يشتهر الأطباء الجزائريون خلافا لباقي الأخصائيين في مجالات أخرى، بأنهم فرنكوفونيون لا يستعملون العربية إلا نادرا، إلى هنا الأمر منطقي، لأنه راجع لتكوينهم الأكاديمي، لكن الغريب هو خطهم المبهم الشبيه بطلاسم لا يفهمها سوى من كتبها، وهو ما أنتج وصفات طبية مشفرة يعجز حتى الأطباء أنفسهم عن فهمها، تشكل عقدة بالنسبة للجيل الجديد من الصيادلة، و سببا في العديد من الأخطاء الكارثية في وصف الدواء يكون ضحيتها المريض بالدرجة الأولى. نور الهدى طابي و قد تحول خط الأطباء القريب إلى الخربشة منه إلى الكتابة، إلى سمة غالبة لوصف الخط غير المفهوم و غير الواضح في المجتمع الجزائري، إذ يميل الأفراد إلى وصف كل كتابة مبهمة إلى أنها تشبه خط الأطباء، و السبب هو أن الوصفات الطبية في الجزائر، تعد من أكثر المحررات تعقيدا و يستحيل على المواطن العادي فهمها، فالمريض الذي يخضع لفحص طبي يخرج من العيادة وهو غير مدرك تماما لماهية الأدوية التي وصفها له الطبيب، لذلك يشتهر الصيادلة بدورهم بأنهم الوحيدون القادرون على فك طلاسم الوصفة الطبية، سواء تلك التي يحررها أطباء في مستشفيات القطاع العام ، أو الأطباء الخواص. و لا تكمن مشكلة خط الأطباء في أنه غير مفهوم فقط، بل تعدى الأمر إلى الأخطاء التي يقع فيها الصيادلة، خصوصا الشباب الذين يعد غالبيتهم باعة يفتقرون لتكوين متخصص، كما يدفع ثمنها المرضى، إذ كثيرا ما تسجل حوادث خطيرة سببها خلط الصيدلي بين الدواء المحدد في الوصفة الطبية، و بين دواء آخر، بسبب عدم وضوح التسمية، ما ينتهي بالبعض في المستشفيات بسبب تناول أدوية خطيرة، خصوصا بالنسبة لشريحة الأطفال. و لا يطرح المشكل بالنسبة للصيادلة فقط، بل حتى للأطباء أنفسهم، حيث أوضح لنا بعضهم بأنهم يعجزون عن فهم مضامين بعض التقارير الطبية التي يعدها زملاء لهم، وهو مشكل يواجهه غالبا أطباء المستشفيات العمومية، الذين يجدون صعوبة كبيرة في فهم رسائل التوجيه و التوصية التي يحملها لهم مرضى من أطباء خواص . بين السرعة و الرغبة في التميّز و النخبوية.. لكل عذره للأطباء تفسيراتهم الخاصة التي تختلف من مختص إلى آخر، إذ يرجع البروفيسور حساني، رئيس مصلحة الاستعجالات الطبية بمستشفى قسنطينة الجامعي، السبب إلى رغبة بعض الأطباء في التميز و البروز كأطباء كبار و ذوي مستوى عال، لأن الاعتقاد الشائع يربط صفة التمرس و الخبرة بمدى تعقيد الخط، مشيرا إلى أن الوصفات الإلكترونية القانونية، قد تكون حلا مناسبا لتجنب الأخطاء. بينما يرى الدكتور علي بوجلال، أخصائي طب وجراحة الأسنان بقسنطينة، بأن السبب الرئيسي وراء غرابة خط الأطباء هو السرعة في الكتابة، فالطبيب و بحكم سنوات الدراسة الطويلة يتعود على تحصيل أكبر كم من المعلومات المعقدة في وقت قصير و يعيد كتابتها بشكل آلي، وهو ما يمنحه ردود أفعال مختلفة عن غيره، كما أن ضغط العمل و كمية التقارير و الوصفات التي يحررها يوميا تتطلب منه السلاسة و السرعة، لذلك يميل الى استخدام خط متصل عادة ما يكون مبهما. طبيب آخر، أضاف بأن لكل أخصائي طريقته في كتابة اسم الدواء، إذ كثيرا ما يقومون بتغيير حرف أو حرفين، وهو ما يعجز الصيادلة عن استيعابه، خصوصا بالنسبة للصيادلة الشباب الذين يعد معظمهم باعة فقط، كما أن التوتر و ضغط العمل و كثرة التفكير، عوامل تجعل الطبيب غير مهتم بشكل ما يكتبه، لأن رؤيته للأمور تتغير من خلال الدراسة و اكتشاف جسم الإنسان، فهناك أمور أهم بكثير من الاعتناء بجمال الخط، كما عبر. أخصائية الطب الباطني الدكتورة كريمة ، أوضحت بدورها بأن غرابة خط الأطباء راجعة بالدرجة الأولى إلى تكوينهم الأكاديمي، حيث أن السرعة كانت دائما عاملا مرافقا لسنوات دراساتهم، سواء في ما يتعلق بكتابة المحاضرات أو تدوين الملاحظات، أضف إلى ذلك فإن اختصار التسميات يفرض بعض المصطلحات المتخصصة التي لا يفهمها سوى الأطباء كأسماء بعض الأدوية أو وصف بعض الحالات و الأعراض و حتى أعضاء و وظائف في الجسم. كما أن ما يكتبه الأطباء عادة، ليس موجها إلى عامة الناس، بل موجه الى ذوي الاختصاص من أطباء أو صيادلة يفهمون الرموز و الاختصارات، حسب الطبيبة. وصفات إلكترونية لتجنب الأخطاء و العربية ليفهمها الباعة صيادلة كثيرون بقسنطينة ينتمون إلى الجيلين القديم صاحب الخبرة، و الجديد الذي يتفرع إلى صنفين صيادلة شباب و باعة متمرسين،و قد أجمعوا على أن الوصفات الطبية في الجزائر تعد بمثابة طلاسم حقيقية يتطلب تفسيرها جهدا و وقتا. بصيدلية تقع وسط مدينة قسنطينة، أخبرنا أحد الباعة بأن الخبرة وحدها تصنع الفرق و تمنع الصيدلي من الوقوع في الأخطاء، بسبب صعوبة فهم خط الطبيب، حيث أن المشكل لا يطرح كثيرا بالنسبة للصيادلة القدماء الذين يملكون ثقافة واسعة و دراية و اضطلاع في مجال الأدوية، مع ذلك كثيرا ما يضطرون إلى معاودة الاتصال بالطبيب و تذكيره بالوصفة و تاريخها، لمعرفة قصده، وأحيانا يلجؤون إلى مطالبة المريض بالعودة إلى طبيبه لتوضيح اللبس. أما الصيادلة الشباب، فأكدوا بأنهم يعانون الأمرين بسبب خط بعض الأطباء، إن لم نقل غالبيتهم، ففك رموز وصفة طبية يتطلب في بعض الأحيان التداول على قراءتها من قبل كل المتواجدين في الصيدلية، أو معاودة الاتصال بالطبيب للاستفسار، وهو ما يضعهم في مشاكل مع أطباء يرفضون التجاوب معهم، كما يجبرون أحيانا إلى إعادة الوصفة للمريض و نصحه باستشارة صيدلية أخرى لتجنب الوقوع في المشاكل و تسجيل حوادث سببها تقديم دواء خاطئ. مؤخرا عمد عدد من الأطباء بالجزائر عموما، و قسنطينة على وجه الخصوص، إلى تطبيق نظام تحرير الوصفات عن طريق الكمبيوتر و من ثم ختمها و إمضائها، وذلك لتجنب المشاكل وتحسين نوعية الخدمة، وهي وصفات تزايد استعمالها أكثر فأكثر، كما لمسناه على مستوى بعض الصيدليات، أين أوضح لنا الباعة بأن هذا الإجراء قلل نوعا ما من عدد الحوادث الناجمة عن الوصفات التقليدية اليدوية. من جهة أخرى كسر أطباء آخرون القاعدة، و أصبحوا يحررون وصفاتهم باللغة العربية، وهو الأمر الذي لاقى استحسان المرضى و بعض الصيادلة، بينما أثار استياء زملاء لهم في المهنة. مجلسا أخلاقيات مهنتي الطب و الصيدلة الوضوح في الوصفات مشكلة تتطلّب تدخلا عاجلا أكد رئيس مجلس أخلاقيات مهنة الصيادلة بناحية قسنطينة كمال بغلول، بأن مشكل عدم وضوح الوصفات الطبية، يعد معضلة حقيقية تتطلب تدخلا عاجلا من قبل الجهة المسؤولة عن تنظيم نشاط الأطباء، مؤكدا بأن هيئته سبق و أن قدمت ملاحظات عديدة لمجلس أخلاقيات مهنة الطب للمطالبة بتدخل عاجل، خصوصا وأن المشكل كثيرا ما تنجم عنه أخطاء كارثية، موضحا بأن أحد الصيادلة أخطأ في قراءة الوصفة، فقدم دواء خاصا بوقف النزيف عند الحوامل لرضيع صغير، فكاد يودي بحياة الطفل، و هناك حالات كثيرة ناجمة عن عدم احترام الأطباء لشرط الوضوح و الدقة و التفاصيل في وصف الدواء و تحرير الوصفة. وأضاف الصيدلي بأن صيادلة قسنطينة يضطرون أسبوعيا إلى إعادة من 2 إلى 3 وصفات للمرضى، بسبب تعذر تشفيرها، كما أنهم يواجهون مشاكل مع بعض الأطباء الذين يرفضون التعاطي معهم في حال عاودوا الاتصال بهم للاستفسار عن مضمون الوصفة. و قال المتحدث بأن الصيادلة الشباب يعدون الفئة الأكثر عرضة للوقوع في الأخطاء و المشاكل بسبب الوصفات، كونهم يفتقرون لتكوين متخصص، و بعضهم مجرد باعة أو متطوعين لا علاقة لهم بالدواء. من جهته اعترف رئيس مجلس أخلاقيات مهنة الطب البروفيسور رشيد جنان، بوجود مشكل حقيقي في ما يتعلق بتحرير الوصفات الطبية، مشيرا إلى أن هيئته تؤكد خلال كل ملتقى طبي يجمع ممارسي الصحة على أهمية الالتزام بالوضوح و الدقة في الكتابة، فضلا عن ذكر التفاصيل المتعلقة بعدد علب الدواء و عدد الجرعات و أوقات تناولها و مدة العلاج عموما، لأنها شروط يتضمنها القانون التنظيمي للمهنة. و نفى المتحدث تسجيل أي شكاوى بهذا الخصوص، مضيفا بأن الصيادلة عادة ما يعيدون الاتصال بالأطباء لتوضيح أي لبس، أما في ما يتعلق باستخدام اللغة العربية، فقد أوضح بأن الأمر ليس مخالفا للقانون، لأن الفرنسية لغة فرضتها طبيعة التكوين، بالمقابل يعد من الأخلاق و المنطق تحرير الوصفة بخط اليد بدلا من الكمبيوتر، حتى و إن كان الأمر لا يخرج عن نطاق ما هو مرخص به.