تعد ولاية ڤالمة من المدن الجزائرية القليلة التي تزخر بتراث ثقافي عريق، لكنه لم يلق اهتماما كبيرا من طرف القائمين على قطاع الآثار لإزاحة النقاب عن أسراره وكنوزه المدفونة تحت أرض “كلاما” كما كان يسميها الرومان. تحيط بڤالمة ست ولايات وهي عنابة “هيبون”، سكيكدة “روسيكادا”، جيجل “جيجلي”، الطارف، سوق هراس “خميسة ومادور”، وقسنطينة “سيرتا”. كما توجد بهذه المدينة الأثرية والتاريخية عدة مواقع هامة مازالت تكتم أسرارها وتاريخ مجتمعها، ناهيك عن تراثها العريق الذي مازال راسخ في أذهان المجتمع الڤالمي. وتشهد أماكن عديدة بهذه الولاية أن حضارات مختلفة مرت من هنا، مثل المسرح الروماني “وتيبليس” سابقا و”سلاوة أعنونة” حاليا، ودشرة “كاف بوزيون”، وغيرها من الأماكن الأثرية التي تؤكد عراقة هذه الولاية الضاربة في أعماق التاريخ. المسرح الروماني الذي يقع وسط مدينة ڤالمة مازال قائما كشاهد على ماضي حافل بالأعمال العظيمة، فهذا المسرح يعد بحق تحفة فنية في الهندسة المعمارية، وتكمن أهميته خاصة في محافظته على كيانه حتى بالصورة التي كان عليها منذ آلاف السنين، رغم أشغال الترميم الذي طالته أكثر من مرة. ويذكر المؤرخون أن هذا المعلم الهام شيدته ما بين القرن الثاني عشر والثالث عشر، راهبة معبد المدينة تدعى “أنيارايايا”. وقد بلغت تكاليف بنائه حوالي ثلاثين ألف قطعة ذهبية. وهو على شكل نصف دائري، ويحتوي على عدة مقصورات خصصت للأعيان وكبار موظفي الدولة ومدرجات مخصصة للعامة، بالإضافة إلى منصة واسعة يعتقد أنها كانت مخصصة لمصارعة الحيوانات المفترس، وخصوصا الأسود التي كانت منتشرة في المنطقة. كما يوجد به متحف يحتوي على تماثيل وفسيفساء ونقود جيء بها من المناطق المجاورة مثل خميسة، مادور، تيبليس، بالإضافة إلى بعض المواقع الأثرية بڤالمة، وتمثل التماثيل أبرز محتويات المتحف وأهمها تمثال، هركول، الإمبراطور، القاضي، وتمثالين ل”جوبيتر”. وتتسع مدرجات المسرح الروماني لأكثر من ثلاثة آلاف متفرج. وعرف خلال السبعينيات والثمانينيات العديد من الأنشطة الثقافية الوطنية الهامة، وغنى على خشبته بعض المطربين الجزائريين والعرب، من بينهم المطرب اللبناني الكبير وديع الصافي، والمطربة السورية ميادة الحناوي وشقيقتها فاتن الحناوي. وكان على مدى عقدين من الزمن قبلة للسياح الأجانب، كما كان تلاميذ المدارس يزورونه كل أسبوع للتعرف على طابعه المعماري الجميل، ومحتوياته النادرة من تماثيل وفسيفساء ونقود. وكان هذا المعلم على موعد منذ أيام قليلة مع مهرجان الموسيقى الحالية. والغريب أن هذا الهيكل الأثري الكبير الذي يعتبر بحق من أهم المسارح الرومانية الأثرية في العالم العربي لحفاظه على طابعه القديم و مكوناته من أصوار وجدران ومدرجات وخشبة وغيرها، المسرح الروماني لم يكن الشاهد الوحيد على عراقة المجتمع الڤالمي، بل هناك العديد من المواقع الاثرية الهامة، على غرار خنڤة الحجر، وتوجد فيها مجموعة من الرسومات والنقوش الجدارية لأشخاص وحيوانات تاريخها يعود إلى ما قبل التاريخ. وتقع تحديدا في مدخل واد أبو الفرائس تقريبا بين قرية سلاوة ومدينة عين مخلوف، ومقبرة الشينيور هي عبارة عن معالم جنائزية من نوع ‘'دومان” يعود تاريخها إلى فجرالتاريخ، ويفوق عددها 3000 مصطبة، ومقابر الركنية هي مقبرة ميغالييتية تقدر مساحتها ب 3كلم طول 800متر عرض وهي قريبة من أراضي “السطحة” و”عين النمشة”، وهو موقع تاريخي أثري تعاقبت عليه الحضارات النوميدية، الفينيقية، والرومانية. وهذا ما تجسده الهيئات السكنية، معصرة الزيتون، خزان مائي، ومقبرة فينيقية. قلعة بوعطفان هي عبارة عن مسلسل أثري، وذلك من خلال تعاقب حضارات مختلفة مثل ليبية والفينيقية ورومانية والبيزنطية ووجود مجمعات سكنية ومنشآت أخرى ومقبرة رومانية. أما مدينة تيبيليس فهي مدينة رومانية تحتوي على قوسين ذي مدخلين، وشارع مبلط وقوس ذي مدخل واحد وساحة عمومية، بالإضافة إلى حمامات ومعبد وسوق ومنزل ومنشات عمومية بها آثار وكتابات ليبية بونية ورومانية بوابة مزدوجة الوحيدة في شمال إفريقيا، شيدت في حقبة الإمبراطور مارك أورال..