تغط اليوم أطلال مدينة تيديس الأثرية بقسنطينة في سبات عميق، بعدما كانت منذ قرون خلت تعج بالحياة و تجمع عديد الحضارات منذ فجر التاريخ، مرورا بالبونيقيين ، الرومان ، البيزنطيين ، و تسميتها الحقيقية بربرية و هي « كاستيليوم تيديتا لوريوم» ، كما تسمى كذلك قسنطينة العتيقة، لما هناك من تشابه بينها وبين مدينة قسنطينة ، و من بين أسمائها رأس الدار و تيديس هو اسم محلي نوميدي . المدينة العتيقة شيدت بمنحدر الجبل الذي شهد تعاقب هذه الحضارات ، وكان حضنا دافئا لسكان المدينة على اختلاف أطيافهم و لا تزال شواهدها اليوم صامدة تصارع من أجل البقاء ، وهي القادرة كغيرها من المدن الأثرية بالجزائر والعالم على بعث الحياة فيها من جديد، كمعلم سياحي قادر على استقطاب السياح و محبي التاريخ على مدار السنة . المدينة الأثرية التي تناساها التاريخ وأهملها المسؤولون أكد باحث الآثار الدكتور حسين طاوطاو، أن ما هو موجود اليوم من آثار مدينة تيديس الأثرية يقدر بربع المساحة الإجمالية فقط للموقع الأثري الذي تم التنقيب عنه و استخراجه، أما بقية مساحتها فلا تزال موجودة تحت الصخور و الأتربة و ربط استخراجها بتوفر إمكانيات مادية و بشرية كبيرة. و أضاف محدثنا أنها من أقدم المدن الأثرية بالجزائر، و تعود ، حسب الشواهد الأثرية ، إلى فجر التاريخ و تم اكتشافها سنة1853 و دامت عملية التنقيب عنها 30سنة بداية من سنة1941 إلى غاية 1973 و ما استخرج منها يقارب 10 هكتارات موجودة في منحدر ، و قد تعاقبت عليها عديد الحضارات البيزنطية الفينيقية ، الرومانية، فيما تغيب عنها معالم الحضارة الإسلامية ، ما عدا بعض الدنانير التي اكتشفت بها وتعود إلى الفترة الحفصية بين القرن 10و 11، و هي مدينة ليبيبة رومانية في الأصل، بدليل وجود كتابات ليبيبة بالأنصاب الجنائزية و المقابر الميقاليتية و الليبية و المقبرة الرومانية . تضم المدينة عدة معالم تاريخية، أبرزها الباب الشمالي و الطريق الرئيسي المؤدي إلى وسط المدينة ، كما يوجد الخزان المائي الذي يعود لسنة251 ميلادي ، إلى جانب الحمامات الكبرى و الصغرى و الكنيسة و المعابد، مثل معبد «ميترا» ، معبد الإله الفينيقي «بعل آمون « أو ما يعرف بمعبد «ساتيرون» ، كما أن المعابد بها كثيرة بين المسيحية و الوثنية ، دون نسيان المنازل و البيوت و أسوار المدينة ، منها ما يعود للفترة البيزنطية ، الرومانية و الليبية، إلى جانب الأبواب الثانوية المتواجدة بالأعلى. زيارة الموقع صيفا تقتصر على الحراس خلال زيارتنا للمدينة الأثرية تفاجأنا بذلك الصمت الرهيب ، و الغياب الكلي للزوار، حيث أكد لنا أحد الحراس أن وتيرة السياحة بالمكان، تصبح منعدمة في الصيف ونادرا ما يقصد الزوار الموقع باستثناء بعض الباحثين ، وعلى مدار سنوات من حراستهم للموقع لاحظوا أنهم الوحيدون الذين يقصدون المكان صيفا بحكم عملهم. بالرغم من أن المناظر جميلة و الهواء عليل بالمدينة الأثرية التي تقع في مكان مرتفع، و يمكن زيارتها مساء، خاصة وأن الأمن متوفر بها والطريق إليها معبد ، غير أن غياب أي نشاط بالمكان، حسب بعض من تحدثنا إليهم من سكان قرية الصفصافة المتاخمة للموقع، جعلها بلا روح، إلى جانب الانعدام التام للخدمات التي قد يحتاجها الفرد عند تنقله إليها ، فيما تزيد وتيرة السياحة بهذه الوجهة الأثرية خلال فصل الربيع، و غالبا ما تنظم خرجات سياحية للجمعيات أو المؤسسات التعليمية نحو الموقع الذي يتحول إلى جنة غناء، بالنظر إلى طبيعة بلدية بني حميدان الفلاحية ذات المساحات الخضراء الشاسعة . شباب يطالبون بالاستثمار لجلب السياح قال عدد من شباب المنطقة للنصر، أنهم طالبوا في أكثر من مرة من المجالس الشعبية البلدية المتعاقبة على تسيير شؤون المنطقة، بتخصيص مشاريع استثمارية قرب الموقع الأثري في طابع خدماتي محض، من أجل تحريك السياحة بالمكان وجلب أكبر عدد ممكن من السياح من جهة ، و امتصاص جزء من نسبة البطالة المرتفعة من جهة أخرى، غير أن هذه المطالب لم تراوح مكانها منذ سنوات. من جهته أكد رئيس المجلس الشعبي البلدي محسن الطاهر ، المعين حديثا، أن الأمر يتطلب ميزانيات ضخمة، وفي ظل الظرف الاقتصادي الراهن فإن تجسيد هذه المطالب على أرض الواقع غير وارد ،ناهيك عن مشكل الأراضي ذات الملكيات الخاصة و الذي يطرح بشدة ، غير أن المسؤول لم يستبعد الفكرة نهائيا و وعد بدراستها مستقبلا.