لهذه الأسباب لا تقتحم المنتجات الغذائية الجزائرية السوق الخارجية يكشف اقتصاديون و صناعيون في هذا الملف، على أن طموح الحكومة الجزائرية لتطوير و تنويع الصادرات خارج قطاع المحروقات، ما زال يتأرجح بين النوايا الجادة للخروج من قوقعة الاقتصاد المرهون بمداخيل البترول وواقع اقتصادي يتسم بالمحدودية في نوعية المواد الغذائية المصنعة القابلة للتصدير، و منظومة اقتصادية في القطاع الخاص مبنية على عقلية الربح السريع، التي يغفل فيها الدور الايجابي للاستراتيجيات المؤسساتية و الانتاجية بعيدة المدى. كما يهمل غالبية المستثمرين، الجوانب المتعلقة بمتطلبات بناء صناعة متكاملة و الترويج لعلامتهم التجارية على المستوى العالمي لضمان مكان في السوق على المدى البعيد، لانعدام الدراسات المتعمقة للأسواق و مستجدات تنويع المنتوج و مسايرته لما يحدث من تغييرات و تعديلات في السوق القارية و الدولية، ما قلل من نسب نجاح الاجراءات المعتمدة لتنويع الصادرات لتشمل قطاع الصناعات الغذائية، على الرغم من ترقية و تطوير القواعد اللوجيستيكية و المنشآت الصناعية و فرض تسهيلات جبائية و جمركية و اعتماد ترسانة من القوانين لحماية المنتوج الوطني و تشجيع المستثمرين على التصدير. ملف من إعداد و تصوير : عثمان بوعبد الله لكنها تبقى غير كافية بحسب صناعيين و مستثمرين التقينا بهم، حيث تطرح بحسبهم عديد العراقيل و العقبات التي تحول دون نجاح عمليات التصدير، يأتي على رأسها تقلبات الأسعار في البورصة العالمية و عدم استقرار قيمة الدينار، ما يزيد من مخاوف المصدرين في حسابات الربح والخسارة، و يدفعهم إلى الاكتفاء بتغطية احتياجات السوق الوطنية المضمونة الأرباح، بالإضافة إلى وجود شرخ في سلسلة الانتاج بالنسبة للصناعات التكاملية بين منتج المادة الأولية و المصنع و التاجر، لعدم الاعتماد على سياسة انتاج واضحة و تبعية قطاعي الفلاحة و الزراعة للمناخ و الموسمية، ما يجعل الاهتمام منصبا على تحقيق الاكتفاء المحلي خلال الفترات التي يسجل فيها عجز في تغطية احتياجات السوق الوطنية و ندرة في بعض المنتوجات الفلاحية و الزراعية على غرار الخضر و الفواكه و الحبوب والبقوليات و اللحوم التي تعد أهم دعامة في الصناعات التحويلية و الغذائية . و زيادة على هذا تبقى نظرة غالبية المستثمرين و الصناعيين في الجزائر تقليدية و مقتصرة على الجانب المحلي و الربحي في مجملها، لنقص التكوين و عدم الاحتكاك بكبار المصنعين و الاكتفاء بطرق تسيير بدائية حسبما اطلعنا عليه خلال انجازنا لهذا الملف، رغم بروز تجارب لمستثمرين يحاولون الخروج من قوقعة التقليدي و الرقي بمؤسساتهم إلى مصاف كبرى المصانع العالمية، من خلال الاعتماد على الطرق الحديثة في تسيير المؤسسات الصناعية و اعطاء أولوية بالغة للجانب المتعلق بالتسويق و التأطير البشري بالكفاءات، لكن عادة ما يصطدمون بمشكل النقص المسجل في المادة الأولية و كذا المنافسة من حيث الأسعار و النوعية في السوق الدولية و حتى بدول الجوار و الدول الإفريقية التي يعول عليها بشكل كبير في عمليات التصدير. و تعرف بعض الصناعات الغذائية نقصا كبيرا في المواد الأولية داخل الوطن، على غرار مصانع البسكويت و الحلويات، و ارتفاعا في أسعار المواد الأولية في السوق الدولية، ما يحدث اختلالات في وفرة المنتوج، و يحتم على المستثمرين استيراد المواد الأولية رغم امكانية توفيرها محليا، على غرار مادة القمح التي توزع بنظام الحصص على المطاحن ومصانع العجائن ما خنق بعض المؤسسات و جعلها تفكر في الاكتفاء بتغطية الاحتياج المحلي . و بما أن قطاع الصناعات الغذائية يعد من بين القطاعات الهامة في بناء الاقتصاد الوطني و تحقيق الأمن الغذائي، تنقلنا إلى عدد من المصانع بولاية برج بوعريريج التي تتوفر على قاعدة صناعية هامة و ثروات نباتية و حيوانية هائلة، للإطلاع على واقع الاستثمار في الصناعات التحويلية الغذائية و قياس مدى تجاوب الصناعيين مع إستراتيجية الحكومة لتنويع الصادرات، خاصة و أن ولاية البرج تعد من بين الأقطاب الاقتصادية عبر الوطن التي شهدت تطورا في مجال الصناعات الغذائية بتوفرها على عديد المصانع و استفادتها من مشاريع هامة لإنشاء مناطق صناعية متخصصة و ميناء جاف بمنطقة تكستار لتسهيل عمليات التصدير، كما أنها عرفت تنظيم عديد الملتقيات الاقتصادية و الأيام الدراسية، بحضور خبراء اقتصاديين و مستثمرين، حيث ذكر في إحداها الخبير الاقتصادي منصف الجزائري بأن الاشكالات المطروحة في عمليات التصدير، ترتكز في جانب منها على عقلية المصنع الجزائري و على مستوى العامل البشري و الغياب شبه الكلي للهياكل التي تعنى بوظيفة التسويق الدولي داخل المؤسسات الاقتصادية والصناعية، ناهيك عن اهمال أو عدم الاهتمام بحاجيات و رغبات المستهلك الأجنبي عكس المؤسسات الدولية التي-أعطت أهمية بالغة لهذا الأمر من خلال تجسيد نظريات إدارية لضبط الجودة وفق معايير دولية-، و يضاف لما سبق محدودية القدرة التنافسية لقلة الخبرة وعدم الاحتكاك بكبار المستثمرين والصناعيين في المعارض الوطنية والدولية، بالإضافة لعدم القدرة على المنافسة التي تفرضها المؤسسات الأجنبية في مجاراة السوق العالمية، رغم اعتماد الحكومة لجملة من التدابير و الإجراءات المتخذة لتنويع مصادر الاقتصاد الوطني و مرافقة المستثمرين، من خلال فرض تسهيلات لصالحهم، خاصة ما تعلق منها بتشجيع المنتوج الوطني و حمايته من منافسة السلع الأجنبية، و فرض زيادات في الحقوق الجمركية تصل نسبتها إلى 15 بالمائة للسلع المستوردة، و تشجيع بعض القطاعات التي لازالت تشهد تأخرا في الجزائر، رغم أهميتها الكبيرة في تطوير الاقتصاد الوطني و تنويع مداخيل البلاد على غرار الصناعات الغذائية، ومن ذلك الدعم الخاص الذي أولته الدولة لحوالي 15 شعبة في مجال الاستثمار، سيما ما تعلق منها بالفلاحة و الزراعة، إلى جانب اتخاذ تدابير جديدة محفزة على التصدير، من بينها الإعفاءات الجبائية على المواد الأولية للسلع الموجهة للتصدير، و تبسيط إجراءات التصريح والحد من الإجراءات البيروقراطية السابقة المقيدة لعملية التصدير. و يرى صناعيون أن هذه الإجراءات و التسهيلات تبقى غير كافية، في حال عدم ضبط استراتيجية وطنية و إعداد قاعدة بيانات للمنتوج الوطني الذي يشكل أهم مصدر للصناعات التحويلية و الغذائية، مشيرين إلى أن أهم المشاكل المطروحة تتمثل في انعدام الثقة بين المنتج و المصنع بالنظر إلى الاختلالات التي تسود سوق الإنتاج و العشوائية في تسيير مخزون المواد الأولية و عدم استقرارها طوال أشهر العام، ما يضع المصنعين أمام حتمية استيراد المادة الأولية بأسعار باهظة على الرغم من إمكانية توفيرها محليا، و هو ما يقلل من حظوظ المنافسة في السوق الدولية. مطاحن بن حمادي للصناعات الغذائية و العجائن تحديد حصص القمح يخنق المستثمر و يُقيد طموح التوسع أكد مراد بن حمادي نائب المدير العام لمطاحن «جربيور» و سلسلة مصانع العجائن التابعة لمجمع بن حمادي، على توجه المؤسسة إلى الاستثمار و الاستفادة من آخر التقنيات والابتكارات و التكنولوجيات الحديثة في إقامة المصانع و تسييرها، لتعزيز انفتاحها على السوق الخارجية، مبرزا جملة من التحديات لتجاوز العوائق و العراقيل التي تحد من عزيمة المستثمر في مجال الصناعات الغذائية، خاصة ما تعلق منها بتحديد حصة القمح المدعم و المنظومة المصرفية التي تعيق عمليات التصدير بالنظر إلى عدم استقرار أسعار العملات الأجنبية في البورصة و انعكاسها على عمليات التصدير. و يكشف على أنه و بالرغم من العوائق و العراقيل، إلا أن المؤسسة تنظر بنظرة استشرافية و مستقبلية لتدعيم تواجدها على المستوى الوطني و القاري و حتى العالمي، من خلال مشاركتها في كبرى المعارض العالمية للتعريف بمنتوجها، و الشروع في عمليات التصدير لدول إفريقية و بلجيكا، بالإضافة إلى بروز مساعي لتصدير مادة «الكسكس» لدول أوربية أخرى، فضلا عن الاهتمام بالجوانب المتعلقة بالتسيير و كذا مواكبة التطور الحاصل في التكنولوجيا و تجديد الماكنات، حيث افتتح المجمع مؤخرا مصنعا جديدا للعجائن الطويلة و القصيرة و خط إنتاج خاص بالكسكس بمنطقة لشبور بجوار الطريق الوطني رقم 05 في جزئه الرابط بين بلديتي البرج و اليشير، تم التركيز فيه حسبما اطلعنا عليه على المكننة و التكنولوجيا الحديثة في تسيير مثل هذه المصانع، أين أزاحت الماكنات الحاجة إلى اليد العاملة المؤهلة عبر جميع مراحل التصنيع وصولا إلى التعليب و التغليف، فيما يقتصر دور العمال على مراقبة المنتوج النهائي و تسيير المصنع من غرفة التحكم المزودة بأجهزة الكترونية. و يراهن مسيرو المصنع الجديد «اكسترا» الذي يضاف لمطاحن «جربيور» المختصة في السميد و القمح و مصنع «جيبات» للعجائن، على النوعية الجيدة للمنتوج التي يمكن تصديرها بسهولة و تسويقها محليا، بالإضافة إلى توفير بدائل متنوعة للعجائن للمستهلكين حسب القدرة الشرائية، حيث تقوم المجموعة باعتماد أسعار مختلفة حسب النوعية، للوصول إلى أغلب الفئات . و أكد نائب المدير العام، أن المجمع باستطاعته أن يوفر منتوجا يكفي لتلبية الطلب المتزايد على مادة السميد و المواد الأخرى، لكن تحديد كميات القمح المدعم لم يساير الاستثمارات الضخمة للمؤسسة و قلص من حجم الانتاج إلى أقل من الثلث مقارنة بطاقة الانتاج الاجمالية لسلسة المصانع التابعة للمجمع، و جعل المؤسسة تواجه عجزا في تلبية احتياجات السوق، ما يدفع بالمستهلك الى شراء أنواع أخرى من السميد بنوعية أقل جودة بنفس السعر، بعد نفاد كميات السميد من النوعية الممتازة التي ينتزع منها حوالي 35 بالمائة من الشوائب و مادة النخالة في القنطار الواحد من القمح، مشيرا إلى أنه من غير المعقول أن تتساوى حصص القمح الممنوحة للمصانع التي تعمل على تحسين النوعية و فتح آفاق الاستثمار و التصدير مع مطاحن تكتفي برحي الكميات الممنوحة لها و تدويرها في السوق المحلية. و يضيف أن المجمع بإمكانه تلبية حاجيات السوق المحلية لكنه مقيد بحصة الشركة من القمح التي تعد جد ضئيلة مقارنة بالطلب، مشيرا إلى أن الاجتهاد في إنتاج النوعية الممتازة، عاد على المؤسسة في جانب ما بالسلب كون أن الكميات المسوقة تعرف نفادا في الأسواق بسرعة، ما «جعل البعض يتهمنا بالاحتكار و توجيه تركيزنا إلى صناعة العجائن و هذا غير صحيح، نحن نبحث عن تدعيم حصتنا من القمح و سنعمل حينها على تغطية السوق الوطنية و الاستجابة للطلب على السميد و الفرينة و العجائن عبر جميع ولايات الوطن» مشيرا إلى إمكانية استيراد المجمع للقمح بمفرده دون دعم، لكن هذا الخيار يفرض زيادة في التسعيرة و تقليل هامش الربح، خاصة و أن مادة السميد تخضع لتسقيف الأسعار، ما يمثل عائقا في طريق تطوير استثمارات المؤسسة و مسايرتها لمتطلبات السوق و المستهلكين. و لتجاوز هذا الإشكال توجهت المؤسسة إلى تنويع منتجاتها، من خلال إنشاء سلسلة منتجات جديدة للعجائن تحمل علامة «اكسترا» لتدعيم حصصها في السوق، باستعمال مادة سميد من النوعية الممتازة، ما يحتم اعتماد تسعيرة مرتفعة مقارنة بمنتوج مصنع «جيبات» التابع لنفس المجمع الذي يوفر منتوجات بنوعية عادية و بأسعار منخفضة تتماشى و القدرة الشرائية للمواطنين. كما كشف على التفكير في تشكيل سلسلة متكاملة من خلال الدخول في استثمارات لزراعة القمح، حيث تنوي المؤسسة اقامة استثمارات زراعية و فلاحية على مساحة قدرها ألفي هكتار، لتوفير المادة الأولية من القمح، و الاستثمار أيضا في معدات تحسين النوعية، في إطار الآفاق المستقبلية للانفتاح على السوق الخارجية، رغم تأكيده على أن قيمة الارباح في السوق الوطنية أكبر بكثير من السوق الخارجية، لكن طموح المؤسسة في تطوير استثماراتها و المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني و ترقية الصادرات خارج قطاع المحروقات، يفرض الانفتاح على السوق الخارجية و من ذلك تصدير كميات من منتوج « اكسترا» لبلجيكا و التوجه مستقبلا لتصدير المنتوج نحو فرنسا بحثا عن أسواق جديدة، خاصة ما تعلق بمادة «الكسكس» المطلوبة بكثرة مقارنة بالعجائن الطويلة و القصيرة التي تتطلب منافسة قوية في السوق الأوروبية التي لديها تقاليد عريقة في تصنيع هذا النوع من المنتوجات، ما يلزم منافسة في النوعية بأوربا، و منافسة أيضا في التسعيرة بالسوق الإفريقية لأن اهتمام المستوردين هناك ينصب على السعر، مشيرا إلى أن المنظومة المصرفية المعتمدة و تقلبات البورصة العالمية تضعان المستثمر في حيرة، لعدم استقرار قيمة العملات الأجنبية مقارنة بالدينار و عدم تسقيفها بالنسبة للمصدرين ما يجعل المستثمر يتحمل تبعات الخسارة و الربح حسب البورصة، و هو ما يدفع بالكثيرين إلى تجنب المغامرة و الاكتفاء بالسوق الوطنية لأنها مضمونة الأرباح، خلافا لدول أخرى تشجع مستثمريها على التصدير من خلال الاعتماد على تسقيف و تحديد سعر موحد لصرف العملات الأجنبية، الأمر الذي يجعل عملية التصدير مدروسة و هامش الفائدة معلوم، و يجنب المصدرين حسابات الربح و الخسارة و المغامرة بتسويق المنتوج نحو الخارج. مالك مجمع «بليح» للبسكويت الحل في اعتماد طريقة التصدير التركية والصينية أكد مالك مجمع «بليح» للبسكويت و الصناعات الغذائية، على أن التسهيلات المعتمدة من قبل الحكومة في الجباية و الجمركة، تبقى غير كافية لتحقيق هدف تنويع الصادرات خارج قطاع المحروقات، في حال استمرار سوق الصرف على ما هي عليه، و الاستمرار في السياسة الحالية التي تضع المصدر بحسبه في موقع المغامر، في ظل تعقيدات صرف العملة الأجنبية و عدم توحيدها للمتعاملين الاقتصاديين و المصدرين، مشيرا إلى أن مؤسسته صدرت منتوجها لدول افريقية لمدة 05 سنوات كاملة، لكنها عانت من تراجع هامش الأرباح إلى أدنى مستوياتها مع الارتفاع المسجل في أسعار المواد الأولية في السوق الدولية و انخفاض قيمة الدينار و عدم استقرار العملات الأجنبية في البورصة. و أشار ابراهيم ميسور إلى أن هذه الاختلالات دفعته كمالك للشركة إلى اللجوء لخيار وقف التصدير، بعدما أصبحت الأرباح لا تفوق قيمة 50 ألف دينار في الحاوية الواحدة، و الإكتفاء بالسوق الوطنية، من خلال تسويق منتوج الشركة من البسكويت و الحلويات عبر أغلب ولايات الوطن بما فيها الولايات الصحراوية و تغطيتها حوالي 70 بالمائة من التراب الوطني. و في جولة قادتنا للمؤسسة المتواجد مقرها بالمنطقة الصناعية بولاية برج بوعريريج، اطلعنا على مختلف مراحل التصنيع، و خطوط الإنتاج بهذه المؤسسة التي أنشئت سنة 2003 بعدد عمال قارب 50 عاملا، و تطورت بمرور الوقت إلى أن بلغ عدد عمالها 120 عاملا، يشتغلون بنظام الدوام، حيث توجهت منذ سنة 2005 إلى التصدير نحو عدد من الدول الافريقية منها السنغال، ليبيا، مالي و النيجر لمدة 05 سنوات، إلى غاية سنة 2010 أين شهدت أسعار المواد الأولية بحسبه ارتفاعا كبيرا في السوق الدولية ما حتم على المؤسسة وقف عمليات التصدير لتراجع الفوائد و عدم قدرتها على مسايرة تنافسية الأسعار في السوق كون أغلب المواد الأولية المستعملة في صنع الحلويات و الشكولاطة و البسكويت يتم استيرادها من دول أجنبية و غير متوفرة على المستوى الوطني. و أكد مالك المصنع على أن الحكومة فرضت جملة من التسهيلات الجبائية و الجمركية و شجعت التصدير، لكنها أهملت جانبا مهما من مقترحات المستثمرين و المصدرين، خاصة ما تعلق منها بالمنظومة المصرفية التي لم تساير التسهيلات الأخرى، مشيرا إلى التوجه بمقترح لإعتماد طريقة التصدير «التركية و الصينية» و التي تمنح تسهيلات للمصدرين في صرف العملة، و بقاء سعرها موحدا، و غير داخل في البورصة سواء ترتفع العملة المحلية أو تنخفض، ما يمنح للمستثمر قدرة على التحكم في تحديد المبيعات و نسب الفوائد و قدرة على المنافسة في السوق الدولية انطلاقا من الدراسة الدقيقة للسوق التي تبتعد عن تأرجح قيمة الدينار و العملات الأجنبية و حسابات الربح و الخسارة، مشيرا إلى أن أغلب عمليات التصدير كانت تتم بالأورو و يتطلب الحصول على المستحقات و تسوية الإجراءات الجبائية و الجمركية و عمليات صرف العملة مدة تزيد عن الشهرين أو الثلاثة، حيث عادة ما تحدث هزات في أسعار العملة في البورصة و هو ما يكبد المصدرين و المستثمرين خسائر كبيرة . و زيادة على هذا كشف مالك المؤسسة عن وجود عراقيل بيروقراطية و نقص في اليد العاملة المؤهلة، و ندرة في المادة الأولية في الجزائر مثل البيكربونات و الكاكاو الذي يتم استيراده من كوت ديفوار و الشيكولاطة و حتى السكر و الزبدة الصناعية التي تستورد من ماليزيا، في ظل نقص المنتوج المحلي و عدم جودة نوعية ما هو متوفر، مشيرا إلى وجود عجز أيضا في مادة الفرينة ما يتطلب استيراد كميات منها. و أما عن امكانية تطوير مصنعه إلى الأفضل و تجديد عتاده، أكد على أنه بقي ينتظر لأزيد من عشر سنوات لإقامة مصنع جديد بالمنطقة الصناعية مشتة فطيمة، غير أن العراقيل البيروقراطية و تأخر انجاز عمليات التهيئة و إعادة النظر في المخطط، جعله يتريث خصوصا و أنه يعتمد على أمواله الخاصة لتمويل المشروع دون اللجوء إلى القروض البنكية. نصير بشامي صاحب أقدم مصنع "للكاشير" بالبرج تركيزنا على النوعية أفقدنا القدرة على المنافسة أشار نصير بشامي صاحب أقدم مصنع للكاشير و الصناعة التحويلية للحوم المعروف بعلامة «الديك الذهبي»، أن المؤسسة تعتمد في عمليات التسويق على السوق المحلية، منذ سنوات بالنظر إلى المنافسة غير المتكافئة و ميول غالبية المستهلكين إلى شراء المنتوج أقل ثمنا وفقا لحسابات القدرة الشرائية، فيما يهمل الجانب المتعلق بالنوعية الجيدة للمنتوج التي تتطلب اعتماد تسعيرة مرتفعة مقارنة بالنوعية العادية . و أكد على أنه بقي وفيا لحرفته و نشاطه، مند نهاية سنوات الثمانينات، ما جعله يركز على جودة المنتوج على حساب المنافسة بالتسعيرة، حفاظا على سمعة المؤسسة و تقاليدها في الصناعة التحويلية للحوم البيضاء، و هو ما أثر بشكل كبير على عمليات التسويق، خاصة خلال السنوات الأخيرة، التي ظهرت فيها مؤسسات صناعية باستثمارات ضخمة سيطرت على السوق الوطنية، رغم الفارق في النوعية. و خلال زيارتنا للورشة المخصصة لعملية التصنيع الواقعة في الطابق الأرضي لمنزله بحي سكني بمدينة البرج، أطلعنا على جميع مراحل صناعة «الكاشير» و « الباتي»، أين لا تزال عملية التصنيع تعتمد على الطرق التقليدية، رغم تواجد منتجات المؤسسة في السوق المحلية على مدار ثلاثة عقود كاملة، غير أن عمليات التسويق لازالت مقتصرة على المتاجر المتواجدة بولاية البرج، دون توسيعها إلى السوق الوطنية، ما دفعنا إلى التساؤل عن سر هذا التقوقع في السوق المحلية من جهة، و عدم التفكير في تطوير المؤسسة التي لها تقاليد عريقة في صناعة «الكاشير». و في رده على هذه التساؤلات أكد مالك المصنع، على أنه بادر منذ سنوات لإقامة مشروع استثماري ضخم، بالمنطقة الصناعية مشتة فطيمة، لكنه اصطدم بجملة من العراقيل ، فضلا عن تأخر التهيئة و بروز مستجدات خلال العامين الفارطين، باقتطاع نصف المساحة المخصصة لمشروعه (2500 متر مربع) و منحها لمستثمر آخر، ما جعله يفقد الأمل بعد المراسلات و الشكاوى المتكررة، و يفكر في التوجه للاستثمار بإحدى ولايات الغرب الجزائري . و أكد على أن ولاية البرج تتوفر على ثروة حيوانية و نباتية هائلة، يمكن استغلالها في الصناعات الغذائية و التحويلية، خاصة فيما يتعلق بمنتوج اللحوم البيضاء و الحمراء و كذا مادة الحليب، لكن يبقى المشكل المطروح في سوء التوزيع. رئيس غرفة الصناعة و التجارة بالبرج التصدير يجب أن يصبح ثقافة لدى المستثمر يرى رئيس غرفة الصناعة و التجارة بولاية برج بوعريريج، بلوهري راجح أن بلوغ الأهداف المسطرة من قبل الحكومة لتطوير قطاع الصناعات الغذائية و تنويع المنتوج، و الانفتاح على السوق الخارجية، يحتاج إلى تكامل ومتانة قوية بين أعضاء السلسلة للوصول إلى صناعة تكاملية مبنية على الثقة بين الفلاح المنتج و المصنع و التاجر، و تغيير في عقلية المصنع الجزائري الذي يغفل دور الدراسات التسويقية و يهمل الجوانب المتعلقة بالمشاركة في كبرى المعارض الوطنية و الدولية للاحتكاك بكبار المصنعين و المستثمرين و تبادل الخبرات لتحسين المنتوج و نوعية التعليب و التغليف التي تلعب دورا في عمليات التسويق. و يضيف أنه و لتحقيق مسعى بناء استراتيجية متكاملة في الصناعات التحويلية و الغذائية، لا بد من تثمين دور المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و المستثمرات الفلاحية و جعلها أهم مورد للمواد الأولية التي توجه للتصنيع، و تدارك النقائص من خلال انشاء خارطة طريق و تكوين قاعدة معلومات لعدد المزارعين و الفلاحين و مجالات تخصصهم و الكميات المنتجة على مدار العام لبناء استراتيجية صناعية متينة بين المؤسسات المصغرة و كبرى المصانع لضمان وفرة المنتوج بشكل دائم، و تمكين المؤسسات الصناعية الكبرى من المادة الأولية لدفعها إلى مضاعفة الإنتاج و تحسين نوعيته و التخلص بشكل تدريجي من الاستيراد، مؤكدا على ضرورة التخلص من الطرق التقليدية التي عادة ما تفرز اختلالات في السوق، ما يؤثر على سلسلة الانتاج و التصنيع و يشكل عبئا ثقيلا للمصنعين و المستثمرين في حال ندرة المادة الأولية و عدم القدرة على توفيرها بشكل دائم، خصوصا و أن أغلب المزارعين و الفلاحين يعتمدون على النشاطات الموسمية في ظل التبعية المناخية و تقلص المساحات الزراعية المسقية بفعل الجفاف،ما يفرض اختلالا وعدم التوازن في السوق الوطنية، ففي بعض الأحيان يكون الإنتاج قياسي و أحيانا أخرى تسجل ندرة في المنتوج على غرار الثوم الذي بلغ سعر الكيلوغرام الواحد منه سقف 1500 دينار، خلال الأشهر الفارطة، ناهيك عن المواد التي تدخل في عمليات التصنيع على غرار الطماطم و البطاطا و الزيتون و اللحوم بجميع أنواعها و الحبوب والقمح بشكل خاص، مضيفا أن القطاع يعاني من أزمة ثقة في الأول و أزمة انعدام قاعدة بيانات، ما دفع ببعض المستثمرين إلى تفضيل الاستثمار بالولايات الصحراوية للحصول على أراض بمئات الهكتارات بغية بناء صناعة تكاملية، لكن هذا النوع من المستثمرات سيقضي بحسبه على المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و يغفل دورها المحلي في توفير مناصب الشغل و خلق ديناميكية اقتصادية تشمل جميع المناطق و حتى الأرياف التي يعاني قاطنوها من البطالة. كما أشار إلى محدودية التسيير في بعض القطاعات، مستدلا بتوفر ولاية البرج و منطقة الهضاب العليا على ثروات هائلة، لكنها بقيت مهملة و بدون استغلال، في وقت يتم الاكتفاء بتلبية الاحتياجات بصفة تقليدية لم تواكب الطموح لتطوير القطاع، مشيرا إلى انتعاش نشاط تجميع الحليب بأغلب مناطق الولاية و بمنطقة رأس الوادي على وجه الخصوص، حيث أصبحت منطقة تجميع و خزان على المستوى الوطني بكميات تصل 23 مليون لتر سنويا، لكن هذه الكميات يوجه أغلبها إلى الملبنات و مصانع مشتقات الحليب بالولايات المجاورة. كما أن تطور نشاطات أخرى-مثلما أضاف- على غرار تربية الدواجن و دجاج البيض و توفير اللحوم الحمراء و البيضاء يعتبر دافعا لتشجيع ودفع الصناعات التحويلية، لكن العشوائية المعتمدة في الأسعار و انعدام الحماية للفلاحين من تقلبات السوق، جعلتهم يعمدون إلى المزاجية في العمل و انتهاز الفرص لضمان بيع المنتوج بأسعار مرتفعة، في حين يتجنبون الفترات المعروفة بتراجع الأسعار ما يفرض ندرة في بعض الفترات، مشيرا إلى تقدم أحد المستثمرين بمقترح لإقامة مشروع ضخم على المستوى الوطني بالولاية و سلسلة من المصانع لتحويل اللحوم بجميع أنواعها، لكنه تراجع في الأخير عن تجسيد مشروعه الاستثماري، بعد اصطدامه بصعوبات في تجميع المنتوج، فعلى الرغم من توفر الكميات الكافية من المنتوج السنوي للحوم لكنها متفرعة و موزعة على مجموعة من الفلاحين، كما أنها غير متوفرة بشكل دائم بل في فترات موسمية . و أكد رئيس غرفة الصناعة و التجارة بولاية البرج، على وجود مجهود من قبل بعض الصناعيين لتحسين جودة المنتوج و نوعيته، لكنهم يعانون من نقص الترويج لنقص المعارض، في وقت يرى أن دور المعارض جد ايجابي و يعد كمحفز للصناعيين لتطوير مؤسساتهم، كما أنه يزيد من المنافسة بين الصناعيين . و اعتبر أن جهود الحكومة لتشجيع القطاع و تنويع الصادرات خارج قطاع المحروقات، يحتاج أيضا إلى مسايرة من قبل الصناعيين و تكوين استراتيجية بعيدة المدى لفرض منتوجاتهم في الأسواق العالمية، و من ذلك المنافسة على الأسعار، و عدم الاكتفاء بدور الضحية في حسابات الربح و الخسارة، لأن الصناعات الغذائية تحتاج إلى نفس طويل و استثمارات ضخمة لافتكاك مكانة في السوق الدولية، مشيرا إلى وجود منتجات غير قابلة للتصدير كونها ذات نوعية عادية و في ظل غياب ثقافة التسويق، وإهمال أهم الركائز لنجاح المؤسسة الجزائرية في الأسواق الدولية، المتمثل في حتمية التأطير الاداري بالكفاءات و القيام بدراسات تسويقية تضمن العمل في ظل المنافسة الشرسة وإعداد استراتيجيات تسويقية لتحقيق أهداف المؤسسة وإرضاء المستهلكين محليا و دوليا، و من ذلك الاهتمام أيضا بالشكل النهائي للمنتوج و جودته. و أضاف أن الاجراءات المطبقة من قبل الحكومة مشجعة على الاستثمار و التصدير و من ذلك الحملات التوعوية و التدابير و التسهيلات المعتمدة من خلال تقريب المؤسسات المينائية على غرار الميناء الجاف المنجز ببلدية تكستار بالبرج و تخفيض السعر اللوجيستيكي بالموانئ، لكن يبقى التصدير بحسبه لا يحتكم إلى الرغبة فقط، بل هو ثقافة لدى المستثمر و الصناعي.