عرف النصف الأول من بطولة الرابطة المحترفة الأولى تتويج فريق شباب قسنطينة عن جدارة و استحقاق باللقب الشتوي، بالنظر إلى المشوار المميّز الذي قطعه السنافر، الذين أحكموا سيطرتهم المطلقة على مشعل القيادة، من دون التنازل عنه، مع توسيع هامش المناورة إلى أزيد من نقاط لقائين في بعض الجولات، لكن التراجع في آخر محطتين حرم الشباب من بعض النقاط التي كانت في المتناول، لينهي مرحلة الذهاب على بعد 4 خطوات من أقرب المنافسين، و في ثوب أكبر المرشحين للتتويج باللقب في نهاية الموسم. تحليق "النسر الأسود" القسنطيني عاليا، و تغريده خارج السرب كان من أكبر المفاجآت التي ساهمت بشكل مباشر في تغيير معالم الخارطة الكروية الوطنية، منذ دخول عهد الاحتراف، لأن الشباب لم يكن متعودا على لعب ورقة اللقب، و حتى تواجده على البوديوم في سابق المواسم لم يكن سوى في جولات قليلة، إلا أن السنافر فرضوا إيقاعهم هذا الموسم، بعدما استهلوا المشوار بفوز عريض على حساب "النهد"، ثم جاءت الهزيمة في تاجنانت أمام "الدياربيتي" لتدخل مجددا الشك بخصوص قدرة كتيبة المدرب عمراني على الظروف كطرف بارز، لتشرع بعدها "الخضورة" في حصد سلسلة من النتائج الإيجابية، على وقع سلسلة من الانتصارات المتتالية، من دون تذوق مرارة الهزيمة على مدار 12 مباراة متتالية، مما سمح لهم بحصد 31 نقطة، وهو الرصيد الذي لا يقل سوى ب 8 نقاط عن إجمالي ما جمعه الفريق القسنطيني طيلة الموسم الماضي، لما كان معنيا بحسابات السقوط إلى الدرجة الثانية، و حافظ على مقعده في آخر محطة، و لو أن الشباب أنهى مرحلة الذهاب بهزيمة على يد نادي بارادو، لم تنقص الكثير من قيمة إنجازه. تتويج السنافر باللقب الشتوي فاجأ الكثير من المتتبعين، لأن معطيات البطولة في سابق المواسم كانت تحصر الصراع على التاج بين أندية مصنفة في خانة "الكبار" في صورة وفاق سطيف، اتحاد الجزائر، مادامت ألقاب عهد الاحتراف لم تخرج من هذه الحلقة باستثناء تجربة الموسم الأول، و التي صنعت فيها جمعية الشلف الاستثناء، لكن شباب قسنطينة أثبت علو كعبه هذا الموسم بفضل سلسلة النتائج الإيجابية التي سجلها، سيما الانتصارات الثلاثة التي أحرزها خارج الديار، و التي كانت كافية لنيله تقدير و احترام جميع المتتبعين، خاصة ببروز هداف يقلب في كل مرة الموازين، و يتعلق الأمر بالمهاجم عبيد، الذي كان نجم مرحلة الذهاب دون منازع. تألق شباب قسنطينة مكنه من سرقة الأضواء من باقي المنافسين، و جعل حلم ترصيع السجل بلقب ثان، يضاف إلى ذلك المحرز قبل عشريتين من الزمن، لكن ذلك لم يحجب الرؤية عن شبيبة الساورة التي ظهرت بقوة في النصف الأول من البطولة، و التواجد في مركز الوصافة كان ثمرة عمل جدي ينجز على مستوى حامل راية الجنوب في حظيرة الكبار، و هذا البروز ليس مفاجئا، على اعتبار أن "نسور بشار" متعودة على التموقع في مراكز متقدمة، و الدليل على ذلك مشاركتها في دوري أبطال افريقيا الموسم المنصرم بعد انهائها البطولة في الصف الثاني، و الشبيبة خسرت نقطتين ثمينتين لتقليص الفارق في آخر جولة، بتعادلها لأول مرة داخل الديار. بالموازاة مع ذلك فإن حامل اللقب وفاق سطيف ظل وفيا لعادته، لأن رحلة الدفاع عن تاجه لا تكون دوما مسايرة لريتم البطل، رغم أن "نسور الهضاب" تتموقع في الصف الرابع، على بعد 7 خطوات من شباب قسنطينة، إلا أن المشاكل الداخلية التي تهز بيت الوفاق تبقى بمثابة مؤشرات أولية على تضييعه التاج، سيما و أن هذه الأزمة عجلت برحيل المدرب مضوي، في سيناريو لا يختلف كثيرا عن ذلك الذي حصل قبل موسمين. على صعيد آخر فإن اتحاد العاصمة لم يتمكن من فرض ريتمه المعتاد، لكن انتفاضته في لقاءات تسوية الرزنامة سمحت له بتدارك ما ضاع في بداية المشوار، فقفز إلى المرتبة الثالثة، مع التأخر عن قائد القافلة ب 5 نقاط، و لو أن هزيمة "سوسطارة" داخل القواعد أمام "السي. آس. سي" كانت المنعرج الذي جعل أنصار الاتحاد يفقدون الأمل في القدرة على التتويج بلقب البطولة في نهاية الموسم، و هو نفس الانطباع الذي ينطبق على الجارة مولودية العاصمة، التي يبقى فارق 8 نقاط يفصلها عن بطل الشتاء. من الجهة المقابلة فإن النصف الأول من البطولة كرس معاناة بعض النوادي، على غرار اتحاد الحراش، الذي يبقى يتخبط في دوامة مشاكله الإدارية، و كذا الصاعدين الجديدين اتحاد البليدة و اتحاد بسكرة، خاصة أبناء مدينة "الورود" الذين أثبتوا عجزهم الكلي عن التأقلم مع أجواء بطولة "الكبار"، بدليل احتكارهم الصف الأخير منذ انطلاق الموسم، إلى درجة أنهم وضعوا القدم الأولى في الرابطة الثانية قبل إجراء مرحلة الإياب، و كأن مصعد البليدة يبقى شغالا بنفس السرعة بين القسمين الأول و الثاني، مادام الاتحاد يعجز في كل مرة عن المحافظة على مقعده في الرابطة الأولى بمجرد صعوده، فيكون السقوط الفوري مصيره الحتمي في الموسم الموالي. و لئن كان اتحاد بسكرة قد فشل في الخروج من منطقة الخطر، بسبب عدم القدرة على مسايرة الريتم، فإن دفاع تاجنانت سار بإيقاع لم يختلف كثيرا عن ذلك الذي نجا به في السقوط الموسم الفارط، بينما تقهقر أولمبي المدية كثيرا بالمقارنة مع مرحلة الذهاب للموسم الماضي، لأن تشكيلة "التيطري" تتواجد على مشارف ترويكا النزول، و السنة المنصرمة أنهت النصف الأول ضمن الأربعة الأوائل، قبل أن تجانب السقوط في آخر الجولات. و في سياق متصل فقد سرق شباب بلوزداد الأضواء على طريقته الخاصة، لأن حامل الكأس استهل المشوار بريتم جنوني، و أحرز 3 انتصارات متتالية، لكن هذه السلسلة تجمدت عند ذلك الرقم إلى غاية انتهاء مرحلة الذهاب، و أبناء "العقيبة" حطموا الرقم القياسي في التعادلات، من دون تذوق طعم الفوز على مدار 12 جولة متتالية، في الوقت الذي ظلت فيه أندية شبيبة القبائل، مولودية وهران و اتحاد بلعباس وفية لتقاليدها، و كذلك الحال بالنسبة للعائد إلى حضيرة الكبار نادي بارادو، الذي يتموقع في وسط الترتيب. صالح فرطاس عبيد اكتشاف الموسم بأهداف من الطراز العالي خطف مهاجم شباب قسنطينة محمد أمين عبيد الأضواء في النصف الأول من البطولة، و كان اكتشاف الموسم دون منازع، بعد تألقه اللافت مع السنافر بفضل الأهداف الحاسمة التي سجلها، خاصة منها هدفه الثاني في مرمى شبيبة القبائل، و الذي يبقى من أجمل ما شهدته مباريات هذا الموسم. تألق عبيد مكنه من تصدر لائحة هدافي البطولة برصيد 11 هدفا، منها 3 ثنائيات، و لو أن صيامه عن هز الشباك في آخر جولتين جعله على وقع مطاردة لصيقة من مهاجم اتحاد العاصمة أسامة درفلو، الذي يتواجد في مركز الوصافة برصيد 10 أهداف، بينما تدحرج هداف شبيبة الساورة مصطفى جاليت إلى المرتبة الثالثة في اللائحة بمجموع 8 أهداف، بعد عجزه عن التسجيل في آخر لقائين. بالموازاة مع ذلك فإن هداف الموسم الماضي أحمد قاسمي يبقى غائبا عن القائمة هذا الموسم، بعد تراجع حسه التهديفي بشكل كبير، و هو الذي انتزع اللقب الموسم الفارط بمجموع 14 هدفا، ثمانية منها كانت من ضربات جزاء، و هو الرقم الذي من الممكن جدا أن يتجاوزه الهداف الحالي عبيد، بالنظر إلى الفعالية الكبيرة التي ظهر بها، سيما و أنه لا يتأخر برصيده الحالي سوى ب 3 أهداف عن حصيلة هداف الموسم المنصرم. ما قيل عن قاسمي ينطبق حرفيا على مهاجم شباب بلوزداد أمين حامية، الذي كان من اكتشافات الموسم الماضي، و أنهى موسمه في مركز الوصافة في لائحة الهدافين بمجموع 13 هدفا، لكن نجم حامية أفل هذا الموسم، و كان بمثابة المرآة العاكسة لتراجع فريقه. إلى ذلك فإن أغلب المهاجمين الذين برزوا الموسم الماضي لم يظهروا بنفس المستوى في النصف الأول من الموسم الجاري، كما هو الحال بالنسبة لسفيان بالغ الذي يبقى غائبا عن هجوم مولودية الجزائر، و كذا مراد بن عياد الذي كان من الأوراق التي راهن عليها وفاق سطيف، لكنه لم يبرز بمستواه الذي كان عليه في غليزان، إضافة إلى الثنائي السطايفي جحنيط و ناجي، لأن هذا الرباعي كان في مراكز متقدمة في لائحة هدافي الموسم الماضي. على صعيد آخر فإن ميزة مرحلة الذهاب لهذا الموسم كانت تسجيل مصطفى جاليت هاتريك في مرمى دفاع تاجنانت في الجولة التاسعة، و كذا مهاجم شبيبة القبائل عادل جعبوط لنفس الحصة (ثلاثية) في شباك مولودية وهران في الجولة 15. ص / فرطاس أرقام من مرحلة الذهاب جرت إلى حد الآن 120 مباراة من البطولة، و عرفت تسجيل 250 هدفا، بمعدل 2,08 هدفا في كل مقابلة، و هو المعدل الذي لا يختلف كثيرا عن ذلك الذي تم تحقيقه الموسم الفارط. انتهت 57 مباراة بفوز الفرق المحلية، مقابل نجاح الزوار في العودة بانتصارات في 19 مناسبة، بينما كان التعادل في 44 لقاء. يتقاسم شباب قسنطينة و اتحاد العاصمة صدارة ترتيب أقوى هجوم، بعد نجاح كل فريق في تسجيل 22 هدفا، مع تواجد شبيبة الساورة في الصف الثالث بمجموع 20 هدفا، بينما يبقى اتحاد بسكرة أضعف خط هجوم، لأن مهاجميه لم يوقعوا سوى 10 أهداف. يحتكر نصر حسين دفاع صدارة أقوى دفاع، على اعتبار أن شباكه لم تهتز سوى 11 مرة، رغم تدشين الموسم بثلاثية في قسنطينة، و تأتي مولودية العاصمة في الصف الثانية ب 12 إصابة في مرماها، ثم مولودية وهران، ليتقاسم ثلاثي المقدمة في الترتيب العام شباب قسنطينة، اتحاد الجزائر و شبيبة الساورة المركز الرابع من حيث الدفاع بتلقي 14 هدفا. أضعف دفاع في البطولة يبقى اتحاد البليدة، الذي اهتزت شباكه 26 مرة، و الملفت للانتباه أن فريق مدينة «الورود» تلقى أهدافا في كل المباريات التي لعبها، باستثناء لقاء وحيد ضد وفاق سطيف في الجولة 11. أحرز اتحاد العاصمة 12 نقطة خارج الديار، متقدما بنقطة وحيدة عن شباب قسنطينة من حيث الحصاد في السفريات، و لو أن القاسم المشترك بين هذا الثنائي هو تحقيق 3 انتصارات بعيدا عن القواعد، بينما لم ينجح اتحاد البليدة في العودة سوى بنقطتين من تنقلاته، مع فشله في تذوق نشوة الانتصار خارج الديار، حاله حال كل من أولمبي المدية و دفاع تاجنانت. أقوى فريق داخل الديار يبقى دون منازع شبيبة الساورة، الذي أحرز 22 نقطة في 8 مباريات، و لم يتنازل سوى عن نقطتين بملعبه، ليكون أبناء بشار من بين الثلاثي الذي لم ينهزم بملعبه، رفقة كل من شباب قسنطينة و نصر حسين داي. أطول سلسلة هزائم متتالية تلقاها اتحاد البليدة الذي دشن مشواره ب 4 هزائم، و حصد أول النقاط في الجولة الخامسة بالتعادل داخل الديار مع نصر حسين داي. حقق اتحاد العاصمة أطول سلسلة انتصارات متتالية، باحتساب لقاءات تسوية الرزنامة، و ذلك بإحرازه الفوز في 5 مباريات متتالية. أطول سلسلة مباريات دون هزيمة كانت من توقيع شباب قسنطينة، الذي تفادى الخسارة على مدار 12 مقابلة متتالية، امتدت من الجولة الثانية بتاجنانت إلى غاية المحطة الأخيرة من مرحلة الذهاب، أين انهزم أمام بارادو. عجز شباب بلوزداد عن تذوق نشوة الانتصار في 12 مقابلة متتالية، و ذلك من الجولة الرابعة إلى غاية انتهاء النصف الأول من البطولة، و لو أن شبيبة القبائل لم تنتصر أيضا في آخر 8 لقاءات من مرحلة الذهاب. اضطر اتحاد الحراش إلى انتظار الجولة الثامنة لإحراز أول انتصار، و كان ذلك بمناسبة استضافة اتحاد البليدة كآخر فريق يحرز الفوز في بطولة هذا الموسم، في نسخة مطابقة للموسم الماضي. شهدت بطولة هذا الموسم تواجد 13 لاعبا من جنسيات أجنبية، رغم إعادة فتح المجال لاستقدام الاجانب، مع تسجيل تواجد 4 لاعبين من مالي، و ثنائي من الكاميرون و آخر من موريتانيا، و لو أن 6 فرق لم تراهن على ورقة اللاعبين الأجانب. جمعها: ص/ فرطاس