تحوّل أداء صلاة التراويح بالمدينة القديمة بقسنطينة، إلى حلم يصعب تحقيقه خلال شهر رمضان، بسبب استمرار غلق المساجد و الزوايا من أجل ترميمات لم تنته منذ 3 سنوات، فيما لا تزال مشكلة قلة المساجد و اكتظاظها بالمصلين مطروحة بحدة بالمدينة الجديدة علي منجلي، منذ انطلاق عمليات الترحيل باتجاهها قبل سنوات، حيث بات المواطنون مرغمين على الاختيار بين أداء الصلوات بمنازلهم أو داخل مساجد في طور الإنجاز أو في العراء، بعدما ضاقت بهم المصليات و الجوامع القليلة، و هو وضع دفع بالكثيرين إلى التوجه إلى قسنطينة و الخروب لأداء صلاة التراويح. روبورتاج: عبد الله.ب/ لقمان.ق - تصوير : الشريف قليب كانت بداية جولتنا من داخل أزقة المدينة القديمة و بالضبط من حي «الرصيف»، أين حاولنا تتبع خطوات المصلين، بين متجه نحو مسجدي «الشنتلي» بحي رحماني عاشور و «الاستقلال» بحي الكدية، و جزء آخر فضّل أداء التراويح بساحة سي الحواس المحاذية لمسجد الباي حسين.. وصلنا إلى ساحة سي الحواس التي كانت خالية تماما من السيارات التي تركن بها عادة، إلا من كراسي مقهى صغير، حيث خصصت من أجل أداء صلاتي العشاء و التراويح بجوار قصر الباي، و قد تم إضاءتها بثلاثة صفوف من المصابيح متوسطة و صغيرة الحجم، و فرش القائمون على المكان عددا من زرابي من الصوف و البلاستيك، زيادة على وضع طاولتين صغيرتين قبيل الصف الأول على كل واحدة منها ما يقارب عشرة مصاحف، مع تجهيز الساحة بثلاثة مكبرات صوت، اثنان منها بالجهة اليسرى للمصلين فيما وضع مكبر واحد في الجهة اليمنى لهم. و بما أن مسجد الباي مغلق في وجه المصلين منذ أزيد من سنتين كاملتين، فلا وجود لدورات المياه به، حيث يضطر المصلون إلى الاستراحة في منازلهم أو مغادرة الصلاة مباشرة في حال اضطروا إلى ذلك، كما أنه لا مجال للعودة بعدها، لأن المسافة الفاصلة بين الساحة و منازلهم طويلة في أغلب الأحيان، أما عن الوضوء فقد حُوّل مدخل مسجد الباي إلى مكان وضع به برميل بسعة مائة لتر مكعب تقريبا ينتهي بحنفية في الأسفل، حيث اصطف حوله حوالي 15 شخصا كان كل فرد منهم ينتظر بتذمر كبير دوره لملء إنائه، ثم الوضوء عند سلالم المسجد. اقتربنا من أحد المنتظرين و تحدثنا معه عن ظروف الصلاة بساحة سي الحواس فأجاب، «لا نصلي هنا سوى المغرب و العشاء، أما في باقي الأوقات فنحن مضطرون للصلاة إما في المنازل أو لقطع مسافات طويلة للوصول إلى أقرب مسجد»، ليتابع « لقد تعبنا و نريد حلا سريعا بإعادة فتح المساجد القديمة و نحن من سيتكفل بترميمها»، قبل أن يقاطعه آخر «لنفترض أنهم تركوا لنا الساحة لنصلي فيها الصلوات الخمس، هل يمكن أن تصلي صلاة الظهر تحت حر الشمس؟ وهل يمكن أن نصلي تحت المطر؟ أؤكد لك أنه في حال سقطت قطرات قليلة من المطر لن تجد مصل واحد». غادرنا مكان وضوئنا تاركين خلفنا سيولا من المياه تسيل نحو شارع 19 جوان، و توجهنا نحو الصفوف لأداء صلاة العشاء، حيث كان المكان مليئا بمصلين أغلبهم من كبار السن، موزعين في سبعة صفوف يتسع كل منها لحوالي 50 شخصا، بعد ذلك كبّر الإمام و قد كان من الصعب سماع كل ما يقوله لأن مكبرات الصوت لم تكن بالقوة الكافية، حيث كان صوت القرآن يختلط بين الفينة و الأخرى مع صراخ أطفال استغلوا خلو الساحة من السيارات ليلعبوا بها، كما لاحظنا بداية انبعاث بعض الروائح الكريهة من الزرابي، أما بعد الصلاة فقد واجهنا صعوبة في العثور على الأحذية التي اختلطت فيما بينها. غادرنا ساحة سي الحواس رفقة أحد المصلين و هو شاب في العقد الثالث من العمر سألناه عن انطباعه فأجاب، «هنا في ساحة سي الحواس أغلب المصلين من كبار السن أو من تعذّر عليهم التنقل نحو مساجد أخرى، كما ترى المكان غير مهيأ للصلاة، كما أنه مخصص للرجال فقط، و قد حرمت النساء من أداء هذه السنة.. نحن نعاني منذ مدة و لا أحد يهتم لأمرنا» ليضيف «مللنا من الوعود» ثم ختم بقوله «لو أحيا الله ابن باديس من جديد ماذا يمكن أن نقول له و مدينته من دون مساجد، و هو الذي جاهد و أفنى عمره في بنائها وفتحها؟». تطبيق الهاتف الذكي لتعويض غياب الآذان بالمدينة القدنمة ثاني الحلول التي قدمته مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية قسنطينة، هي تخصيص دار الإمام بسوق العصر لإقامة الصلوات الخمس طيلة شهر رمضان، عند دخولنا هذه البناية قابلنا عدد من المصلين بالمدخل الذي فرش ببعض الزرابي البسيطة، و قد تم تخصيص القاعة الشرفية على اليمين للرجال، فيما تؤدي النساء الصلاة في الجهة المقابلة التي وضع ستار على بابها لضمان الفصل بين الجهتين، كما تم وضع مكبر صوت وحيد بين القاعتين حتى يصل صوت الإمام لجميع المصلين الذين لا يتجاوز عددهم 30 شخصا. اقتربنا من أحد الشباب داخل القاعة قبيل انتهاء صلاة التراويح بقليل، استفسرنا منه عن الوضع فأجاب: «نحن نعاني منذ مدة طويلة، و لا نجد مكانا لأداء الصلاة، الحمد لله قد تم إيجاد حل مؤقت خلال شهر رمضان بتحويل دار الإمام إلى مصلى، لكن السؤال هو ماذا بعد رمضان؟ لا يمكنني أن أصدق أننا سنعود إلى نفس الإشكال». خرجنا رفقة الشاب الذي دلّنا على المكان المخصص لوضوء المصلين، حيث تم وضع عدد من براميل الماء البلاستيكية بمحاذاة السور بين دار الإمام و مسجد سيدي الكتاني وسط ظلام دامس، فيما تقابله على بعد حوالي ثلاثة أمتار، نقطة لجمع القمامة الخاصة بسكان الحي و تجار سوق العصر، وسط روائح كريهة. اقتربنا من أحد المصلين بدار الإمام للاستفسار عن حال السكان الذين افتقدوا صوت الآذان لحوالي ثلاث سنوات كاملة، بعد أن أغلقت المساجد من أجل الترميم في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، حيث أكدوا لنا أنهم فقدوا الإحساس بقدوم وقت الصلاة، و غالبا ما يؤدون فرائضهم في أوقات متأخرة عن موعدها، خاصة ما تعلق بصلاة الصبح، قبل أن يكشف لنا صاحب محل بحي «رود شوفالي» أن أحد الجيران اهتدى منذ حوالي سنة إلى حيلة بسيطة حتى يعيد بها صوت الأذان للحي، حيث زوّد هاتف ذكي بتطبيق خاص و وصله بمكبر صوت يرفع الآذان كلما اقترب وقت الصلاة. مواطنون مخيرون بين العراء و مساجد في طور الإنجاز و بالمدينة الجديدة علي منجلي، لا تزال المساجد عبارة عن مشاريع لم تر النور منذ سنوات، و حتى مسجد أحمد حماني الذي يعد الأقدم بها لم يستلم بعد، رغم انطلاق أشغال إعادة بنائه منذ أزيد من 5 سنوات، أما بقية المساجد فهي عبارة عن ورشات مفتوحة، أو مصليات فوضوية، فيما ضاقت ذات البناء الجاهز الموجودة في العديد من الأحياء و الوحدات الجوارية الجديدة بالمصلين. و يؤدي ككل عام عدد كبير من سكان علي منجلي صلاة التراويح في العراء أو داخل مصليات لا تزال في طور الإنجاز، و هو أمر بات يشكل خطرا عليهم، على غرار ما هو مُسجل بمسجد الإعتصام بحي الفيرمة و مسجد السلام بالوحدة الجوارية رقم 1، حيث يفترش المصلون زرابي ذات نوعية رديئة وسط الغبار و الردوم و تحت أعمدة الصقالة الحديدية و الخشبية، فيما يضطر المصلون بمسجدي عبيدة بن الجراح بالوحدة رقم 8 و الريان بالقرب من سكنات عدل، إلى افتراش الأرض لأداء الصلاة وسط ضجيج السيارات و صخب الشوارع. و ما يلاحظ عبر غالبية المساجد التي زرناها هو الإكتظاظ الكبير، حيث لابد أن تصل قبل ربع ساعة من آذان العشاء حتى تتمكن من الظفر بمكان، فيما يضطر العشرات من المصلين إلى مغادرة المساجد أو افتراش الأرض، و هو وضع وقفنا عليه منذ انطلاق شهر رمضان بمسجد السلام، فيما يفضل العديد من المواطنين أداء الصلوات في بيوتهم لذات المشكلة، وفق ما لمسناه من تصريحات بعضهم. و يطرح سكان الوحدة الجوارية 16، التي رحل إليها أزيد من ثلاثة آلاف عائلة في رمضان الماضي، إشكالية انعدام أماكن لأداء الصلوات، حيث استغرب من تحدثنا إليهم من المواطنين عدم توفير مسجد من البناء الجاهز على الأقل ، ما يضطرهم يوميا إلى التنقل لمسافات طويلة نحو وحدات جوارية أخرى، أو حتى إلى مدينتي الخروب و قسنطينة لأداء صلاة التراويح، و هو وضع وصفه المواطنون بغير المقبول بجميع الأحياء الجديدة التي زرناها. و يشتكي سكان الوحدات الجوارية 17، 18 و 19 من عدم توفر أدنى الشروط الضرورية في قاعات البناء الجاهز، سواء تلك المشيدة من طرف الدولة بصفة مؤقتة أو التي تطوع مواطنون لبنائها، كما تحدثوا عن تأخر برمجة و اختيار أرضيات مشاريع إنجاز مساجد بهذه الأحياء، ما اضطرهم إلى أداء الصلوات في مصليات وصفوها بالضيقة، نظرا لعدم استيعابها لأعداد المصلين، سيما في صلاتي الجمعة و التراويح. و يشير سكان الوحدة 17 إلى أنهم يؤدون صلاة التراويح خارج البناء نظرا لضيقه، لكنهم يؤكدون بأن الأجواء الروحانية للشهر الفضيل ساعدتهم على تحمل الوضع، كما ذكروا بأن عدد السكان في تزايد مستمر و من المرجح أن يرتفع خلال الأيام المقبلة، بعد انطلاق عمليات ترحيل جديدة و التحاق مكتتبي كناب إيمو بسكناتهم، ناهيك عن انتهاء الأشغال بالعديد من المشاريع الترقوية، كما أضافوا بأن المسجد الوحيد يحتضن أعداد أخرى من المواطنين القاطنين بأحياء مجاورة. و على مستوى الشطر الأول من الوحدة الجوارية 19، تعرف أشغال البناء الخاصة بمسجد الحي الذي يشرف على إنجازه أحد المحسنين، تأخرا، ما دفع بالسكان إلى بناء مصلى صغير سقفه من القصدير، و حيطانه مائلة، كما لا يتوفر على أدنى الشروط من ماء و كهرباء، فيما ذكر لنا مواطنون بأن مسجد الشطر الثاني من نفس الوحدة يعرف تأخرا في الإنجاز، بينما يشتكي المصلون بالشطر الثالث من عدم توفر مصلى الحي على التجهيزات الضرورية من مائضة و مياه، ما يضطرهم إلى التزود بالمياه من عمارات الحي أو الوضوء بمنازلهم. مديرية الشؤون الدينية لا توجد بدائل بالمدينة القديمة و فتحنا 20 مسجدا بعلي منجلي ينفي رئيس مصلحة الإرشاد الديني بمديرية الشؤون الدينية و الأوقاف بقسنطينة، وجود طلبات أو اقتراحات من سكان المدينة الجديدة حول بدائل أخرى لأداء صلاة التراويح، كما كشف أن الترخيص بساحة سي الحواس و دار الإمام سيمتد إلى غاية صلاة العيد، فيما تواصل المديرية مساعيها لمواكبة التوسع العمراني بعلي منجلي. و أكد رئيس مصلحة الإرشاد الديني بمديرية الشؤون الدينية في منتدى إذاعة قسنطينة، أمس الأحد، أن مبادرة الترخيص لسكان المدينة القديمة بأداء صلاتي العشاء و التراويح بكل من ساحة سي الحواس المحاذية لمسجد الباي و كذا بهو القاعة الشرفية بدار الإمام، كان من أجل تدارك العجز المسجل جراء تواصل غلق 12 مسجدا و 7 زوايا بداعي الترميم منذ سنة 2014، مضيفا أن لجنة فتح المساجد المكونة من عدد من القطاعات على غرار المندوب الأمني و ممثل عن الحماية المدنية، رأت في المقترحين المذكورين بديلين مقبولين، حيث تم تجهيزهما بما يسمح للمصلين بأداء فريضة الصلاة في ظروف جيدة. ذات المتحدث أوضح أن مديرية الشؤون الدينية منفتحة على أي اقتراح يقدم من طرف المواطنين حول بدائل أخرى، و ذلك لتمكينهم من أداء الصلوات الخمس، حيث أكد أن كل طلب يُقدم يُحوّل على اللجنة المختصة لدراسته قبل اتخاذ أي قرار، نافيا أن تكون المديرية قد رفضت الترخيص للسكان بالصلاة في أماكن أخرى، حيث صرح أن البديلين الوحيدين المطروحين حاليا، هما ساحة سي الحواس و دار الإمام فقط، إلى جانب المساجد القريبة على غرار مسجد الاستقلال بالكدية، الشنتلي بشارع رحماني عاشور و مسجد القروي برحبة لجمال. زيادة على ذلك، فمن المنتظر أن يتمكن سكان المدينة القديمة من أداء صلاة العيد بكل من ساحة سي الحواس و دار الإمام بسوق العصر، حسبما ذكره ذات المسؤول، و ذلك كإجراء يهدف لتذليل الصعوبات المطروحة من طرف المواطنين، ليضيف أن المديرية لا تزال تتابع المساجد و الزوايا المغلقة من أجل الترميم بوسط المدنية و رفع تقارير للوصاية. أما بخصوص المدينة الجديدة علي منجلي، فقد اعتبر ذات المتحدث أن المديرية تواصل مساعيها لمواكبة التوسع العمراني للمدينة و تزايد الكثافة السكانية بها، معتبرا أن علي منجلي تتوفر حاليا على 20 مسجدا بعضها فتح جزئيا للسماح للمصلين بأداء صلاة التراويح بالقرب من منازلهم.