دخلت مؤخرا السكنات الريفية بورصة العقار بولاية أم البواقي بعرض عدد كبير منها للبيع رغم عدم اكتمال الأشغال، وهي ظاهرة تتجلى بوضوح بعدة مناطق في بلدية عين ببوش أين توجد مجمعات بأكملها معروضة للبيع وبأسعار تتراوح ما بين 180 إلى 220 مليون سنتيم. تحقيق وتصوير: أحمد ذيب يحدث هذا في وقت تحصي فيه مصالح السكن أكثر من 1330 مستفيدا من الشطر الأول للإعانات الريفية لم يقدموا ما يثبت إنجاز السكنات وهو تأخر وضع عدة بلديات في الخانة الحمراء، وفيما تتقاذف مختلف الجهات المسؤولية يتزايد عدد المتاجرين بالسكن بمختلف أنماطه بالولاية وبلغ الأمر حد نشر إعلانات على فيسبوك. بالرغم من أن المستفيد من مختلف أوجه الدعم الذي تقدمه الدولة، يخضع قبل استفادته للبطاقية الوطنية للسكن، سعيا وراء توجيه هذا الدعم لمستحقيه الحقيقيين، إلا أن تحايل الكثيرين أدى لتحويل هذا الدعم في بعض المناطق عبر ولاية أم البواقي، لغير مستحقيه، وبالرغم كذلك من استفادة طالبي السكن الريفي من الإعانة المالية نقدا مع استفادتهم من مزايا بنكية مختلفة، إلا أن كثيرين فضلوا توجيه المبلغ المسحوب نقدا لغير وجهته وفضلوا اقتناء سيارات وإتمام مشاريع فلاحية متنوعة وفق ما صرح به مواطنون بعدة مناطق، وقد وقفنا خلال التحقيق على أن جل المستفيدين الذي عرضوا سكناتهم الريفية للبيع حصلوا قبل إنجازها على مبلغ 70 مليون سنتيم كإعانة من طرف الدولة، ومنحت لهم القطعة الأرضية من طرف مصالح أملاك الدولة، حيث قاموا بعرض سكناتهم غير المكتملة للبيع بأسعار تصل إلى 200 مليون سنتيم. بداية تحقيقنا في هذا الموضوع، كانت عبر بوابة إحدى المنصات المحلية على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، أين عرضت صفحة من بلدية بريش بدائرة عين البيضاء سكنا ريفيا غير مكتمل للبيع، ودون في المنشور رقم هاتف صاحبه لمن يود الاستفسار عن السعر ، وقد تنقلنا للمكان المحدد بقرية بيري ببريش على طريق سدراته، أين وجدنا بأن السكن غير المكتمل بالمجمع السكني فعلا معروض للبيع، وكشف صاحبه عند اتصالنا الهاتفي به بأن العقار وصل سعره إلى مبلغ 220 مليون سنتيم، مشيرا بأن البناء غير موصول بالماء والغاز والكهرباء، مبينا بأن "المير" وعد السكان بربط سكناتهم بالتيار الكهربائي بداية من شهر جانفي القادم، وعن طريقة الاكتتاب أشار بأن الأمر يقتصر فقط على محضر تلقي تصريحات يحرره محضر قضائي. مجمع سكني ريفي للبيع بعين ببوش تنقلنا بعد مدينة بريش لبلدية عين ببوش، أين عرض المستفيدون من السكن الريفي بحي فرحاتي حميدة المعروف ب»الفيرمة» جل سكناتهم للبيع، وبحسب المعطيات التي نحوزها فأصحاب السكنات التزموا في فترة المجلس البلدي السابق بتهديم منازلهم القديمة وإنجاز بدلا عنها سكنات ريفية، غير أن الذي حصل هو أن الموقعين على الالتزام أخلوا بهذا الالتزام ، وأنجزوا سكنات ريفية بجوار سكناتهم القديمة، وعرضوا البناءات الجديدة للبيع ، كما اتضح بأن التوسع العمراني غير المنظم لأصحاب السكنات الريفية الذي مس حتى جزءا من مساحة الوادي المار بالحي، بات يُحدث في كل مرة تتهاطل فيها الأمطار، فيضانات تغمر سكنات المخالفين من السكان. و قد تجاوز سعر السكن الواحد بالحي مبلغ 180 مليون سنتيم، حيث يضم قاعتي استقبال وغرفتين ومطبخ ومرش ودورة مياه، على أن يربط البائع بالمشتري عقد عرفي يحرر عند الكاتب العمومي، وبقرية بئر عتروس بعين ببوش كذلك، عرض مستفيدون سكنات ريفية في طور الإنجاز للبيع ، بالرغم من عدم اكتمال بعضها، حيث يقتصر الأمر في أغلب الحالات على وضع الأساسات وسقف السكن ، و المستهدف من هذه الخطوة هي الإعانة المالية و فقط ، وتتكرر هذه الحالات عبر مختلف مناطق ولاية أم البواقي، خاصة إذا تعلق الأمر بالسكنات المنجزة في إطار مجمع سكني، من مسكيانة وعين البيضاء شرقا إلى بئر الشهداء وعين مليلة وسوق نعمان غربا. الظاهرة لم تستثن السكنات الاجتماعية الجولة الميدانية التي قادتنا لمختلف المناطق بأم البواقي، بينت بأن ظاهرة البيع لم تقتصر على السكنات الريفية وكذا السكنات التساهمية فحسب، بل امتد المشهد لسكنات اجتماعية، كان من المفروض أن قاطنيها في أمس الحاجة لسكن يأويهم أكثر من غيرهم، ليتضح بعد أيام فقط من استفادتهم، بأن كثيرين لم يلجوا أصلا شققهم ، وقاموا بعرضها للكراء أو للبيع، على غرار الموقع السكني الذي يضم قرابة 700 سكن بمدخل عين ببوش، أين عرضت قبل أيام صفحة على الفايسبوك، سكنين حديثين للبيع، ويضع عديد المستفيدين من السكنات الاجتماعية بمدينة أم البواقي وغيرها من المدن سكناتهم للتأجير أو البيع، فيما بات يعرف ببيع "المفتاح" في غياب عقد ملكية أو عقد تنازل من طرف ديوان الترقية، ويطرح الأمر تساؤلات عديدة، عن التحقيقات التي تقوم بها لجان السكن بمختلف الدوائر وعن الكيفية التي تجعل سكنات اجتماعية تذهب لغير مستحقيها. 1330 مستفيدا من الشطر المالي الأول لم يتموا سكناتهم تشير أرقام رسمية تحصلت عليها النصر، إلى أن 1330 مستفيدا من الشطر الأول لإنجاز سكنات ريفية المقدر ب40 مليون سنتيم لم يتقدموا لسحب الشطر الثاني والأخير المقدر ب30 مليون سنتيم، ولم يقدموا ما يثبت توجيه الإعانة التي سحبوها نقدا لإنجاز سكناتهم الريفية، ولم يتضح في السياق ذاته مصير سكناتهم في غياب رقابة ميدانية تلزم المستفيدين بتوجيه المبالغ المالية لوضع الأساسات وتسقيف السكن وغيرها من المراحل. واضطر هذا التأخر في إنجاز السكنات الريفية، مصالح مديرية السكن لوضع عديد البلديات في الخانة الحمراء، لعدم قدرة المجالس المنتخبة على إيجاد حلول للحصص السكنية الريفية التي توزع دون أن يتم إنجازها، تتوزع جل هذه الحالات حسب ذات المصالح على بلديات أم البواقي ب141 حالة وعين الزيتون ب120 حالة وعين فكرون ب104 حالات وعين ببوش ب88 حالة وبريش ب67 حالة وبوغرارة السعودي ب54 حالة وهنشير تومغني ب75 حالة. مديرية السكن تخلي مسؤوليتها يكشف مدير السكن بأم البواقي، بأن القوائم الاسمية للمستفيدين من السكنات الريفية تعد من طرف البلديات، ومهام المديرية تقتصر على إخضاعها للبطاقية الوطنية للسكن للتحقيق فيها، وبعدها تتم المصادقة عليها من طرف الوالي وإرسالها للصندوق الوطني للسكن من أجل إعداد مقررات الاستفادة. وأضاف بن يونس فوضيل بأن المستفيد يتحصل على الشطر المالي الأول بعد حصوله على المقررة ورخصة البناء، وبعد إتمام الهياكل الكبرى يتحصل على الشطر الثاني والأخير لتصل قيمة الإعانة الإجمالية مبلغ 70 مليون سنتيم، وأوضح محدثنا بأن هذا النوع من السكنات موجه لعالم الريف، والبلدية هي المسؤولة عن الأشخاص الذين تضعهم ضمن القوائم، مبينا بأن الأشغال من المفروض أن تنتهي في السكن، فالمستفيد من الشطر الأخير تمنح له فترة 6 أشهر لإتمام سكنه وفقا للقانون، ومصالح البلدية وشرطة العمران لهما الحق في التدخل ، أما عن السكن الاجتماعي فأضاف المتحدث بأنه من مسؤولية ديوان الترقية والتسيير العقاري، التي تطالب بحقها عند عرض السكن للبيع، فالديوان يبرم عقد إيجار مع المستفيد وليس للتمليك. اعتبر مدير فرع الصندوق الوطني للسكن بأم البواقي سمير بن عزوز، بأن بيع السكنات غير المتممة يعد مخالفة، داعيا رؤساء البلديات للحرص على ضبط القوائم وفق معايير صحيحة، على ألا يستفيد منها شخص ثم يعرضها مباشرة للبيع، وأضاف المتحدث بأن الملفات تدرس على مستوى البلديات ومن المفروض أن الأشخاص الذين يعانون أزمة سكن هم فقط من يستفيدون من هذه السكنات. "حصص سكنية وزعت عشوائيا" يكشف "مير" عين ببوش تياب لزهر بأن السكنات الريفية كانت تمنح عشوائيا ومن دون دراسة، أما في الوقت الراهن فتضبط العملية قوانين تستلزم ملكية الأرض أو حيازة صاحب الطلب على عقد الامتياز، لتمنح له شهادة الحيازة على هذا الأساس، وهي الشهادة التي تشترطها مديرية السكن، وأضاف المتحدث بأن شهادة الحيازة غير المدروسة قد تجر محررها للعدالة، على غرار ما حصل بقصر الصبيحي، وعن بيع سكنات بقرى بعين ببوش فأضاف محدثنا بأن عملية المنح مستقبلا تتم فقط في القرى الريفية ويمنع الاستفادة في القرى الحضرية ، لأن هذا النوع من السكن موجه في الأساس لتشجيع الفلاح. ويبين الأمين العام لبلدية بريش النوي زرقاني، بأن القوائم الاسمية للمستفيدين من السكنات الريفية أعدت من طرف المجلس البلدي، وفقا للأطر القانونية، وأضاف المتحدث في لقائه بالنصر بأن القوائم تخضع للتحقيقات بعد أن تحول للبطاقية الوطنية وتمر على جميع المراحل، مشيرا بأن المستفيد لا بد أن تتوفر فيه الشروط المطلوبة، وبخصوص طرح سكنات للبيع أوضح المتحدث بأن القضية لم تطرح على البلدية والإجراءات من صلاحية الجهات المعنية. فراغ قانوني يعيق الردع وهذه هي شروط الإستفادة من الدعم أكد مدير ديوان الترقية والتسيير العقاري هبيتة محمد شوقي، عدم وجود نصوص قانونية ردعية، من شأنها أن تردع كل من يعرض السكن الاجتماعي الذي استفاد منه للبيع، مبينا بأن الإجراء الوحيد هو حرمان صاحب السكن الأصلي والمشتري من أي إعانة مستقبلية للدولة، بإدخالهما معا في البطاقية الوطنية للسكن، ويشير المتحدث بأن لجنة السكن بالدائرة من حقها خلال التحقيقات الأولية شطب أي اسم، ولها صلاحية متابعة صاحب التصريح الكاذب أمام العدالة، مبينا بأنه في التحقيق الثاني يتم إخضاع القوائم للبطاقية الوطنية. و تضبط عديد المراسيم والقوانين التي سنتها الحكومة الجزائرية، طريقة توزيع مختلف أصناف الدعم مع تحديد الشرائح والفئات المعنية بالاستفادة من أوجه الدعم ، على غرار المادة الرابعة من المرسوم التنفيذي رقم 10/235 المؤرخ في 5 أكتوبر لسنة 2010 المحدد لمستويات المساعدة المباشرة الممنوحة من الدولة لاقتناء سكن جماعي أو بناء سكن ريفي و كذا مستويات دخل طالبي هذه السكنات و كيفيات منح هذه المساعدة، حيث أن الشخص الذي يطلب المساعدة المباشرة الممنوحة من الدولة لا يمكن له الاستفادة إذا كان يملك عقارا ذا استعمال سكني ملكية تامة أو يملك قطعة أرض صالحة للبناء إلا إذا كانت مخصصة لبناء السكن موضوع المساعدة المباشرة الممنوحة من طرف الدولة في إطار السكن الريفي، أو إذا استفاد من السكن العمومي الإيجاري أو سكن تم اقتناؤه في إطار البيع بالإيجار أو سكن اجتماعي تساهمي أو إعانة عمومية في إطار اقتناء أو بناء أو تهيئة سكن، وأشارت المادة ذاتها إلى أنه في حال ما إذا كان طالب الإعانة مستأجرا لسكن عمومي إيجاري، فلا يمكن له الاستفادة من المساعدة المباشرة إلا بشرط إرجاع سكنه خاليا إلى الهيئة المؤجرة.