تجارة الطيور وعمليات التهجين يهدّدان التوازن الإيكولوجي تطورت تربية الطيور من هواية إلى تجارة مربحة في السنوات الأخيرة، و زاد عدد نقاط بيع العصافير في الأسواق الشعبية، كما ظهرت محلات عصرية متخصصة في هذا النشاط، ما شجع مربيها و باعتها على استيراد و تهجين أصناف جديدة و مضاعفة أعداد الطيور المعروضة للبيع، لتصبح ضحية عمليات صيد مكثفة و عشوائية تهدد بانقراض أصناف معينة، فيما أدى التزاوج والاستيراد غير المنظمين، إلى ظهور أصناف يرى متابعون بأنها تشكل خطرا على التوازن البيولوجي، خصوصا وأن 80 بالمئة من الأصناف الموجودة في السوق مستوردة. الحسون والكناري الأكثر طلبا لطالما كانت رؤية شاب أو مراهق يتجول و في يده قفص يضم طائر الحسون، مشهدا مألوفا جدا، فتربية هذا العصفور تعد ثقافة في مجتمعنا، وهو تحديدا ما زاد شعبيته و شهرته، و ضاعف الطلب عليه، حتى في منازل العائلات، لجمال صوته و مظهره، ناهيك عن أن أسعاره المقبولة، مقارنة بباقي أنواع الطيور الأخرى، حيث تنطلق من ألفين إلى 4 آلاف و 500دج، حسب الصنف. علما أن الأصناف الهجينة تصل أسعارها إلى 6 ملايين و تتعدى ذلك إلى 17 مليون سنتيم، وهي طيور حسون جديدة تنتج عن طريق التزاوج المختلط الذي يشرف عليه مربون متخصصون، كما أكده مربون و باعة تحدثت إليهم النصر، خلال جولة بين محلات بيع الطيور بقسنطينة. علمنا منهم، بأن الحسون بات نادرا ، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعاره في سوق الطيور، بعدما كانت قيمة الطائر الواحد لا تتعدى 650 دج، إذ أصبح مهددا بالانقراض و تضاءلت أعداده بشكل كبير جدا، ما دفع التجار إلى التوجه نحو استيراده من المغرب و موريتانيا. محدثونا قالوا، بأن التهجين عن طريق التزاوج لا يعد السبيل الوحيد للحصول على عصافير بألوان و أشكال جديدة، بل هناك تقنيات أخرى تعتمد على الجينات تطبق عموما على طائر الكناري، الصنف الذي تفضله العائلات و تحبه النساء، فتربيته، كما أوضح لنا عادل فوغال، أحد أشهر بائعي العصافير و أكسسواراتها في المدينة الجديدة علي منجلي، عرفت تزايدا كبيرا في السنوات الأخيرة، رغم أن أسعاره تبدأ من ألفين دج إلى مليوني سنتيم. صاحب المحل، قال بأن الاهتمام بالطيور زاد و توسع ليشمل العديد من الأصناف، فإذا كان الشباب يفضلون الحسون الجزائري لتغريده الجميل، فإن اقتناء الببغاوات الناطقة زاهية الألوان، أصبح موضة الميسورين، حيث يستخدمه بعضهم كزينة لمكاتبهم الفخمة، بينما يقدمه آخرون كهدية قيمة لأحبائهم وأبنائهم. أما هواة تربية الطيور، فيعشقونه عموما لتميزه كصنف فريد، و هو تحديدا ما يشجعهم على شراء أنواع تتراوح أسعارها بين 3 ملايين و 40 مليون سنتيم، فما فوق، علما أن أكثر الأصناف انتشارا هو « رونا» الببغاء الإفريقي الرمادي. عائلات تنفق 3 آلاف دج شهريا على طيورها المدللة خلال جولتنا، لاحظنا في المحلات تنوعا في الأكسسوارات الخاصة بأقفاص الطيور، و وفرة الخيارات، في ما يتعلق بغذائها، فهناك الحبوب و البذور البسيطة، وهناك الفواكه المجففة، كما توجد منتجات مستوردة عديدة، و توجد على الرفوف أنواع مختلفة من الفيتامينات الخاصة بالعصافير، و ما إلى ذلك من المنتجات. سألنا عمار، بائع بأحد المحلات التي زرناها، عن أسعار هذه المنتجات، فقال، بأنها تختلف حسب الجودة، علما أن المستورد منها يكون دائما أغلى، كما أن كل زبون ينفق على طائره ، حسب قدراته المالية. هناك، حسبه، زبائن يكتفون بالبذور البسيطة ويشترون عادة كيسا يكفي لمدة 20يوما مقابل 150دج إلى 200 دج، بالمقابل يفضل زبائن آخرون تدليل طيورهم، فيشترون لها الأنواع المختلطة من البذور مقابل 650دج للكيس الواحد. فيما ينفق آخرون من ألف دج إلى 3 آلاف دج، على الفيتامينات و الفواكه المجففة شهريا، و هي نفقات، قال محدثنا، لا مجال لمقارنتها مع ما يصرفه عشاق القطط و الكلاب. سلالات الأقفاص لمواجهة خطر الانقراض أكد ساعد محمد رياض، نائب رئيس جمعية ترقية و تربية الطيور لناحية الجزائر العاصمة، بأن هناك أصنافا عديدة باتت مهددة بالانقراض في السنوات الأخيرة، وفي مقدمتها طائر الحسون، الذي يعد، حسبه « تراثا محليا»، لذلك فإن جمعيته تسعى من خلال تنظيم بطولة سنوية للطيور، إلى جمع أكبر عدد من المربين، قصد هيكلتهم و تكوينهم، في ما يخص طرق إنتاج سلالات جديدة داخل الأقفاص، من أجل ترقية هذا الصنف، و بالتالي تقليص عمليات صيد الطيور البرية، وهو ما يمنح، كما قال، وقتا كافيا لإنتاج سلالات ستحرر في الطبيعة مستقبلا، بعد أن تنشأ لها محميات خاصة، كخطوة تهدف إلى مواجهة خطر الانقراض الذي يهدد هذا العصفور الجميل. و أضاف المتحدث، بأن الجمعية تأسست سنة 2009 و تم اعتمادها في 2012، و تضم إلى الآن منخرطين من 38 ولاية، جلهم مربون مولعون بالطيور و مهتمون بمصيرها، لذلك فإن برنامج عملها لا يقتصر فقط على تنظيم المنافسات، بل يشمل أيضا التكوين في مجال تربية و حماية الأصناف، حيث تنظم، حسبه، كل شهرين تقريبا دورة يشرف عليها مختصون، بينهم دكاترة في علم الجينات، لتكوين المربين في جوانب عديدة ، تتعلق بالطرق الصحيحة للتزاوج و التهجين، كما يتم خلالها تصحيح المعلومات والمعتقدات الخاطئة التي تخص أساليب حماية الطيور و تربيتها بطريقة تضمن ترقيتها و استمراريتها. صيدمكثف و تزاوج عشوائي على صعيد آخر، يطرح مشكل الإخلال بالتوازن البيولوجي، كأحد أهم المظاهر السلبية التي أفرزها توسع تجارة الطيور، و ذلك، حسبما استقيناه من حديثنا مع بعض الباعة و المربين، فإن طائر الحسون الجزائري مثلا، مهدد، حسبهم، بالانقراض بنسبة 99 بالمئة، لدرجة يصعب معها العثور عليه في الطبيعة، ما فرض استيراده كحل لتلبية الطلب عليه في السوق.إنه واقع يؤكده الملاحظ البيئي وهاوي تصوير الطيور الأستاذ عيسى فيلالي، و يرجع أسبابه، إلى عمليات الصيد المكثفة التي استهدفت هذا الطائر المحمي خلال السنوات الماضية، قصد بيعه و تربيته في الأقفاص، الأمر الذي انعكس على طريقة تكاثره، خصوصا وأن هناك من كانوا يقتلون الإناث عند صيدها، لأنها ليست مغردة، عكس الذكور.وأضاف المتحدث، بأن هذا العامل يضاف إلى عامل ثان يتعلق بالطرق الخاطئة في تربية هذه العصافير و تهجينها، وهي أسباب أثرت مجتمعة على واقع الأصناف المحمية، على غرار الحسون التفاحي و الحسون الجزائري و الحسون الذهبي، و أنواع أخرى كالكناري الحر و الطيور المغردة من صنف الكناري الأصيل و مصلب المنقار. من جهة ثانية، فإن عمليات الاستيراد غير المضبوطة لأصناف جديدة من الطيور، كالببغاء الأخضر، أخلت هي أيضا بالتوازن الطبيعي، بعدما نجحت طيور في الفرار من أقفاصها و عادت إلى الطبيعة لتزاحم الأنواع المحلية و تؤثر على الهرم الغذائي، و تحول أصنافا أخرى من الطيور إلى طعام لها، كما أن التهجين بسلالات أجنبية، يمكن أن يكون له انعكاسات سلبية على الطيور المحلية، لأنها عملية لا تتم على يد مختصين، بقدر ما يقوم بها هواة و مربون يفتقرون للخبرة الكافية.