ارتأت النصر تسليط الضوء على واحدة من الحالات الاستثنائية، وذلك بإجراء مناظرة بين الشقيقين عقبة وزكرياء بن باكة، للحديث عن الأوضاع التي يعيشها كل واحد منهما في هذه المرحلة الصعبة، فعقبة الحكم الفيدرالي السابق يتواجد حاليا في مونتريالبكندا، بينما يقطن شقيقه الأصغر بمدينة تولوز الفرنسية، لكن بعد المسافة بينهما لم يحصر القاسم المشترك في علاقة «الأخوة» والحنين إلى ذكريات الطفولة بأزرقة حي الإخوة بوشامة بمدينة قسنطينة، بل هناك العديد من العوامل التي وجدناها متشابهة، انطلاقا من المغامرة في سلك التحكيم، والتوجه على مضض إلى ديار «الغربة» بسبب اعتراض الطريق نحو الشارة الدولية، مع التشوق للعودة إلى الجزائر لمواصلة المشوار مع الصفارة، خاصة وأنهما من أسرة تربطها علاقة «مميزة» بالتحكيم، بدليل أن شقيقتهما كهية حائزة على الشارة الدولية في الكرة الطائرة، ورانيا وحيفا خاضتا تجربة في التحكيم النسوي لكرة القدم. عقبة بن باكة من مونتريالبكندا: حققت في كندا ما حرمت منه في بلدي بسبب حقرة لكارن *حدّثنا في البداية عن الأوضاع التي تعيشونها في كندا جراء أزمة فيروس كورونا؟ ظهور الوباء جعل السلطات الكندية تتخذ جملة من التدابير، لكنها تختلف عن تلك المتبعة في باقي الدول، إذ أن الحياة اليومية تتواصل، بضمان الخدمات، دون الاعلان عن الحجر الاجباري، مقابل فرض جملة أخرى من التوصيات، التي تندرج بالأساس في الجانب الوقائي للحماية من انتشار الفيروس، من بينها إلزام المواطنين باحترام مسافة الأمان، والتي لا تقل عن مترين، ومخالفة هذا الاجراء تكلف صاحبها غرامة بقيمة 1000 دولار، ووعي المواطنين ساهم في تجسيد هذه التدابير، لتبقى الجالية العربية الشريحة الأكثر تضررا من الإجراءات العقابية كونهم الأقل احتراما للتوصيات، ولو أن الحصيلة مرتفعة في كندا، بتسجيل قرابة 23 ألف إصابة مؤكدة ونحو 1700 وفاة، وهنا بودي أن أوضح شيئا مهما.. *تفضل.. ما هو؟ حديثي عن وعي المواطنين وتطبيقهم الصارم للإجراءات الوقائية المتخذة، لا يعني بأن الحجر لا يوجد في كندا، بل أن هذه الخطوة أصبحت أوتوماتيكية بالنسبة لأي شخص ليس لديه انشغال خارج البيت، لأن الوقاية الاحترازية ضرورة حتمية، وحاليا أنا أعيش حالة تندرج في هذا المجال، إذ أن زوجتي عادت مؤخرا من الجزائر، لكن السلطات الكندية تجبر المسافرين القادمين من دول أخرى على القيام بالحجر الاحترازي على مستوى بيوتهم، وعليه فإن الزوجة وابنتي الصغرى متواجدتان في غرفة معزولة داخل البيت، إلى غاية اتمام مدة أسبوعين، بينما أقضي أنا وثلاثة من أبنائي يومياتنا في باقي أرجاء المنزل، في الوقت الذي تبقى فيه المناطق الموبوءة مغلقة كلية، والخروج منها لا يتم إلا بترخيص، وهذا في محاولة للحد من انتشار الوباء إلى باقي المدن، وهذا الاجراء ساري المفعول هنا في مونتريال، التي تعد أكثر المناطق تضررا في مقاطعة الكيبك. *وهل تتابع تطورات الأوضاع السائدة في الجزائر؟ هذا أمر لا نقاش فيه، لأنني أتواصل يوميا مع عائلتي التي تقيم بحي الإخوة بوشامة وسط مدينة قسنطينة، للإستفسار عن أحوال الوالدين وشقيقاتي الثلاث، كما أنني أتابع عن كثب الحصيلة اليومية، لأن الأمر يتعلق ببلدي، ولو أن الفيديوهات التي شاهدتها مؤخرا عبر الفايسبوك، زادت من درجة تخوفي على تطورات الوضعية الوبائية في الجزائر، لأن التجمعات والطوابير تطبع يوميات الكثير من المواطنين، وهذا دليل على تهورهم، وعدم ادراكهم لخطورة الفيروس، رغم الحملات التحسيسية الكثيرة التي تقوم بها مختلف الجهات، على العكس مما نعيشه في كندا، حيث أن الحصيلة مرتفعة، والمواطنون يحترمون التدابير الوقائية بصرامة كبيرة. *نعرج الآن للحديث عن التحكيم، فما جديدك في هذا السلك؟ أنا على وشك تعليق الصفارة، بحكم أنني بلغت 45 سنة، ولو أنني تلقيت عرضا بمواصلة النشاط في سلك التحكيم، وتواجدي في كندا لم يقطع علاقتي الوطيدة بهذا السلك، لأن التحكيم هو الأوكسجين بالنسبة لي، وعند إلتحاقي بكندا في أواخر 2011 إنخرطت في الرابطة، وخضعت لاختبارات بدنية وميدانية للتواجد ضمن مصاف حكام الدوري نصف المحترف، لأنهم رفضوا في البداية الاعتراف بالدرجة التي كنت حائزا عليها في الجزائر، فكان دخولي إلى البطولة الكندية موفقا، وتم اختياري كأفضل حكم في مقاطعة كيباك على مدار 5 مواسم متتالية، وهو انجاز يكفي للتأكيد على أنهم وضعوني في المكانة، التي أثبت أحقية بالتواجد فيها، كما أنني حظيت بشرف إدارة نهائي بطولة المقاطعة مرتين، هذا فضلا عن منحي درجة مكوّن ومراقب للحكام الشبان، مع تنصيبي كمدير للتحكيم على مستوى فريق أنانيوس. *هذه الانجازات تعني بأنك حققت ما عجزت عنه في الجزائر، أليس كذلك؟ صدقني بأنني أذرف الدموع وأنا أتحدث معك حاليا، لأنني كنت قد وجدت نفسي مجبرا على مغادرة بلدي، وخوض مغامرة الهجرة إلى كندا، وهذا كله بسبب «الحقرة» التي تعرضت لها في سلك التحكيم، من طرف رئيس اللجنة الفيدرالية في تلك الفترة بلعيد لكارن، الذي قطع أمامي الطريق نحو الشارة الدولية دون أي مبرر، واستعمل الكثير من الأساليب لإجباري على الاستقالة من السلك، لكن تعلقي بالصفارة جعلني أقاوم ضغوطاته لمدة 3 سنوات، قبل أن استسلم على طريقتي الخاصة، بالهجرة إلى كندا، أين وجدت الأشخاص الذين يتخذون من الكفاءة الميدانية، المعيار الوحيد لتوزيع المهام والمناصب، دون مراعاة الجنسية والديانة. *بإمكانك أن تعطينا توضيحات أكثر حول قضيتك مع لكارن؟ خلال موسم 2008 / 2009 كنت ضمن قائمة المرشحين لنيل الشارة الدولية، بالنظر إلى مشواري في الرابطة الأولى، لكن بلعيد لكارن وظف سلطته كمسؤول على اللجنة لحرماني من تحقيق حلم حياتي، وأرسل العديد من المراقبين المحسوبين على كتلته لمعاقبتي، على غرار سايح، بيشيران وشقيقه نورالدين، إلا أن المعاينة الميدانية مكنتني من الحصول على علامات، كانت تكفي لتواجدي ضمن قائمة الدوليين، ليتواصل نفس «السيناريو» في الموسم الموالي، فكانت مقابلة أهلي البرج وشباب باتنة في فيفري 2010 الأخيرة بالنسبة لي في ذلك الموسم، بعدما قرر معاقبتي إلى غاية نهاية الموسم، مع شطبي من قائمة حكام الدرجة الأولى، لأسجل تواجدي بقوة في الرابطة الثانية، مع احتفاظي بالسجل الشخصي المميز في الرابطة الأولى، لأنني بقيت من بين المتنافسين على الشارة الدولية للموسم الثالث تواليا، وقد كانت لي جلسة شخصية معه في تربص بمركز سيدي موسى في أفريل 2011، كشف لي فيها بأن موقفه تجاهي، يعود بالدرجة الأولى إلى المباراة التاريخية بين جمعية الشلف ومولودية وهران، في أواخر ماي 2008، والتي أسقطت نتيجتها «الحمراوة» من حظيرة النخبة لأول مرة في التاريخ، وأكد لي بأنني قدمت بتلك النتيجة خدمة لمحمد خلايفية، الذي كان في تلك الفترة يرأس لجنة التعيينات، باعتباره إبن مدينة البليدة، وتلك الجلسة جعلتني أذرف الدموع، لأن المعني بالأمر وعدني بطي الصفحة، مع إدراجي ضمن قائمة الدوليين، خاصة وأنني أستوفي كل الشروط، بما فيها المستوى الدراسي، بحيازة شهادة مهندس دولة في الالكترونيك. *لكن ما سبب تكهرب العلاقة بينكما من جديد بعد جلسة الصلح؟ الوعود التي تلقيتها كانت مجرد «سيناريو» فقط، لأن فتح الأظرفة في سبتمبر 2011 وضعني في الصدارة، غير أن بلعيد أزاحني، ومنح الشارة لبوستر، من دون أن يفرج عن الترتيب الرسمي، كما أنه نفذ مخططا كشف به نواياه تجاهي، إذ أرسل مرة أخرى شقيقه نورالدين لمعاينتي في لقاء جمعية وهران وأولمبي المدية، فحرر تقريرا أسود ضدي، بلغت به الجرأة حد اتهامي بتلقي رشوة، فضلا عن انتقاده للكثير من القرارات التحكيمية، ليطلب إقصائي من السلك مدى الحياة، ولكارن تجرأ على إرسال ذلك التقرير إلى الفيفا، مع مطالبتي بالرد على مساءلة، وهي الحادثة التي جعلتني اقتنع بأنه مصمم على تحطيم مشواري التحكيمي، رغم أنني طلبت حينها مقابلة رئيس الفاف روراوة، لكن التزام الصمت دفع بي إلى الهجرة إلى كندا بعد ذلك بيومين فقط، لأنني رحت ضحية تصفية حسابات، وسقوط مولودية وهرانبالشلف كان بمثابة المنعرج الأليم في حياتي، رغم أنني أدرت تلك المواجهة بضمير مرتاح، إلا أن العواقب كانت وخيمة، بحرماني من الشارة الدولية، وإجباري على تجرع مرارة «الغربة» على مضض، لأن طموحاتي كانت كبيرة وتمينت تحقيقها في بلدي، وأنا أذرف الدموع بحرقة شديدة عندما أتذكر تلك الحادثة. حاوره: ص / فرطاس زكرياء بن باكة من تولوز بفرنسا: التحكيم في الجزائر ينخره السرطان ولن أنسى ما فعله حموم *كيف هي الأجواء التي تعيشونها بفرنسا منذ ظهور هذا الوباء؟ شخصيا لم أتمكن من تطبيق الحجر الصحي إلا في الفترة المسائية، لأنني أعمل على مستوى إحدى مكاتب البريد بمدينة تولوز، والمنصب الذي أشغله يجعلني ضمن قائمة الموظفين المعنيين، بضمان الحد الأدنى من الخدمات في هذه المرحلة الحساسة، وعودتي إلى المنزل تكون في المساء، وعليه فإن ريتم الحياة اليومية لم يتغير كثيرا بالنسبة لي، لكن التزام التدابير الوقائية يبقى ضروريا، لأننا في مكتب البريد نتواصل مع المواطنين، ومنذ ظهور الفيروس أصبحنا مجبرين على التنقل إلى بيوت الزبائن، والمدينة عرفت تسجيل أزيد من 180 حالة وفاة، وإجراءات الحجر صارمة، خاصة وأن الحركة شبه مشلولة، وتواجد المواطنين يكون أكثر على مستوى المراكز التجارية، ولو أن الأرقام المسجلة في فرنسا مخيفة، لأن الحصيلة ثقيلة جدا، ودخول الحجر الكلي أسبوعه الخامس لم يكن كافيا لتراجع المنحنى، وهذا كله بسبب التأخر في اتخاذ الاجراءات الاحترازية، لأن الإيطاليين ظلوا يتنقلون إلى فرنسا حتى بعد انتشار كورونا، الأمر الذي تسبب في كارثة وبائية في معظم البلدان الأوروبية، والتحرك الميداني للوقاية كان متأخرا. *ألم تتخوف إطلاقا من التعرض لإصابة بالفيروس، في ظل التواصل مع مواطنين آخرين في هذه الفترة الحساسة ؟ ظروف العمل وضعتنا في مواجهة شبح الخوف من انتقال العدوى من زبون مصاب، رغم توفر وسائل الوقاية واتخاذ بعض التدابير، سواء على مستوى مقر مكتب البريد، أو عند التواصل مع الزبائن في مساكنهم، لأن درجة الخطر كبيرة جدا، مادامت الحصيلة في فرنسا ثقيلة، لكن للضرورة أحكام، والشلل الكبير الذي تعرفه شوارع تولوز، منذ الشروع في تطبيق الحجر الصحي الكلي خفف نسبيا من درجة الضغط النفسي، الذي نعيشه منذ ظهور الوباء في فرنسا، وعودتي إلى المنزل مساء تكون بحذر كبير، لأن الأسرة ملتزمة بتدابير الحجر، وأنا الوحيد الحائز على ترخيص بمغادرة البيت لظروف معينة، ولو أن هذا الفيروس جعلني أعيش فترة عسيرة جدا، لأن أسرتي مشتتة بسبب تعليق الرحلات الجوية، لأن لدي إبنان هما حاليا بقسنطينة، ذهبا لقضاء عطلة خفيفة، وزيارة أجدادهما، لكن ظهور «كوفيد 19» أجبرهما على البقاء هناك، والتأرجح بين بيت الأعمام بحي الإخوة بوشامة ومنزل الأخوال بشارع بلوزداد وسط مدينة قسنطينة، بينما أتواجد أنا رفقة الزوجة وابنتي الصغرى بفرنسا. *هذه الوضعية تجبرك بالتأكيد على التواصل يوميا للاستفسار عن أحوالهما وأحوال العائلة بقسنطينة؟ الأوضاع التي نعيشها بفرنسا منذ ظهور الوباء زادت من «حرقة» الغربة في قلبي، لأنني لم أتمكن إلى حد الآن من التأقلم مع ظروف المعيشة في «المهجر»، وتعلقي بقسنطينة وشوارعها وكذا عائلتي وأصدقائي يبقي الكثير من الذكريات راسخة في مخيّلتي، وأجد نفسي مضطرا لاسترجاعها من حين لآخر للتخفيف من ألم الغربة، لأن مدينة تولوز تعرف تواجد الكثير من أفراد الجالية الجزائرية، لكن غالبيتها من ولايتي وهران ومستغانم، وأنا لا أحتك بهم إلا في حالات نادرة، فما بالك الآن والعالم برمته يشهد انتشار وباء خطير، إذ أنني أتواصل يوميا مع العائلة بقسنطينة للإستفسار عن أحوال الأسرة الكريمة، وبالمرة متابعة الأوضاع السائدة في الجزائر، وما يهز مشاعري تلك المشاهد التي أتابعها عبر قنوات التلفزيون، والخاصة بالطوابير الطويلة للمواطنين من أجل الظفر بكيس سميد، لأن هذه السلوكات تدل على عدم إحساس فئة كبيرة من المجتمع الجزائري بخطورة الفيروس، لأن هذا «السيناريو» كان السبب الرئيسي في الكارثة التي تعيشها فرنسا حاليا، ومحاولة تدارك الوضع بعد انتشار الوباء ستكون فاشلة، لأن العنصر البشري هو الحامل والناقل للفيروس في آن واحد. *ماذا عن وضعيتك الحالية في التحكيم، خاصة وأنك كنت قد سجلت تواجدك في هذا السلك بالجزائر قبل التوجه إلى فرنسا؟ الحديث عن مغامرتي في سلك التحكيم يزيد في تعميق جراحي، لأن طموحاتي كبيرة، لكنني كنت ضحية مخطط نفذه باحكام الرئيس السابق للجنة الفيدرالية خليل حموم، بالتواطؤ مع بعض الأطراف المحسوبة على صفه، وحاليا أنا منخرط في رابطة تولوز، وأدير مباريات الدرجة الثالثة للبطولة الفرنسية، وأسجل تواجدي بصورة منتظمة في التعيينات الأسبوعية، كما حظيت بإدارة نهائي كأس الرابطة «الأوكسيتانية» قبل موسمين، فضلا عن استفادتي من النظام المعمول به في سلك التحكيم بفرنسا، لأن التواجد في القائمة المعتمدة من طرف الاتحادية، يستوجب التعاقد مع فريق للتكفل بمهمة تلقين اللاعبين الدروس الخاصة بقوانين اللعب، وهذا الإجراء سمح لي باقتحام مجال التكوين دون مركب نقص، إلى درجة أنني أصبحت أتكفل بالإشراف على تكوين الحكام الجهويين برابطة تولوز. *وجهت أصابع الاتهام للرئيس السابق للجنة التحكيم حموم، فهل من توضيحات بخصوص هذه القضية؟ اتهامي لحموم يعود بالدرجة الأولى إلى المخططات التي كان يرسمها، لأنه كان في سنة 2016 قد أدرجني ضمن قائمة الحكام الذين تم انتقاؤهم للتنافس ميدانيا على الشارة الدولية في ظرف موسمين، وهذا رفقة كل من إلياس بوكواسة وميسوم بوعبدالله، على اعتبار أنني كنت حائزا على الشارة الفيدرالية، لكن هذا الانتقاء كان مجرد إجراء شكلي فقط، لأن حموم كان بالتنسيق مع بعض المختصين في الكواليس من المحسوبين عليه قد بسطوا نفوذهم، واستغلوا الفرصة لترقية حكام «الحاشية» التي تنفذ أوامرهم وتعليماتهم عند إدارة المباريات، وهذا الفساد كان يعلمه الجميع، لكن دون أن يحرك مسؤولو الفاف ساكنا، وتقارير المراقبين تحرر حسب المزاج، الأمر الذي جعلني أقتنع بأنني لست معنيا بهذا السباق، لأنني كنت أتواجد خارج فلك حموم وجماعته، وعند تجريد نسيب من الشارة الدولية، بسبب الخطأ التقني الذي ارتكبه في لقاء نصف نهائي كأس الجزائر تمت ترقية السعيد عوينة لتعويضه، وأنا لم أشكك حينها في قدرات هذا الحكم، لأنه كان يكبرنا سنا، كما أننا في تلك الفترة لم نكن نستوفي شرط إدارة 21 لقاء في الرابطة الأولى، وفي الموسم الموالي إلتحق إلياس بوكواسة بمصاف الدوليين، لكنني كنت حينها قد فضلت خوض تجربة «الغربة» بسبب «الحقرة» التي تعرضت لها في السلك، خاصة وأنني كنت مرة معينا لإدارة إحدى مباريات نادي بارادو، فتم تحويلي في السهرة إلى بطولة ما بين الجهات، دون نسيان سياسة الكيل بمكيالين التي كان ينتهجها المسؤول الأول على سلك التحكيم في التعيينات، وحتى في التعامل مع الحكام في الملتقيات والتربصات التكوينية والتقييمية. *ألم تفكر في العودة إلى الجزائر واستئناف مشوارك مع التحكيم، بعد التغيير الذي حصل على مستوى الفاف؟ التغيير الذي حصل على مستوى اللجنة المركزية لم يكن كافيا لتخليص التحكيم الجزائري من ترسّبات الماضي، وكأن الأمر انحصر على تغيير الأسماء فقط، والدليل على ذلك أنني بادرت إلى الاتصال بالطاقم الجديد للجنة سعيا لرسم مخطط عودتي، لكن «الصدمة» كانت قوية، لما طلب مني عضو البقاء في فرنسا، وبرر موقفه بتوفر الإمكانيات مقارنة بالجزائر، وهذا «السيناريو» تكرر في مناسبتين منذ تنصيب المكتب الفيدرالي الجديد، رغم أنني جد متحمس للعودة إلى بلدي من أجل تجسيد حلم انتزاع الشارة الدولية، وتجربتي الشخصية بفرنسا سمحت لي بالوقوف على المكانة الحقيقية للحكم خارج الجزائر، ولو أن الكفاءة الميدانية تبقى بصمة جزائرية خالصة، إلا أن الفاف لا تعمل على الاستثمار الميداني فيها، بينما يبقى السلك في فرنسا يفتقر للكفاءات، التي من شأنها ان تعيد للصفارة الفرنسية سمعتها العالمية، والتي ظلت مقتصرة على فوترو، رغم تسخير امكانيات مادية معتبرة، وأبرز دليل على ذلك حيمودي، الذي عاني التهميش في بلده، غير أنه أصبح من أبرز المكونين في فرنسا، وهو على تواصل دائم معنا.