شغل سكان الوحدة الجوارية 14 بالمدينة الجديدة علي منجلي في قسنطينة لسنتين متتاليتين الرأي العام بقصص عن مداهمات ومواجهات وعمليات تخريب في أحداث عنف كان الأطفال جزءا هاما من أدواتها، إلى درجة أن الحي أصبح منطقة شبه محرمة على غير سكانه، إلى أن جاء طفل عمره سبع سنوات ليعيد الوحدة الجوارية إلى الواجهة ولكن هذه المرة بلغة أخرى. محمد عبد الله فرح جلود طفل انتقل مع عائلته من أحد أحياء مدينة قسنطينة للإقامة في شقة أجمل من البيت القديم في مدينة سمع أنها جديدة، لكن تلك الفرحة لم تكتمل لأن الحي تحول بعد أشهر من عمليات الترحيل إلى ساحة لمعارك يومية بالسيوف والزجاجات الحارقة ومطاردات قلبت الحياة إلى جحيم لم يعرف له سبب ولا محرك، الدراسة توقفت لأيام والحركة أصبحت محدودة والأطفال لم يعودوا بتلك البراءة المتوقعة بعد أن لُقنوا لعبة الرشق وتسلق الشرفات و اعتلاء أسطح العمارات بحثا عن هدف يُرمى بحجر. وسط كل هذا حافظ الطفل على براءته و استعان بشغف القراءة ليصنع لنفسه عالما آخر وسط ذلك الضجيج، استأنس بالمقامة البغدادية وقصص أهل الكهف، تعرف على ابن باديس وحلم مع أبطال القصص والروايات القديمة منها والحديثة، وكلما قرأ ابتعد عن ذلك الواقع وشعر أنه في أمان رغم ما يحيط به من أخطار. النصر التي نقلت أحداث الوحدة الجوارية 14 بكل تفاصيلها و مستجداتها كانت قد التقت بأطفال من الحي في خضم الأحداث، لغتهم بدت حادة وفيها الكثير من مفردات الكبار، كثيرا ما كانوا يطاردون الصحفيين والمصورين بالحجارة ويعبرون بلغة من يستخدمونهم كذخيرة، على أنهم الأقوى وأنهم سيقضون على الطرف الآخر في محاكاة لأبطال الرسوم المتحركة، وجدنا من بينهم جرحى ومصدومين وسعداء بتوقف الدراسة لأيام وحتى لأسابيع. في المقابل وجدنا محمد هادئا و واثقا، لسانه فصيح و ابتسامته عريضة، كان فخورا بأنه سيمثل الجزائر في مسابقة عربية للقراءة التحق بها متأخرا لكنه تفوق على كل المشاركين، قال لنا بأنه ألف قصة رغم أنه في السابعة من عمره وبأن ابن باديس قدوته، تحدث لنا عن الاجتهاد والمثابرة وعن أحلام تراوده لا تخرج عن التفوق والكتابة وتغيير العالم إلى الأحسن، ربما لم يتوقع هذا الطفل أن يتفوّق على ثلاثة ملايين طفل في الوطن العربي وهو أصغر مشارك، لكنه فعلها وشد الأنظار إليه أكثر حينما أبان عن تحكم كبير في العربية أدهش من كانوا يعتقدون بأن العربية عصية على الجزائريين. أمام كاميرات التلفزيون قدم محمد صورة أجمل عن الطفل الجزائري وعن ما يمكن أن يصل إليه بشيء من الاهتمام وهنا لا يمكن تجاهل دور عائلته في أن يطل علينا من الإمارات بطلا فاز بجائزة قدرها 150 ألف دولار بعيدا عن حلم نجم كرة قدم أو تاجر خردة إنما بالقراءة التي تعلم أول أبجدياتها في مدرسة بعلي منجلي وتحول إلى شمعة في عتمة العنف. كثيرون من أمثال هذا النابغة ينتظرون فرصة أو ظروفا أحسن ليمارسوا طفولة سوية تنير عقولهم في ما ينفعهم وينفع الجزائر، وقد يكون خلاصنا على أيدي الأطفال بعيدا عن جرائم الاغتصاب والقتل و الاختطاف التي حولتهم إلى فريسة.