ألف دينار على حسب المساحة والمنطقة التي يتواجد فيها السوق. ولم تمنع هذه الأسعار دخول عدد كبير من التجار في سباق للظفر بمحل مهما كان ثمنه، في حين أسر لنا البعض أن الهدف هو بيع أكبر قدر من السلع وتجنب بقائها في المخازن نهاية كل موسم، ليضيف مصدرنا أن أغلب أصحاب المحلات بهذه الأسواق يملكون محلات في أماكن أخرى، كما أن جزء كبيرا منهم تجار جملة وتجزئة، حيث أنهم يحصلون على السلع بأثمان أقل بكثير مما تباع عليه، وبالتالي فإن هامش الربح لديهم أكبر من التاجر البسيط الذي لا يمكنه تأجير محل مماثل. مكيفات ومطاعم تشجع على التنزه حيث أن تلك الأماكن وزيادة على كونها توفر فرصة للتسوق في ظروف أكثر راحة وتمنح اختيارات أكبر فقد أصبحت بديلا عن المكان العام، ووجهة للتنزه العائلي، ومن المشاهد التي ستظل عالقة في ذاكرة القسنطينيين، ظاهرة الاستعمال المفرط لسلالم متحركة لمركز تجاري كبير بعلي منجلي من باب التسلية وتحولها إلى ما يشبه الألعاب في حديقة، كما أن انتباه أصحاب تلك الأسواق لضرورة تخصيص أماكن للأطفال زاد من الإقبال وسهل على الأمهات الأمر، زيادة على المطاعم والنوادي والمقاهي المختلطة التي تفتقر إليها قسنطينة والتي تجلب فئات الشباب. وبعد النجاح الذي شهدته أولى مراكز التسوق التجارية بالمدينة الجديدة علي منجلي، أضحت السوق القسنطينية تشهد تزايدا في عدد مراكز التسوق، خصوصا مع الإقبال المتواصل للمستثمرين على هذا المجال، وذلك بمعدل مركز تسوق كل سنة، والعدد قابل للارتفاع، سيما وأنه من المنتظر أن يتم افتتاح سوق جديدة هي الخامسة قبل نهاية السنة. وتعود فكرة إنشاء مراكز للتسوق وفضاءات واسعة، لبعض أصحاب المال والمستثمرين الذين اعترفوا أنهم قاموا بنقل تجربة عدد من البلدان الكبرى وحتى دول الجوار للجزائر، ومن ثم خلق ثقافة جديدة للتسوق، تمكن المواطن من الرقي في تعامله وتغيير بعض العادات تماشيا والتطور الذي عرفه في مجالات أخرى. وفي جولة استطلاعية قادتنا إلى أبرز مراكز التسوق المنتشرة أساسا بكل من المدينة الجديدة علي منجلي وحي سيدي مبروك منها «الرتاج» «لاكوبول»، «سون فيزا» و»بوغابة» بدا واضحا أن أصحاب هذه الأسواق قد ركزوا على جمع عدد كبير من المحلات التجارية المتخصصة في عدة مجالات، مع منح المتسوق خيارات عديدة في كل مجال، وذلك في خطوة تمكن كل زائر من اختصار الوقت والجهد من أجل بلوغ مبتغاه، واقتناء ما يحتاجه من مستلزمات. كما لم يتم إغفال حتمية تخصيص جانب للمطاعم ومساحات للعب الأطفال الصغار حتى وإن كانت محدودة إلا أنها تعتبر بداية نحو خصوصية جديدة للأسواق الجديدة على الطريقة الغربية، فضلا على محلات لبيع الخضر والفواكه، وصولا إلى المراحيض العمومية وحتى كراسي الاسترخاء، فيما اتخذت المصاعد والسلالم المتحركة كوسيلة تسلية . مصاعد وسلالم متحركة تتحول إلى فضاءات للعب من بين العوامل التي تم التركيز عليها في كافة المراكز التجارية هي الأمن، حيث أن كل مركز تجاري مزود بعدد من أعوان الأمن الخاصين، والذين يرتدون بدلا تميزهم، ويقومون بالتجول داخل السوق، كما أن كل طابق بهذه الأسواق له أعوان أمن خاصين، مهمتهم الحفاظ على أمن وسلامة الزوار، ومنع وقوع أي تجاوز. كما تعتبر النظافة من أهم ما يشغل أصحاب هذه الأسواق، وذلك من أجل خلق التميز عن باقي الأسواق الكلاسيكية المعروفة، والتي عادة ما تصبح غير لائقة بالنظر لتراكم الأوساخ، إذ ورغم الأعداد الكبيرة للزوار تمكن أصحاب الأسواق من التحكم في النظافة، وفرض نظام محكم انعكس أيضا على الزوار الذين غيروا أيضا من عاداتهم. من خلال الجولة التي قادتنا إلى عدد من مراكز التسوق بالولاية، صادفتنا عينات من الزوار الذين اختلفت إجاباتهم حول أسباب ترددهم على الأسواق بين من وجد ضالته لاقتناء ما يلزمه، وبين من يجده مكانا للتجول لا أكثر. «محمد» وهو رب أسرة في العقد الرابع من العمر، وجدناه رفقة عائلته بأحد المراكز التجارية بالمدينة الجديدة علي منجلي أكد أنه عادة ما يقصد هذه الأسواق لاقتناء الملابس لأبنائه: «عندما يتعلق الأمر باقتناء ملابس للأطفال، أفاد أن مقصده الأول هو المركز التجاري وذلك لما يمنحنه من خيارات كثيرة قائلا» لدي إمكانية العثور على مطلبي بكل سهولة». ليضيف: «أنا لا أحب التنقل من مكان لآخر من أجل التسوق، ووجودي هنا يمنحني ما أريد دون البحث كثيرا، فهناك الكثير من المحلات ومعها الكثير من الخيارات، هذا جيد ويوفر علي الكثير من الجهد». أما السيدة «م» التي كانت رفقة ابنتيها الصغيرتين فقد أكدت أن مراكز التسوق تؤمن لها ما تحتاجه بكل أمان حيث قالت: «كوني امرأة عاملة فإن إمكانية التسوق لدي في ساعات النهار تكاد منعدمة، ومع تزايد عدد المراكز التجارية التي تبقى مفتوحة إلى ساعات متأخرة، فإن ذلك يمنحني فرصة التسوق وبكل راحة»، منها أن توفر الأمن بداخلها وفي محيطها يجعله، كما يضيف غير قلق، كما أنه يجد كل ما يحتاجه، حتى المواد الغذائية، و هذا جميل برأيه معلقا، «نحن في أمس الحاجة لمثل هذه الفضاءات». «ليلى» وصديقتها وهما طالبتان بجامعة عبد الحميد مهري، أكدتا لنا أنهما لطالما تجولتا بمراكز التسوق بالمدينة الجديدة علي منجلي، غير أنهما قلما تقتنيان منها غرضا واحدا: «كثيرا ما نقصد المكان للتجول والتعرف على كل ما هو جديد خاصة ما تعلق بمواد التجميل، إلا أننا لا نقتني الكثير وذلك بسبب ارتفاع الأسعار عما هو خارج السوق، نحن طالبتان جامعيتان ودخلنا محدود، وهنا الأسعار في بعض الأحيان خيالية، لكننا نجد متعتنا في التجول وأخذ وجبة في نهاية الجولة قبل المغادرة». صاحب أحد أكبر أسواق علي منجلي: نقلنا تجارب طبقت في الخارج من بين مراكز التسوق الناجحة بقسنطينة والذي أخذ صيتا كبيرا هو سوق «القبة» بالمدينة الجديدة علي منجلي أو كما يعرف محليا ب «لاكوبول»، حيث كان لنا حديث مع مالكه الذي استقبلنا بمكتبه بالطابق الرابع من السوق أوضح لنا العديد من النقاط التي تخص المركز التجاري وفكرته، إلى غاية النظام الذي يتم تطبيقه. وأوضح «سامي.م»: «كوني تاجر رفقة شقيقي، وقد زرنا الكثير من الدول الغربية المتقدمة، تكونت لنا فكرة إنشاء سوق على شاكلة ما هو موجود في باقي الدول، وقد تمكنا بعون الله من تقديم أحد أنجح الأسواق بقسنطينة». كما أكد ذات المتحدث أنه قام رفقة شقيقه بعملية دراسة السوق المحلية، واحتياجات المواطن، ليضيف: «كل ما يحتاجه المواطن هو مكان نظيف، آمن ولائق، إن المتسوق يقدم لك المال ونحن بالمقابل يجب أن نضعه في أحسن الظروف حتى يكون راضيا عما يقتنيه والمكان الذي يتواجد به». وعن تجربة استثماره التجاري يضيف محدثنا أنه كان ثمرة عمل مضني: «لقد وضعنا كافة طاقتنا، ووظفنا كل معارفنا من أجل إنجاح الفكرة ، كل التجار الموجودون هنا نحن من توجهنا إليهم، لا يوجد تاجر تقدم إلينا من تلقاء نفسه، لقد قمنا بحصر لكافة تجار المدينة الناجحين وتوجهنا إليهم، وطلبنا منهم التواجد معنا هنا، وذلك حتى نمنح للمواطن كل ما يحتاج في مكان واحد». وواصل «سامي» حديثه: «كل التجار هنا تم اختيارهم بعناية شديدة، لقد كان في بداية الأمر بالنسبة لنا تحديا، وذلك لإقناعهم بأن السوق سينجح، وها قد نجح، وذلك من خلال عملنا الذي لا زال متواصلا لحد الآن، في بداية الأمر كنا نستقبل حوالي 5 آلاف زائر يوميا ونحن الآن أمام حوالي 8 آلاف زائر والرقم مرشح للارتفاع وهو ما يفسر نجاح السوق والسمعة التي بلغها بين القسنطينيين». وقد أوضح ذات المتحدث أن كافة التجار المتواجدين داخل السوق ملزمون بدفتر شروط وفقا للعقد المبرم ومن بين بنوده تغريم كل تاجر يفتح بعد الوقت المحدد أو الغلق قبل 10 مساء ب 3 آلاف دينار لليوم الواحد، حيث أوضح أن الهدف من وضع هذا البند، هو محاولة لإبقاء السوق مفتوحا أمام الزبون لأطول وقت ممكن، مضيفا أنه وإن تم توفير عناصر أمن بالقرب من المبنى فإن احتمال تمديد ساعات العمل وارد جدا. عبد الله بودبابة * تصوير: الشريف قليب