يقترح الأخصائي النفساني العيادي، احسن بوبازين، بروتوكولا عمليا يعد بمثابة خارطة طريق و دليلا للعاملين في ميدان المتابعة النفسية، خلال الظروف الاستثنائية الحالية التي فرضها فيروس كورونا المستجد، و يتضمن الدليل كما تحدث عنه للنصر، طريقة التعامل مع تبعات الإصابة بالمرض و انعكاسات الحجر النفسي و الضغط المضاعف المفروض على فئات دون غيرها، مؤكدا أن أضرارا نفسية كبيرة ستترتب عن الجائحة، قد تصل لحد الصدمة و الاكتئاب و الاحتراق المهني، كما قال بأن مشروعه يتضمن أساليبا للتكفل بجميع الشرائح الاجتماعية بصفة مسبقة لتخفيف وطأة الآثار السلبية التي ستظهر تباعا مستقبلا. حاورته : هدى طابي النصر: اقترحتم مؤخرا بروتوكولا لتوجيه المهنيين النفسانيين، حدثنا أكثر عن هذا المشروع و فائدته في مواجهة تأثيرات فيروس كورونا؟ احسن بوبازين: لقد انطلقت من فكرة أننا نعيش وضعية استثنائية و جديدة على كافة المستويات، فرضت نوعا من الارتباك على المجتمع بمختلف أطرافه، بخصوص طريقة التعامل مع الظاهرة و تسيير المرحلة، سواء تعلق الأمر بالهيئات أو الأفراد، علما أن هذا الوضع شمل أيضا النفسانيين الذين زادت الحاجة إلى تخصصهم فجأة في ظل ضبابية المشهد و الجهل بأسلوب التكفل الممكن و الناجح في مثل هذه الحالات. وعليه عملت على إعداد خارطة علمية ننطلق منها لتشخيص الحالة النفسية لكل فرد و تحديد الطرق التي يجب على المختصين التدخل وفقها لربح الوقت و تحقيق نتائج جيدة. على أي أساس حددتم مسار هذه الخارطة و ما هو المنهج النفساني المعتمد في مقاربة الوضع؟ ركزت في العمل على ثلاثة محاور، أولها التشخيص الذي يحدد طبيعة التكفل النفسي، وهنا قسمنا الأفراد إلى فئات وحددنا طبيعة الاضطرابات التي تنجم عن أوضاع مماثلة من خلال تصنيف الأعراض، تضم الفئة الأولى عموم الناس من الجنسين و من كافة الاعمار، و الذين لاحظنا بأنهم يعانون من توتر نفسي كبير وحالة ضغط و خوف كبيرين، فالإنسان يخاف مما يجهله، وهو ما أفرز انفعالات كبيرة كالفزع و الهلع و العصبية و الهواجس المادية. وفي هذه الحالة فإن تدخل الأخصائيين سيكون في شكل نوع من الدعم النفسي، يقوم على شرح الوضعية و كونها مؤقتة و تقليل الخوف منها، وهو ما سيخفف الضغط و يسهل تقبل الحجر. أما الفئة الثانية، فتشمل الأشخاص الموضوعين تحت الحجر الصحي سواء في بيوتهم أو الفنادق أو المستشفيات وكذلك المرضى الذين يخضعون للعلاج، و تتعلق الفئة الثالثة، بالعاملين في قطاع الصحة و الذين يتكفلون بالأشخاص في الحجر أو الذين يتعاملون مع المرضى المصابين بالفيروس. ماهي طبيعة الأزمات النفسية التي يمكن أن تترتب مستقبلا عن الوضع الذي نعيشه حاليا و عن الحجر الصحي الذي فرض فجأة على الأشخاص؟ لابد أن ندرك أن المشاكل النفسية لن تنتهي بتوقف عدوى الفيروس، بل بالعكس ستظهر بعد مرور الأزمة وهنا تحديدا سيأتي دور النفسانيين ، لأن هذه الجائحة ستخلف اضطرابات نفسية كثيرة، منها الخواف وهو الخوف المضاعف حد الفوبيا، كما سيظهر الوسواس القهري المترتب عن تكرار غسل اليدين خوفا من العدوى و المرض، كما ستظهر الصدمات النفسية الحادة الناتجة عن التعرض لحادث مفاجئ وهو الفيروس الذي وضعهم أمام احتمال مواجهة الموت في أية لحظة، الفكرة التي يجد الكثيرون صعوبة في التعايش معها. بالحديث عن الصدمة متى يبلغ الفرد هذه المرحلة و ما هي أعراضها وكيف يمكن تجاوز الخوف من الموت؟ حاليا، لم نصل بعد إلى تموضع الصدمة النفسية كما هي معروفة، فعصاب الصدمة النفسية عند الإنسان يمر عبر مراحل، أولها ظهور الحدث الصدمي الكبير و المفاجئ، و هذا العارض يظهر أكثر عند الأشخاص الذين كان مشكوكا في إصابتهم بالمرض أو من مرضوا فعليا، أو ربما مرض قريب لهم، وهو ما يرجح احتمال إصابة أعداد كبيرة من الأفراد بالصدمة النفسية تماما كما حدث خلال سنوات الإرهاب، وهنا التكفل يجب أن يكون تقنيا من قبل النفسانيين . و بخصوص أعراض الصدمة، فإنها تتمثل عموما في حالة الطوارئ الدائمة و الخوف المستمر من الموت، و الهوس بفكرة قرب الخطر، إضافة إلى الجنوح إلى سلوكيات التجاهل بمعنى أن الإنسان يتجنب الحديث عن الموضوع أو سماع أخباره، ناهيك عن حالة الإعادة التي سيعيشها طويلا، و تتعلق بتكرار نفس الحالة الشعورية التي عاشها الفرد في بداية الصدمة بكل انفعالاتها وقد تظهر في شكل أفكار أو كوابيس. هناك أيضا جانب لا يجب إغفاله و يتعلق بالأعراض الجسدية كتسارع دقات القلب و التعرق و ارتعاش الأطراف و الآلام المعدية و ألم الرأس. كيف سيتأثر من مرضوا وتحملوا الألم الجسدي و عزلة الحجر و حتى التنمر الاجتماعي، وماهي أفضل طريقة لمساعدتهم على تجاوز التجربة؟ يحيلنا السؤال للحديث عن أهمية المستوى الثاني من بروتوكول التكفل الذي اقترحته، فعند هذه الفئة يكون الضغط و التوتر أكبر سيعانون من قلق شديد، و قد يتعرضون أحيانا للمعاناة من قلق الموت، كما ستتشكل في داخلهم انفعالات مختلفة كالخوف و الحيرة و الشك، إضافة إلى أنهم الأكثر عرضة للحالات الاكتئابية نظرا لارتباط الفيروس بفكرة الموت وقرب النهاية، ما سيضاعف شعورهم بالحزن و حتى الشعور بالذنب من احتمال نقلهم للعدوى لغيرهم. من جهة ثانية فإن العزلة الاجتماعية و أحيانا التنمر الذي قد يتعرضون له، قد يعزز لديهم الميل للإنكار، وهو ما يفسر هروب البعض من الحجر أو رفض التصريح بأعراض المرض أو بالعدوى، وهي أعراض تختلف من فرد إلى آخر كل حسب تركيبته النفسية و بناء شخصيته، علما أنها قضية تشمل كذلك الأشخاص الذين يشاع بأنهم أكثر عرضة للإصابة بالمرض كالمسنين و الحوامل و المرضى المزمنين بحسب ما تتداوله وسائل الإعلام، وهؤلاء سيكونون أكثر هشاشة و توترا و خوفا و تضررا مقارنة بالأشخاص العاديين وذلك بسبب الحكم عليهم مسبقا بالمرض و الموت. وعلية أشير إلى أن هؤلاء الأشخاص يتطلبون متابعة نفسية معمقة و مسبقة، أي أن التكفل بهم يجب أن يكون قبليا و ليس بعديا، لتجنب وصولهم إلى مرحلة الصدمة التي سبق الحديث عنها، علما أنها عملية تتطلب مساهمة الأسرة و الأخصائيين النفسانيين على حد سواء. و ماذا عن فئة العاملين في الميدان و مهنيي الصحة بشكل خاص، كيف يمكن لهم الحفاظ على صحتهم النفسية في هذه الحالة وتجنب الانهيار و الاحتراق المهني؟ هذه هي الفئة الثالثة التي تطرق إليها البروتوكول، وبالأخص كما ذكرتم عمال الصحة الذين أصيب الكثير منهم بالعدوى و يتواجدون بنسب كبيرة في مراكز الحجر الصحي، وهو ما يضاعف الضغط عليهم بسبب الخوف من الفيروس و نقص الإمكانيات و شعورهم بالذنب تجاه عائلاتهم، و في حالتهم فإن التدخل النفسي سيكون على عدة مستويات، بداية بالمستوى الفردي من خلال تعبير العمال عن مخاوفهم وعدم كبتها كنوع من تفريغ الشحنات العاطفية و الانفعالية، ثانيا لابد من اعتماد تقنية حلقات العلاج الجماعية على الأقل مرة واحدة في الأسبوع، مع تقليص عدد المشاركين فيها تماشيا مع احتياطات الوقاية، فهذه المجموعات توفر الدعم النفسي الجماعي من خلال تشارك المخاوف للتخفيف من تأثيرها، وهو ما سيمنح الفرد شعورا بالراحة. سيساعدهم التكفل النفسي أيضا، على تجنب الاحتراق المهني الذي يتلخص في التعب الشديد الذي يصيب العامل جسديا و ذهنيا و عاطفيا، و يسبب شعورا بعدم القدرة على أداء المهام، أذ يتوجب على النفسانيين، في هذه الحالة تدريب العامل على طرق التخلص من التوتر و الضغط النفسي، عن طريق تغيير النشاطات و ممارسة الهوايات أو أي نشاط ممتع و التركيز على النقاط الإيجابية و التنفس البطني و الاسترخاء و غير ذلك. مؤخرا تم تجنيد خلايا متخصصة للتكفل بالمواطنين عن بعد خلال فترة الحجر الصحي، فهل التشخيص و العلاج النفسي عبر الهاتف ناجع فعليا؟ التكفل النفسي عموما يمكن أن يكون عن طريق المقابلة المباشرة أو عن طريق الاتصال الهاتفي وهي الصيغة التي تعتمدها حاليا الكثير من خلايا الإصغاء، في محاولة للتكيف مع الوضعية الصعبة التي فرضها الفيروس و في ظل ظروف الحجر، لذلك فإن التشخيص و المتابعة عن طريق الهاتف جد ممكنين و لا يطرح الأمر هنا أية مشاكل أو شكوك تتعلق بالنتائج المحققة، حتى وإن كان التفاعل المباشر يبقى الخيار الأفضل. مع ذلك فإن مجرد تعبير الفرد عن هواجسه و تصريحه بمخاوفه و تواصله مع المختص يمكنه أن يقدم له دعما نفسيا و توجيها كافيا في المرحلة الحالية، وهي مساعدة ستشكل جدار صد يحمي من عصاب الصدمة و الاضطرابات المستقبلية كالخواف و الوسواس و الاكتئاب. يتداول الكثير من المختصين مؤخرا مصطلح المناعة النفسية فهل هناك علاقة فعلية بين أداء الجهاز المناعي و نفسية الفرد و كيف يساعد ذلك في تقليل خطر العدوى ؟ هو فعلا مصطلح جديد ومفهوم تزامن ظهوره مع الوضع الحالي، سبق لي وأن ذكرت بأن هناك أعراضا جسدية ترتبط بالاضطرابات النفسية، فكل الأخصائيين يربطون عادة بين دور الجانب النفسي و مناعة الجسم ضد الأمراض، فإن كان الانسان متوازنا و نفسيته مستقرة، فإن ذلك سيعزز مناعته و العكس لأن الإضراب و الخوف و الهلع يؤثرون علي نظامه المناعي سلبا، « فكرة استسلام الجسد»، وعليه وجب على الإنسان التفكير بإيجابية و الابتعاد عن التهويل الإعلامي و المغالطات التي تنتشر بقوة على مواقع التواصل، كما يجب عليه تغيير نشاطه وإن كان محجورا في المنزل طوال اليوم، لأن ذلك يعادل الراحة، ناهيك عن ضرورة تحليه باليقين بأنها مرحلة مؤقتة وسنتجاوزها.