تعيش أفغانستان على وقع أزمة سياسية جديدة، على خلفية إصرار رئيس الحكومة السابق، عبد الله عبد الله، على رفض نتائج الانتخابات الرئاسية، وتنصيبه نفسه رئيسا للبلاد، بالموازاة مع تنصيب الرئيس المنتخب رسميا أشرف غني، مما قد يدخل البلاد في أزمة مؤسساتية ويدفع بالوضع الأمني نحو مزيد من التدهور، خاصة في ظل تأجيل المفاوضات الأفغانية-الأفغانية التي كانت مقررة يوم الثلاثاء بين الحكومة وحركة (طالبان). فقد أدى الرئيس الأفغاني، أشرف غني، اليمين الدستورية، أمس الاثنين في القصر الرئاسي بكابول، بحضور شخصيات سياسية بارزة ودبلوماسيين وكبار المسؤولين الأجانب، بمن فيهم المبعوث الأمريكي للبلاد، زلماي خليل زاد، وقائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال سكوت ميلر. وبالموازاة مع حفل التنصيب هذا، وفي جزء آخر من مجمع القصر الرئاسي، وبحضور المئات من أنصاره، نظم المنافس الرئيسي لغني في الانتخابات، عبد الله عبد الله، مراسم تنصيب، أعلن خلالها نفسه رئيسا للبلاد، متعهدا "بحماية الاستقلال والسيادة الوطنية وسلامة الأراضي" في أفغانستان. وفي هذا الصدد، أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية، على لسان وزير خارجيتها، مايك بومبيو، أنها تعارض بشدة، محاولة تشكيل "حكومة موازية" في أفغانستان، وأي استخدام للقوة لحل الخلافات السياسية". وشددت الإدارة الأمريكية على ضرورة إعطاء الأولوية ل"حكومة جامعة" وأفغانستان موحدة، لما ذلك من أهمية لمستقبل البلاد وقضية السلام. وكان الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني، قد فاز بولاية رئاسية ثانية، بنسبة 50.64 بالمائة من الأصوات، خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل ستة أشهر، والتي تأخر الإعلان عنها إلى غاية 19 فبراير الماضي، ل"أسباب فنية"، غير أن عبد الله عبد الله، أعلن عن رفضه لنتائج الاقتراع، واصفا إياها ب"غير شرعية" و"المزورة". ولا تعد هذه المرة الأولى التي يرفض فيها عبد الله، نتائج انتخابات رئاسية في البلاد، حيث سبق وأن اعترض على نتائج اقتراع عام 2014، الذي تنافس فيه مع أشرف غني دائما، وادعى خلاله كلا المتنافسين الفوز فيه. وعلى إثر نزاع مرير استمر لأشهر، توصل المرشحان المتنافسان على كرسي الرئاسة (غني وعبد الله)، إلى اتفاق لتقاسم السلطة، تحصل بموجه الأول على منصب رئيس البلاد، بينما شغل الثاني، منصب الرئيس التنفيذي (رئيس الحكومة) بصلاحيات واسعة مماثلة لتلك التي يتمتع بها رئيس البلاد، تشمل تعيين قائد الجيش ورئيس المخابرات. أثار الصراع على السلطة، المخاوف من تأزم الأوضاع الأمنية في البلاد، على خلفية تأجيل المحادثات الأفغانية-الأفغانية بين الحكومة وحركة طالبان التي كانت مقررة اليوم الثلاثاء، بناء على الاتفاق المبرم بين الولاياتالمتحدة والحركة المتمردة في أفغانستان الشهر الماضي. ولم تنشر الحكومة الأفغانية أي تاريخ بدء المفاوضات وحول الفريق المفاوض، بالرغم من إعلان الرئيس غني عن ثقته في تشكيل فريق التفاوض الأفغاني مع حركة طالبان، قبل الموعد المحدد للمحادثات. ويأتي ذلك في الوقت الذي يستعد فيه مجلس الأمن الدولي للتصويت مساء اليوم - بناء على طلب من الولاياتالمتحدة - على قرار يدعم الاتفاق المبرم مع حركة طالبان ويدعو الحكومة الأفغانية للعمل على إحراز تقدم حقيقي في مسار السلام، من خلال المشاركة في المفاوضات الأفغانية/الأفغانية، بفريق متنوع من المفاوضين مشكل من مسؤولين سياسيين وممثلين عن المجتمع المدني مع إشراك النساء. وكانت الولاياتالمتحدة قد وقعت نهاية فبراير الماضي، على اتفاق مع حركة (طالبان) في عاصمة قطر (الدوحة) لإنهاء الحرب المستمرة في أفغانستان منذ 18 سنة، ويفسح الطريق لبدء إعادة الإعمار. وفي هذا الصدد، أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو - في بيان قيم فيه مسيرة السلام في أفغانستان - أن بلاده تدعم دولة أفغانستان الموحدة والمستقلة، وأن الحكومة الأمريكية تبذل جهودا مضاعفة لإحلال الاستقرار في أفغانستان وتحقيق استقلاله. كما أعرب عن امتنانه لمساعي الرئيس الافغاني أشرف غني، لتشكيل حكومة تضع في أولوياتها تحقيق الاستقرار في البلاد. وقد شرعت الولاياتالمتحدةالأمريكية في سحب قواتها، بناء على الاتفاق، الذي وقعه المفاوض الأمريكي زلماي خليل زاد، وممثل عن طالبان ونائب زعيمها الملا عبد الغني برادر، والذي ينص على خفض القوات الأمريكية في خمس قواعد بأفغانستان من 13 ألفا إلى 8600 جندي، خلال 135 يوما من دخول الاتفاق حيز التنفيذ. كما ينص الاتفاق على أن تعمل الولاياتالمتحدة فورا مع كل الأطراف المعنية للإفراج عن السجناء السياسيين، فضلا عن إفراج واشنطن والحكومة الأفغانية عن نحو 5 آلاف أسير فيما تفرج الحركة عن نحو ألف أسير بحلول اليوم الثلاثاء 10 مارس، غير أن تحقيق ذلك في الوقت الراهن وفي ظل الأزمة السياسية لا يبدو ممكنا. وبالرغم من تحفظ الرئيس أشرف غني على البند المتعلق بتبادل الأسرى في بداية الأمر، غير أنه تعهد بإطلاق سراح الأسرى التابعين لحركة طالبان، من خلال إصدار مرسوم بهذا الخصوص اليوم الثلاثاء مما قد يؤدي إلى الحد من العنف في البلاد، على حد توقعه. ويبقى إنهاء الانقسام السياسي، وتشكيل حكومة تستوعب كافة شرائح المجتمع في أفغانستان "ضرورة ملحة" لضمان عودة الأمن والاستقرار وتحقيق تطلعات الشعب الأفغاني في العيش بسلام وأمان.