قصور تاغيت المعمرة ذات هندسة معمارية مشفرة يتم استقبال زوار قصور تاغيت بإحدى الغرف الكبيرة المهيأة بأثاث تقليدي يحاكي 10 قرون من الزمن، حيث يستمتعون بنكهة الشاي الصحراوي المعطر، إلى جانب بعض المكسرات، من شأنهما إزالة مشقة السفر و التجوال عبر واحات كبيرة غارقة في المياه، محاطة بكثبان رملية ناعمة . تستقبل منطقة تاغيت التي تنتمي إقليميا لولاية بشار، زوارها ، حاملة شعار شيخها محمد ابن أبي زيان "من أراد الهنا فليأتي إلى هنا "، في صحراء تجمع بين التراث و الأصالة و الجمال الأخاذ الذي يترنح بين كثبان رملية ناعمة بالجهة الشمالية و جبال مشكلة من صخور عملاقة، يشقها حزام أخضر من النخيل الغارق في المياه الصاعدة التي أثرت بشكل واضح على واحات النخيل . من بين الأشياء التي تستقطب اهتمام الزوار تلك القصور الطينية التي تحولت بعض غرفها لبيع الشاي و بعض المأكولات الخفيفة في ديكور تقليدي يعبر عن البيئة الصحراوية ،كما يضع الزائر تحت طائلة الأسئلة وعلامات الاستفهام عن قصور طينية معمرة يمتد عمرها إلى 10 قرون ، لا تزال تحافظ على هندسة عمرانها و تلخص معالمها الحياة البشرية آنذاك، بمختلف مجالاتها الأمنية و الإجتماعية و الاقتصادية و السياسية ، حيث تلج القصور العتيقة ك" بربي"، "تاغيت " " الزاوية التحتانية" ، من البوابة الرئيسية المحاطة بأسوار دفاعية تؤمنها من الاعتداءات الخارجية ، قال للنصر بابا حدو ، أحد أبناء المنطقة، و قد يصل طولها إلى نحو 6 أمتار مزودة بأبراج للمراقبة ، كما تتوفر القصور على مخارج سرية للإغاثة. تتضمن القصور من بينها قصر تاغيت المشهور بهندسته المعمارية المشفرة، دروب و مسالك ضيقة، فيصعب على الزائر تفكيك الروابط القائمة بين الأزقة المتصلة تارة بالساحات العامة، وتارة أخرى بالمنازل المتراصة ذات الأسوار العالية . أشار أحد أبناء القصر إلى بعض المعالم من بينها "الرحبة " مشتقة من الترحيب لاستقبال الوفود ، وغير بعيد عن هذا المكان دلنا أحد ممتهني بيع الشاي إلى مكان لا يقل أهمية يسمى بدار الضيافة التي تمون من "الخابية " أو مخزن العولة الذي يجمع المواد الغذائية الضرورية، في إطار تضامني لتحضير وجبات الزوار، فضلا عن "دوكالت " ، أي محلات بيع المواد الغذائية و اللحوم. كما توجد ساحة نصف دائرية بالقرب من مسجد صغير مخصص لعقد الاجتماعات و حل المشاكل العالقة و القضايا ذات الاهتمام المشترك ، تحت إدارة لجنة مفوضة لتسيير شؤون القصر، و استنادا إلى محدثنا، فان الدروب نسبة للشوارع رئيسية، مزودة بنظام مجاري تصريف المياه. تتهيكل مساكن أهالي القصر العتيق التي تتباين في شكلها وهندستها ، وفقا لمقتضيات الحياة ، و تبعا لإملاءات القيم الأخلاقية ، والدينية التي توجه الضمير الجمعي إلى درجة أن بعض المنجزات الهندسية تتبع هذه المقاصد ، لهذا تتمايز بيوت ساكنة القصر ، حسب المختص و الباحث في علم الاجتماع الدكتور نور الدين محابيب، وفقا للإمكانيات المادية و الاقتصادية، فالأغنياء منهم يسكنون بيوتا تحتوي على أعمدة تسمى السواري ، وفوقها عين الدار ، وبجانبها سلم يقود إلى السطح ، يظهر هذا النوع من المنازل معالم الرفعة. أما الفقراء منهم فبيوتهم مهيكلة، تبعا للبنية التحتية ، يقسم البيت إلى قسمين الأول للنساء و الآخر للرجال ، عند المدخل توجد دار الضياف ، وبيت العولة الذي تتحكم في إدارته الأم الكبيرة أي الجدة (العجوز ) ، وهي التي تشرف على تمويل حاجيات البيت ، من الأكل و جميع المستلزمات لأخرى ، يفصل بين محيط النساء حائط يسمى " العاري "، لأنه لا يصل إلى السقف ، من خلاله يتم تقديم خدمات للرجال ، وهو إجراء يدرج ضمن ما يسمى الحرمة لمنع اختلاط الرجال بالنساء . التجول عبر أزقة ودروب قصور تاغيت، و الحديث إلى سكانها يحيلك الى أهمية فهم الحياة الثقافية و الاجتماعية وطرق العيش ومدى الانسجام الذي ظل قائما لحد الآن، بين أبنائها وسر الانفتاح وقبول الآخر في بيئة صحراوية .