داعش و الربيع العربي و راهن الشعوب العربية.. أبعاد لطبعة الصمود والتحدي أسدل مساء أمس الأربعاء الستار على مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، في طبعته التاسعة التي خيم عليها شبح التقشف في التسيير لكنه عامل ساهم في إنجاح الطبعة تنظيميا إلى حد ما، وشاهد الجمهور 34 عملا سينمائيا في مدة 5 أيام. وقد جرت فعاليات حفل الاختتام في مسرح الهواء الطلق بوهران خلافا لحفل الافتتاح الذي كان في مسرح عبد القادر علولة. حاولت الطبعة التاسعة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، أن تحاكي قضايا المجتمعات العربية والراهن الملفوف بالألم والخوف ومختلف مظاهر العنف والتطرف، حيث حاولت الأعمال السينمائية أن تكون بريق الأمل الذي يعيد لهذه الشعوب ثقتها في نفسها بأنها قادرة على تجاوز جرائم داعش ومخلفات الربيع العربي والأفكار المتطرفة و الانغلاقية وغيرها من المواضيع التي شدت الجمهور. فمن الفيلم التونسي «خسوف» الذي أعطى إشارة انطلاق منافسة الأفلام الروائية الطويلة والذي تطرق لمسألة شبكات تهريب الشباب والمتطرفين لسوريا عبر تونس وكيف يسعى البطلان لتفكيكها بمساعدة قاضي وبعض المسؤولين، لغاية الفيلم السوري «فانية وتتبدد» الذي اختتم الفعاليات والذي نقلنا لواقع السوريين القابعين تحت نير داعش في عدة مناطق من الشام، مرورا بالفيلم الجزائري «الطريق إلى اسطنبول» الذي قدم رؤية للإرهاب و داعش ولكن من الشق الثاني للمتوسط، أي أوروبا وغيرها من الأعمال التي رسمت الخطر الذي يداهم العالم وليس له دين ولا وطن، إنه الإرهاب بمختلف أشكاله، مثلما رسمت أفلام أخرى صلة هذا الإرهاب بالواقع المزري الذي كان ولا يزال يتخبط فيه الشعب العربي من بؤس و انحرافات وقهر وضياع حقوق باختصار فقدان ركائز المجتمع في الدول العربية، وهذا الوضع هو الذي وفر لداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية موارد بشرية جاهزة للتجنيد في صفوفها وظروف ملائمة لتغلغل الإرهاب في أوساط المجتمعات، كل هذا نقلته السينما بعين الأمل في غد أفضل بفضل مكنونات الشعوب العربية النقية والفاضلة والتي اختزنت في وقت ما ولكن ستخرج قريبا لتصد هذا الخطر وتتحدى الواقع والظروف المزرية وتبعث وطنا عربيا جديدا يتمدد ولا يتبدد. هوارية ب فيلم للمخرج المغربي سعيد خلاف مسافة ميل بحذائي.. عندما يسير المجتمع نحو الهاوية قال المخرج المغربي سعيد خلاف، أنه بدأ كتابة سيناريو فيلم «مسافة ميل بحذائي» يوم 16 ماي 2003 عندما عاد للمغرب لأول مرة من كندا بعد سنوات من الهجرة التي تابع خلالها تعليمه في مدرسة مختصة بالسينما، ليفاجأ بإنفجارات الدار البيضاء التي نفذتها جماعة إرهابية يتراوح سنها مثلما أضاف ما بين 18 و23 سنة، وتزامنت عودته كذلك مع اكتشافه لظاهرة أطفال الشوارع كانوا يتناولون المخدرات في ذات المدينة، فجمع الصدفتين في تصور فني سينمائي لأول فيلم طويل ينجزه بعد مجموعة من الأفلام القصيرة. وأوضح المخرج وكاتب السيناريو سعيد خلاف، أنه عمد على ربط الحدثين كون أطفال الشوارع هم شريحة هشة ومحرومة وتعيش ظروفا قاسية، وهي مميزات تجعلها هدفا سهلة الاستقطاب من طرف الإرهاب أو تجار المخدرات وغيرهم مثل قطاع الطرق. وتخمرت الفكرة في ذهن المخرج لغاية تخرجه من مدرسة السينما سنة 2005 ليبدأ فعليا في كتابة السيناريو لغاية 2009، وكشف أنه انتظر لغاية 2013 ليتحصل على الدعم المالي المقدر ب 400 ألف دولار من الدولة المغربية التي قال أنها واعية بأهمية الفعل السينمائي وبدأ التصوير في السنة التي تلتها عرض منتوجه للجمهور في 2015، بعد أن سبب لسعيد خلاف ضغطا نفسيا في التعامل مع النص وكيفية تجسيده ونقله للجمهور. وأشار المخرج إلى أنه في البداية كانت لديه 3 قصص في السيناريو هي، التجارة بالدين التي يرى المخرج أنها أصبحت موضوعا مستهلكا، وقام باستبعاد تجارة المخدرات ليحصر العمل في السرقة و الاعتداءات من منظور إنساني، فكل طفل شوارع في داخله إنسان جميل ولكن نحن ننظر إليه أنه قبيح. ومن جانب آخر، لم يتردد المخرج في التأكيد بأنه عندما ينجز عملا فنيا سواء في السينما أو المسرح الذي هو مهده الأول، يسعى لتجسيد الفكرة التي تراوده وترضي الجمهور عندما يشاهدها، وليس أن ينجز فيلما من أجل أن يرضي الجمهور فقط، فالفنان يجب أن يتكلم بصوته. وأفاد المتحدث أنه تعمد على مدار أكثر من ساعة الزمن من عمر الفيلم أن لا يعرف الفضاء والمكان كون الظاهرة دولية وموجودة في كل بلدان العالم ولكن بدرجات متفاوتة وحتى لا يكون في الفيلم انتماء لوطن ما. وأوضح في رده على أحد الأسئلة أنه اختار أن تكون النهاية سعيدة، ليبعث رسالة للجمهور وللإنسان بأنه رغم العذاب يجب أن يبقى ذلك الإنسان الجميل الطيب لأن الفرج آت مهما طال الزمن. الفيلم يروي قصة الطفل سعيد الذي لم يعرف طعم السعادة إلا في آخر لقطة من العمل، سعيد طفل عاش وسط أسرة مفككة بعد وفاة والده وأعادت والدته الزواج من رجل سكير وزير نساء لا يأتي للبيت سوى لأخذ تلك الدراهم التي جمعتها زوجته من عمل مضني لتطهم ولديها، سعيد يجد نفسه في الشارع وسط قطاع الطرق الذين يتحكم فيهم أحد الشباب «نمرود» الذي يمارس مع هؤلاء الأطفال المتشردين مختلف أنواع الرذيلة والعنف والإذلال وهي علامات رسمت في شخصية سعيد أيضا، ورغم أنها كانت بدرجة أقل كونه كان متمردا ضد النمرود، إلا أنها شكلت عقدا رافقته في حياته مثل رافقه النمرود أينما يذهب خاصة داخل السجن، وبين قضبان الزنزانة وسجن الشارع يتخبط سعيد في مغامرات تصنع منه دائما ذلك المتهم الخطير لأنه كان طفل شوارع، حتى عندما لجأ لظل سيدة مسنة ووحيدة وميسورة الحال احتضنته مثل ابنها وهي التي أخرجت من بين أضلعه الإنسان وقيم الأخلاق وميزات أخرى دفنها سعيد بداخله على مدار أكثر من 23 سنة، وعندما أرادت تلك السيدة أن تزوجه بحنان التي وجد سعيد لديها كل الحب والحنان، عاد ماضيه ليزج به في السجن في قضية لا علاقة له بها ولكن أراد المخرج أن تتغير تلك الحياة البائسة المتشردة ليجد سعيد عندما يخرج من السجن أن تلك العجوز قد كتبت له كل أملاكها وأنه أصبح له بنت وزوجته ظلت وفية لحبهما مثلما ظل صديقه الوحيد على السنوات وفيا له لتنتهي مسافة الميل بالحذاء لطفل قال أنه «منتوج المجتمع كله «، بانطلاق مسافة السعادة. هوارية ب الجمهور الجزائري تفاعل إيجابيا مع العرض السوري «فانية وتتبدد».. هي داعش أو الخطر «القادم من الشرق» أوضحت كاتبة سيناريو الفيلم السوري «فانية وتتبدد» ديانا كمال الدين أنها من خلال هذا العمل تجنبت كل ما يمكن أن يكون إضاءة أكبر أو دعاية للتنظيم الإرهابي داعش بل أنها حاولت إبراز بعض النقاط من بطشه كتنظيم قاتل وحشي ومجرم وأن تكسر صورة هذا التنظيم التي رسمها لنفسه بأنه قوي وجبار بل هو عدو هش، صغير وتافه وأنه مستعد أن يترك كل شيء ويهرب، وأنها تفادت من أجل هذا تسليط الضوء على فضائع الجرائم التي يرتكبها داعش التي هي موجودة عبر عدة وسائط منها اليوتوب. وأضافت ديانا التي عوضت المخرج نجدة أنزور في مهرجان وهران، أن التركيز كان على ما يحدث للنساء من طرف هذا التنظيم الإرهابي لأنها النقطة الوحيدة مثلما أشارت التي لا يتباهى بها داعش عبر وسائل الانترنت، والفيلم يحمل وقفة تضامنية مع المرأة في هذه المناطق من سوريا والعراق. فالسينما لها اليوم دور مهم وهو زرع الأمل في نفوس الشعوب، وليس فقط نقل الواقع وإعادة إنتاجه فنيا، لا يكفي حسب كاتبة السيناريو أن نعيد الواقع بل أن نرسمه بالطريقة التي تبعث التفاؤل لدى المتلقي، وهي الانطباعات التي انعكست من خلال ردود فعل الجمهور السوري الذي شاهد الفيلم في عدة محافظات سورية. وبخصوص إبراز جبهة النصرة بدور إيجابي في الفيلم رغم أنها تعتبر تنظيما إرهابيا كذلك، أفادت المتحدثة أن الخلاف بين داعش وجبهة النصرة ليس خلافا عقائديا ولكن يتعلق بالتوقيت، فهو خلاف بين أيمن الظواهري والجولان، حيث أن الظواهري كان يسعى لتطبيع العلاقات مع العالم من خلال جبهة النصرة لدى صورها بأنها جبهة سورية ثورية وبما أن أغلب مجنديها سوريين حاولت الكاتبة أن تستخرج من أعماقهم تلك النخوة والرجولة التي أعادتهم بها للوطن وساعدوا الجيش السوري في إخراج داعش من إحدى المناطق التي كانت تابعة له. وأكدت المتحدثة في ردها على أسئلة الصحافة عقب عرض الفيلم بقاعة سينما المغرب، أن تصوير هذا العمل كان في منطقة «دارية» بسوريا التي أصبحت حطاما ودمرت، وأن فريق العمل كان على بعد 150 متر من ميدان المعركة، ولكنه كان محميا من طرف الجيش السوري، وأن أصوات الرصاص والمدافع كانت حقيقية من وقائع الميدان الحربي بسوريا. «فانية وتتبدد».. فيلم سوري يعرض لأول مرة خارج سوريا، و الذي يعد أول مبادرة تناولت تواجد تنظيم داعش فوق الأراضي السورية وما يفعله من جرائم في حق الإنسانية، كان آخر فيلم يعرض في أيام مهرجان وهران للفيلم العربي في طبعته التاسعة، الفيلم شاهده جمهور غفير غصت به قاعة سينما المغرب في الطابق الأرضي و أضطر المنظمون لفتح الطابق العلوي رغم أنه عرض لغاية ساعة متأخرة اقتربت من منتصف اليل، لكن ظل الجمهور في القاعة وتفاعل بإيجابية كبيرة مع أحداث الفيلم، هذه الرمزية تركت انطباعا جميلا في نفسية كاتبة السيناريو ومرافقيها الذين مثلوا الفيلم، وهو رمزية أيضا بأن الجزائريين واعون بالخطر الإرهابي الذي يتهدد البلاد وهذا ما لمسناه في انطباعات الجمهور. فيلم يزرع بصيص أمل في نفوس الشعب السوري خصوصا والعالم عموما بأن هذا التنظيم الإرهابي هش وصغير ويصور نفسه قويا عن طريق الانترنيت فقط. «فانية وتتبدد» هي الدولة الإسلامية التي أرادها داعش لتنفيذ مخططه ولكن سيأتي يوم وتفنى بفضل الجيش وبفضل الشعب أيضا، حيث تم التركيز في الفيلم على المدرسة والتعليم الذي هو نقطة مهمة في التصدي لهذه الأفكار لأنه لا يقتل الفكر إلا فكر أقوى منه، «فانية وتتبدد» هي كذلك صمود المرأة التي لها دور كبير في دعم أسرتها وبالتالي بلدها وحمايته من بطش العدو الإرهابي، الفيلم أيضا صورة جميلة لتعايش الأديان في سوريا، حيث أبرز من خلال رب أسرة مسيحي الذي انقلب مسلما وأدلى بالشهادة عند داعش فقط من أجل أن يحمي أسرته، هو نفسه الإنسان الدين تغير ولكن قيم الإنسان ظلت راسخة، ولكن رسالة أخرى جسدتها آخر لقطة من الفيلم وهي هروب أمير جماعة داعش الذي أخذ معه جواز سفر تركي وآخر سعودي وآخر أمريكي وأخذ الأموال والذهب وفر مسرعا من نافذة لم يراها الجيش السوري لتصنع هذه النهاية بداية لجرائم هذا الأمير الداعشي في منطقة أخرى ولتقول للعالم داعش لم ينته بتحرير منطقة سورية بل هو خطر قادم من الشرق.