حي البرادعيين .. ذاكرة أقدم مجمع للحرف بقسنطينة حي البرادعيين، زنقة الزيات، حي الشوايا، تسميات لحي واحد يعرف اليوم باسم نهج سعيد تليلي أحد أقدم أزقة قسنطينة العتيقة الذي لا زال صامدا و محافظا على سيمته القديمة كمجمع للحرف التقليدية رغم اندثار معظمها. الحي لا زال يستقطب الأوفياء لأجواء رمضان المتميّزة بين أحضان الأزقة الضيّقة و التي يفضل الكثير اتخاذها كمسلك، بحثا عن الظل و احتماء من حرارة الجو المرتفعة. كان المكان شبه خال قبل الساعة التاسعة صباحا، بدكاكينه المغلقة، وحده خشب العرعار بقي شامخا في أعالي أسقف الأقواس التي تفصل بين محل و آخر و تظهر من البنايات القديمة، و شاهدا على زوار هذا الزقاق الذي يحتفظ بين زواياه بذاكرة مكان كان فيما مضى ملتقى أشهر الحرفيين في مختلف الحرف التقليدية سواء خياطة البرادع التي التصقت صفة ممارسيها بالحي، فحمل منذ عهود طويلة تسمية البرادعيين، قبل أن يختفي هؤلاء الواحد تلو الآخر، و يعوضهم حرفيون آخرون، منهم من تعود حرفته إلى ما يزيد عن الثمانين سنة منهم الحراجين كعائلة الفرقاني التي اشتهرت في هذا المجال وصانعي النحاس و أشهرهم الجبابسة و صانعي الغربال و الخياطين و الحلاقين و الاسكافيين و باعة الفحم و صباغي الصوف بالإضافة إلى المطاعم التقليدية و أيضا باعة الزيت و بشكل خاص محل منور مخلوف الذي أخذ هو الآخر حظه من الشهرة، فسمي عليه الحي فيما بعد و بات يعرف باسم زنقة الزيات. النصر توقفت عند محل الزيات منور مخلوف باعتباره واحد من أقدم محلات بيع زيت الزيتون بالمدينة و الذي لم يدخل عليه مالكوه أي تجديد لا على البناية و لا على الحرفة، حيث لا زالت براميل الزيت التي تزيد سعته عن 200لتر و أدوات الكيل التقليدية من مكاييل أسطوانية الشكل بمختلف الأحجام تصنع ديكور المكان الذي قد يدرك المار بجواره بأنه مخصص لبيع الزيوت لآثار الدهون المتراكمة عليه، بدء بالجدران المحاذية له، وصولا إلى شارته التي لا يكاد يظهر ما كتب عليها من اسم المحل و صاحبه. و يذكر وريث محل «زيت صفية»لصاحبه مخلوف منور، الواقع على يسار مجمع الدكاكين الموزعة في طريقين موازين، كيف أن والده كان يجلب الزيت من منطقة الميلية بجيجل في قرب من جلد المعز تصل سعة الواحدة حسبه إلى حوالي 50لترا قبل أن تتطوّر الأمور و تظهر البراميل المعدنية، التي يتذكر منها براميل «المريكان» ذات سعة 20لترا التي عوضتها فيما بعد براميل 200لتر بالإضافة إلى البراميل البلاستيكية الأكثر استغلالا اليوم، لسهولة نقلها بين الأزقة الضيقة في ظل انتشار الباعة الفوضويين بمداخلها بمختلف تفرعاتها. و رغم انتشار الأسواق الحديثة تبقى زنقة الزيات محتفظة بأهميتها التجارية وحيويتها وتغص بالمتسوقين، خاصة الباحثين عن أغراض الخياطة و الطرز التقليدي، لكثرة المحلات المتخصصة في هذا النشاط. مريم/ب