تحقيقات حول صرف 1500 مليار موجهة لمعالجة آثار الفيضانات كشفت أمس مصادر مسؤولة بولاية الطارف، عن فتح تحقيقات أمنية وقضائية في مشاريع البرنامج الاستعجالي الضخم الذي استفادت منه الولاية سنة 2012 في عدة قطاعات، والذي فاقت قيمته 1500 مليار سنتيم لمحو مخلفات الفيضانات التي ضربت المنطقة في فيفري 2012، وهو البرنامج الذي تم تضخيمه بإدراج عدة عمليات في مختلف القطاعات، رغم أن بعض القطاعات كانت في منأى عن الفيضانات، وهو ما عجل بحصول الولاية على برنامج خاص لمعالجة ومحو خسائر الفيضانات والذي يشتبه في تبديد أمواله من خلال اللجوء إلى منح هذه المشاريع عن طريق التراضي على كبريات مؤسسات الإنجاز و جماعات النفوذ للإستفادة من "الريع " تحت غطاء الكوارث الطبيعية المشبوهة. و استغلت أطراف إفتكاك السلطات المحلية آنذاك تفويضا من الجهات المركزية ،بعد أن تم إقناعها بأهمية العملية واللجوء إلى طريق التراضي للإسراع في إنجاز المشاريع المبرمجة لإزالة الخسائر والأضرار الناجمة عن الفيضانات التي مست عدة قطاعات حيوية، في الوقت الذي أكدت فيه مصادر أخرى أن المشاريع التي أنجزت لا تحمل في الأساس الطابع الإستعجالي ، وليس لها أي إنعكاس سلبي على الإطار الحياتي للأشخاص والممتلكات والقطاعات ذات الشأن التنموي الهام ، و أن الأمر لا يعدو تحايلا مفضوحا على القانون بالتلاعب بأموال البرنامج الإستعجالي. و حسب مصادرنا، فإن التحقيقات ستطال التحري في عدة ملفات تخص طريقة منح المشاريع والأرصدة المالية المخصصة لها، في ظل الحديث عن تضخيم أغلفة مالية معتبرة لمشاريع تفوق حجمها الحقيقي، إلى جانب التحري في بعض المشاريع المعطلة و التي خضعت لإعادة التقييم المالي لعدة مرات، إضافة إلى الوقوف على بعض المشاريع المنجزة في الميدان وضبط قوائم المقاولات ومؤسسات الإنجاز المستفيدة من هذا البرنامج الاستعجالي. و تضيف نفس المصادر أن كلا من مديري التعمير والأشغال العمومية السابقين، تعرضا لضغوطات لمنح المشاريع بالتراضي ما تسبب في توتر العلاقة بينهما وبين الوالي السابق الذي قرر على إثرها منع المسؤولين من دخول الولاية وحضور الاجتماعات، مع رفع تقارير ضدهما للوصاية لنقلهما من الولاية. وهو ما عجل بإنهاء مهام مدير التعمير والبناء وتحويل مدير الأشغال العمومية لولاية ميلة، وهذا لسبب واحد أنهما رفضها التعدي على قوانين الجمهورية ومنح المشاريع المدرجة بقطاعيهما للمقاولين المحسوب بعضهم على الإدارة عن طريق التراضي، وتمسكهما بضرورة المرور على المناقصات طبقا لقانون الصفقات العمومية. وأردفت نفس المصادر أن الفوضى والعشوائية التي ميزت عملية منح مشاريع البرنامج الإستعجالي ما شكل معركة حقيقية فيما بين مؤسسات الإنجاز والمقاولين للظفر بأكبر قدر من هذا "الريع"، رغم نوعية الأشغال التي سجلت بشأنها تحفظات والتي كشفت سيول الأمطار عيوبها، خاصة المشاريع المتعقلة بالتحسين الحضري وتجديد مختلف الشبكات عبر البلديات والأحياء والتي رصد لها مبلغ يناهز 300 مليار سنتيم، حيث لم تغير بعض المشاريع من الوضعية المزرية التي ظلت عليها الأحياء والتجمعات السكانية، التي سرعان ما تغرق في الأوحال والسيول مع تهاطل أولى زخات المطر و إنعكاس ذلك على الإطار الحياتي للمواطن. كذلك الحال بالنسبة للمشاريع التي حظي بها قطاع السكن، من خلال تخصيص مبلغ 95 مليار سنتيم لصيانة وترميم الأحياء السكنية التابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري والتي تسببت في احتجاجات عارمة في أوساط السكان على نوعية ورداءة الأشغال المنجزة، خاصة ما تعلق بنوعية طلاء واجهات العمارات الممزوجة بالجير والماء وهذا لتكشف الأمطار عيوبها في ظرف وجيز وهذا في غياب الرقابة والمتابعة الميدانية. إلى جانب استفادة قطاع الأشغال العمومية من مبلغ يفوق 530 مليار سنتيم، لم يغير إنفاقها شيئا من وضعية المنشآت القاعدية وتأخر إنجاز المشاريع المنجزة في إطار البرنامج الاستعجالي. في الوقت الذي تشير فيه مصادرنا إلى إستفادة ثلاثة قطاعات هي التعمير، الري و الأشغال العمومية إجماليا من مبلغ 1100 مليار سنتيم من البرنامج القطاعي، وفيما تحصلت قطاعات أخرى كالصحة، السكن، التربية، الشباب والرياضة، والتكوين المهني على مبلغ يقارب 500 مليار سنتيم دون أن يظهر الأثر الإيجابي لهذه المشاريع الإستعجالية في الميدان و خصوصا على الإطار الحياتي للسكان، يضاف إليها أموال المخطط البلدي الذي إستفادت منه الولاية في 2012 لمحو مخالفات الفيضانات والمقدر ب102 مليار سنتيم، ليصل مجموع الإعتمادات المالية المرصودة لإعادة الاعتبار لمختلف الشبكات لتجنب خطر كوارث الفيضانات أزيد من 470 مليار سنتيم، والذي تم تبديده في مشاريع قد تكون مغشوشة وعديمة الجدوى. و ذكرت مصادر على صلة بالتحقيقات، أن البلديات و الأحياء والشوارع سرعان ما تغرق في السيول مع أولى قطرات المطر ، بالشكل الذي يطرح السؤال عن مدى نجاعة هذه المشاريع التي صرفت عليها الدولة الملايير من الخزينة العمومية والتي لم تغير شيئا من حال سكان هذه الولاية الحدودية .