أكتب ما أغفله المؤرخون عن قبيلتي وآسيا جبار قريبتي لكني لم أتأثر بها قالت الكاتبة نورة ساري في حوار للنصر أن ثلاثيتها الروائية ستكتمل قريبا بمؤلف جديد، أكدت بأنه كان من المفروض أن يكون إصدارها الأول، لأنها تتناول فيه حقبة و أحداثا تاريخية مهمة، غفل عنها المؤرخون تتعلق بتمرّد و نفي قبيلة بأكملها إلى جزيرة بالقرب من كان الفرنسية و هي قبيلة «البراكنة». الكاتبة تحدثت أيضا عن روايتها الجديدة «قسنطينة المنفى و الحرب» و اضطرارها لارتداء قبعة الإثنوغراف و المؤرخ، للإلمام بكل الجوانب، تماما كما فعلت في مؤلفها السابق «حفل بشرشال»، معتبرة نشر سيرة ذاتية في مؤلف يقع في 520 صفحة تحد لا بد منه ، لأهمية الذكريات و الأحداث التي تناولتها، تارة بنظرة طفلة لم تتجاوز السابعة من العمر، و تارة أخرى بإحساس مراهقة و شابة أكثر وعيا و إدراكا. «حفل شرشال» تجسيد لنظرة طفلة -النصر: صدرت لك مؤخرا رواية عن دار النشر القصبة موسومة «قسنطينة المنفى و الحرب»، هلا حدثتنا عنها؟ - نورة ساري: لا يمكن الحديث عن «قسنطينة المنفى و الحرب» ، دون الرجوع إلى روايتي السابقة «حفل بشرشال» الذي شمل ذكريات الطفولة التي نقلتها بنظرة و إحساس طفلة، لم تتجاوز سن السابعة، و التي كانت مسكونة بحب مدينتها و كل ما يتعلّق بتاريخها العريق، لكنني لم أكتف بالأحداث التاريخية، بل غصت في عمق حياة الشرشاليين آنذاك، رغبة مني في نقل صورعن أهم العادات و التقاليد و الطقوس و فنون الحياة عموما، التي كان يتمتع بها أهل المنطقة، لأبيّن للجيل الجديد بأنه رغم الاستعمار، كانت هناك حياة و متعة و ثمة عائلات عاشت الرخاء، بمعنى آخر اخترت تسليط الضوء على زاوية أخرى من حياة الجزائريين، بعيدا عن صور البؤس و الفقر التي نالت حظها في مؤلفات الكثير من الأدباء كمولود فرعون و مولود معمري و غيرهما، حيث أردت إبراز تراثنا المادي و اللامادي من خلال ما كان رائجا من فنون و تقاليد و عادات جميلة و مميّزة، حيث تحدثت عن سحر العمران و المباني و ما تخفيه من أسرار و ثراء في التقاليد و سحر الحياة، وراء أسوار تلك المباني التقليدية و ما يختزنه كل ركن و زاوية من ذكريات و قصص نساء. أردت نقل الكثير من الصور عن الانسجام الذي كان بين العائلات، حتى مع بعض الفرنسيين، و أمور وجدت أنه من واجبي الإشارة إليها بنظرتي كمراهقة، دون إغفال الأحداث المهمة في الثورة الجزائرية و التي كنت شاهد عيان عليها، حتى و إن لم أستوعبها جيّدا حتى كبرت، من خلال ذكريات مشتركة مع عائلتي التي فضلت اختصارها، أو بالأحرى تحديدها في الفترة بين 1955 و 1962. أعتمد على النظرة الذاتية في سرد الأحداث - نرى أنك ترتدين تارة قبعة الإثنوغراف، و تارة أخرى المؤرخ؟ - وثقت بطريقتي لبعض الأحداث، لكن ليس بنظرة المؤرخ، لأن في ذلك مسؤولية كبيرة و موضوعية أكبر، في حين غلب على عملي النظرة الذاتية، لأنني نقلت ما رأيت و عايشت بإحساسي و رؤيتي الخاصة. -أسلوبك تغيّر من «حفلة في شرشال» إلى «قسنطينة المنفى و الحرب» ماذا تقولين بهذا الشأن؟ - طبعا أسلوب الطفلة الصغيرة و نظرتها و عباراتها، تختلف عن أسلوب الشابة الأكثر وعيا و إدراكا ، و بالتالي حرصت على أن يظهر ذلك في كتابتي أيضا، حرصا مني على إبراز شخصية الطفلة، ثم المراهقة من باب المصداقية و هو ما يمكن ملاحظته من خلال أسماء الشوارع و الأزقة القديمة التي حافظت على أسمائها القديمة، كما كانت في تلك الفترة، كحي فيكتور هيجو الذي أصبح فيما بعد سان جان و حاليا بلوزداد. -هل حققت روايتك الجديدة بقسنطينة ما حققته روايتك الأولى بشرشال؟ - أظنكم لاحظتم بأم أعينكم العدد الكبير للقراء الذين حضروا جلسة البيع بالتوقيع التي احتضنتها دار ميديا بلوس الأسبوع الماضي، رغم أن الأغلبية سمعوا عنها في وقت متأخر، و ثمة من جاؤوا من مدينة البليدة، و قد حققت الجلسات السابقة نفس الشيء، حيث حققت نسبة مبيعات مهمة بمعرض مغرب الكتاب بباريس، أين صنفت في المرتبة الخامسة من حيث نسبة المبيعات، و نفس النجاح حققته من قبل روايتي «حفلة بشرشال» التي كانت مطلوبة جدا حتى بفرنسا. سأقتفي أثر قبيلة البراكنة في المنفى - بعد ذكريات الطفلة و المراهقة، هل سينتظر القراء رواية ثالثة بنظرة نورة ساري في سن الكهولة و الشيخوخة؟ - نعم هي ثلاثية، لكن بدل أن أتقدم في السرد سأعود إلى الوراء إلى سنة 1830، للحديث عن تمرّد و نفي قبيلة بكاملها، لم تنل حظها في كتب التاريخ، و هي قبيلة «البراكنة» أو بركاني و التي قاوم أهلها دخول المستعمر بسواحل سيدي فرج، و هي قبيلة أحد أجدادي و قد حارب بجيش مالك بن صحراوي البركاني الذي تعرّض للنفي هو و كل القبيلة التي بلغ عدد أفرادها آنذاك 94 فردا لمدة 16سنة، و ذلك بسانت مارغريت بجزيرة بالقرب من كان بالبحر الأبيض المتوسط. -سيكون ذلك بمثابة توثيق تاريخي، فهل بحوزتك الوثائق الكافية لذلك؟ - بالطبع، لدي قائمة بأسماء المنفيين ال95 ، لماذا 95 بعد أن كانوا 94؟ لأن هناك امرأة وضعت مولودها في السفينة عند ترحيلهم نحو المنفى، لكنني لن أكتفي بما جمعته هنا من العائلات، بل سأقتفي أثر البراكنة بمنفاهم، كما وجدت معلومات مهمة بالأرشيف الفرنسي و سوف أتفرّغ قريبا لإتمام بحثي بأرشيف آكس أون بروفانس، و سأزور السجن الذي أسر فيه منفيو البراكنة، و الذي أصبح اليوم متحفا و يمكنني زيارته بسهولة، دون طلب ترخيص رسمي لذلك. سأتحدث عن فترة خلافة بن عيسى البركاني بالمدية إلى غاية سنة 1871 السنة التي اتخذ فيها قريبه مالك البركاني قرار مواجهة الفرنسيين بالسلاح بعد عودته من المنفى، ليستشهد بأرض الوطن و هو يحمل السلاح في وجه العدو. لا يمكنني العيش دون ضحك -إصدار سيرة ذاتية من 520 صفحة، أليس ذلك نوعا من الرهان غير المضمون في ظل تراجع المقروئية؟ - كنت مستعدة لإصدار كتاب من 1000صفحة، لكن الناشر رفض و نبهني بأنه آخر مؤلف لي بهذا الحجم، و إلا رفض التعامل معي و النشر لي مستقبلا، و مع هذا هناك من القراء من لامني لعدم ذكري بعض الأمور التي اعتبروها مهمة و جديرة بالتوثيق، رغم كل ما ذكرته و لم أغفله في كتابي. -اخترت عناوين فرعية بأسماء عائلات قسنطينية، هلا حدثتنا عن سر ذلك؟ - كثرة الأحداث و الذكريات جعلتني أبحث عن طريقة لسرد أهم المحطات في حياتي، دون إغفال أي منها، فوجدت أن الطريقة الأنسب في تقسيم المراحل حسب ما عشته مع كل عائلة تارة، و حسب الصور الراسخة في رأسي لأهم العادات و كذا الأحداث التي أثرت في. -طغت روح الطرافة على الكثير من المقاطع بروايتك، حتى في المواقف الحزينة، ماذا تقولين عن ذلك؟ - خفة الروح و الطرافة سمة يتميّز بها أهل شرشال، و أنا ورثت ذلك و لا أتصنع مثل هذه المواقف، بل هي طبيعية و تلقائية و كل من يعرفني يعرف بأنني لا يمكنني العيش دون أن أضحك. معبد المالوف -ما قصة الصالون المشرقي التي توّقفت عنده بروايتك؟ - كان عمري 11سنة عندما طلب مني والدي الحضور إلى محل سي طاهر مامي، أحد أعيان مدينة قسنطينة يملك محلا لبيع المفروشات و المجوهرات و النحاس بحي عبان رمضان حاليا، مباشرة بعد خروجي من المدرسة على الساعة الرابعة ، و عندما وصلت أمسكني والدي من يدي و نزلنا سلما إلى أسفل المحل ، حيث انبهرت من جمال المكان و ديكوره المميّز، رغم أنه لم يمنحني فرصة التمتع بالنظر أكثر من دقيقة، و تسألت وقتها لماذا فعل ذلك و ماذا أراد من وراء ذلك؟ لأدرك و أنا أكتب روايتي الأولى ثم الثانية، بأن نظرته الاستشرافية سبقت قرار خوضي تجربة الكتابة، و تحقيق رغبته في إخبار من سيأتون من بعده بما كانوا يعيشه هو و من معه من متعة فنية و ثقافية رغم الحصار الفرنسي، حيث كان الصالون الشرقي يخفي في طابقه السفلي ناديا، أو بالأحرى معبدا للمالوف، أين كان يجمع شيوخ المالوف حسونة، براشي و الزواوي فرقاني و بن كرطوسة و التومي و غيرهم. آسيا جبار قريبتي لكنني لم أتأثر بها روائيا -كانت آسيا جبار سباقة إلى نقل عادات و تقاليد الشرشاليين فهل تأثرت بها؟ - لا هي لم تؤثر في، لأن شعوري بالمسؤولية اتجاه واجب الحفاظ على الذاكرة الجماعية لمنطقتنا، كبر معي منذ الصغر و انتظرت التقاعد للتفرّغ لذلك، و إن كانت تجمعني صلة قرابة بآسيا جبار من جهة الأم. - ما رأيك في الأدب النسوي اليوم؟ - لا أزال عند رأيي بأن وحدها المرأة قادرة على الكتابة عن بنات جنسها أكثر من الرجل، لذا أرى بأن ما تبدعه الأديبات اليوم في هذا الصنف ،أهم و أكثر مصداقية في نظري.