هكذا يمكن الانتقال من المعالجة الفيلمية إلى الصناعة السينمائية أعلنت وزارة الثقافة و الفنون في منتصف مارس الجاري، عن برنامج عروض سينمائية بعديد ولايات الوطن، مما يمكن عشاق السينما من مشاهدة أفلام جديدة تعرض لأول مرة، و أخرى حققت الشهرة بعد أن شارك بها أصحابها في مهرجانات وطنية و دولية، هذه الخطوة استقبلت بالترحيب الجماهيري و الكثير من التفاؤل من قبل أهل المهنة، لإصلاح القطاع و تأسيس صناعة سينمائية جزائرية حقيقية، و أثارت في نفس الوقت عديد التساؤلات و الانشغالات، بدءا بفتح عديد القاعات التي أوصدت أبوابها منذ سنوات طويلة و حتمية ترميمها و تهيئتها، لأنها في حالة يرثى لها، على غرار قاعات قسنطينة، و كذا طرق تمويل المشاريع السينمائية و توفير الوسائل و الإمكانات و غيرها.. الانطلاقة السينمائية التي تبدو واعدة، جعلت النصر تفتح ملف إصلاح وضعية السينما الجزائرية، من أجل رصد أنجع الحلول التي يقترحها مختصون من أجل الارتقاء بها، و التأسيس لصناعة سينمائية جزائرية حقيقية، تحقق مداخيل معتبرة و تفتح آفاقا استثمارية و اقتصادية واسعة أمام كافة الفاعلين في هذا المجال بمختلف تخصصاتهم. أكد المتدخلون في ندوة النصر، بأن الانطلاقة السينمائية يجب أن تكون من القاعدة إلى القمة، و الحتمية الاقتصادية التي يفرضها الواقع اليوم، كفيلة بالتحليق بالسينما في السماء السابعة، بشرط أن تتوفر عدة أمور، وعلى رأسها الإرادة السياسية و هو ما وقع فعلا ، من خلال إستراتيجية وزارة الثقافة المرتكزة على الاستثمار، كما يتطلب ترقية الفن السابع في بلادنا، تغيير ذهنيات الفاعلين فيه، لتنتقل من الاعتماد على الريع و ما تجود به صناديق الدعم، ليصبح التفكير مبنيا على صناعة حقيقية تشمل كل الجوانب، دون الإخلال بالهوية و ركائز المجتمع. * الدكتور إلياس بوخموشة عضو لجنة قراءة و دعم السينما بوزارة الثقافة على المنتجين إيجاد هوية سينمائية للأعمال الجزائرية يرى الدكتور إلياس بوخموشة، أستاذ مختص في السينما و عضو الجنة الوزارية لقراءة السيناريو و دعم الإنتاج بوزارة الثقافة، أنه على المنتج الجزائري إيجاد هوية سينمائية متفردة تستقطب المتفرج، هوية خالصة للفيلم الجزائري تميزه شكلا ومضمونا، كي يستطيع دخول السوق العالمية ، و تعطيه فرصة الوجود والمشاهدة و «الاستهلاك»، وعدم الوقوع في تقليد الفيلم الأجنبي المدعوم بأموال طائلة و توزيع عالمي، فالفيلم الجزائري الذي لا يختلف عن كل أفلام جنوب الكرة الأرضية، الفقير إنتاجا و توزيعا، لذلك يجب أن يتلون بلون متميز عن المعروض في سوق الأفلام على الشاشات المفتوحة على الفضاء الكوني. وأوضح الدكتور بوخموشة في اتصال مع النصر، أن مشكلة السينما الجزائرية تكمن في فهم دورها الاجتماعي و الثقافي وتقبل تنوعها، فليس مطلوبا أن تكون كل الأفلام التي تملأ قاعات العرض و بقية الشاشات تجارية، ويجب ألا نقتصر على إنتاج «أفلام المؤلف» فقط، بل المطلوب تنويع الإنتاج لاستقطاب مختلف الأذواق، خصوصا في مرحلة جلب المتفرج الجزائري إلى «الشاشات» المختلفة، فهذا المتفرج حذق ولا يقبل بأقل مما يشاهده مجانا من أفلام أستوديوهات هوليوود و أرضية «ناتفليكس» التي تقدم فرجة مبهرة. مشاكل السينما، وفق المتحدث، متعددة بتعدد تخصصات صناعة الأفلام عامة، فالفيلم هو رؤية و فكرة و ذوق و جرأة و إبداع، يحتاج الكاتب الذي يجيد بنية السيناريو بحرفية و فنية، والمخرج الحامل للرؤية الفنية والقدرة على إدارة فريق العمل من المهرة في الصوت والصورة والإضاءة والمونتاج والميكساج والمؤثرات الصوتية والبصرية، وغيرها من المهارات التقنية، و المنتج و هو المرافق الفعلي للعمل، لأنه ببساطة الشخص الذي يجيد جمع المال من مصادره، سواء العمومية أو الخاصة، كما أنه لولا وجود موزع يجيد الترويج للفيلم بالوسائط الكفيلة بذلك، لما كان للفيلم فرصة الوصول إلى قاعات السينما وبقية الشاشات، مثل الأقراص المضغوطة و الأرضيات عبر الإنترنت و قنوات التلفزيون العامة و المتخصصة، و بقية الشاشات المعاصرة، فكلها وسائط لبيع حق الفرجة لجمهور متعطش لإنتاج محلي رفيع المستوى. و اعتبر المتحدث أن فرصة الفيلم الجزائري تبدأ بفتح قاعات السينما و بقية الشاشات من طرف القطاعين العمومي و الخاص، و بجودة العروض و تنافسيتها و توجيهها لمتفرج جزائري مشتاق وشغوف للخروج من البيت و التوجه لقاعات السينما، ويجعلها عادة أسبوعية أو شهرية لكل الأعمار وكل الأذواق، مع رقابة الدولة لاحترام سن المتفرج، و كذا من أجل شفافية حساب التذاكر و قانونيتها لحماية حقوق المبدع. وأضاف أن التوزيع المتعدد، مصدر لتنويع الدخل المالي الذي يجعل السينما ممكنة، حتى إذا غاب أو انعدم دعم الوزارة الوصية، فالضغط رهيب على الخزينة العمومية التي قامت بتمويل أفلام لم تف بعهودها، فأوقعت الخزينة في مشكل كيفية إرجاع المال الذي «اقترضته» من أجل الفيلم، دون الوقوع في الديون مع البنوك و المؤسسات المالية الأخرى، و يجب ألا يتحول المنتج السينمائي لعالة على الخزينة العمومية و بقية مصادر تمويل الفنون من اقتطاعات مختلفة مباشرة وغير مباشرة لدعم الفنون عموما و السينما خاصة، لأنها تستهلك أرصدة مالية كبيرة. من جهة أخرى، تأسف الدكتور بوخموشة لواقع المنتجين الذين يعانون غياب قاعات السينما وعدم وجود تذكرة رسمية و رقمية، تسمح بكل شفافية، بمعرفة الكم الفعلي لمشاهدة الفيلم، بما يمكنه من معرفة أيضا مقدار المداخيل على مدار المدة التي يوزع فيها الفيلم و تقدير إمكانياته في استرجاع تكلفته وتغطية ميزانيته المبدئية و لما لا الربح المالي بعد ذلك. أما الأفلام التجريبية وأفلام الفن و المحاولة، فلها قواعدها التمويلية و ليست خاضعة لسياسة العرض والطلب، وهي التي تحتاج فعلا لدعم الوزارة، لأن وجودها غايته تسويق الإشعاع الثقافي للبلد، بمشاركتها في المهرجانات الدولية و ليست سلعة غرضها تحقيق ربح مادي من شباك التذاكر. * الكاتب الصحفي إبراهيم صديقي السينما الجزائرية محرومة من طاقات وقدرات غير مستغلة استهل الكاتب الصحفي إبراهيم صديقي حديثه مع النصر، بخصوص إصلاح الوضع السينمائي، أن السينما الجزائرية سجلت و تسجل حضورا مميزا في المشهد الفني، لكن بنسبة لا تتجاوز 5 بالمئة من القدرات، مما يبرز أن 95 بالمئة من القدرات لم يفسح لها المجال للانطلاق، و رغم ذلك، فالوصاية الحالية، التزمت بمرافقة هذا الفن مع التركيز على الجودة و الشفافية، مما يبعث على الأمل و الارتياح بخصوص آفاق الإنتاج السينمائي في بلادنا، لكن بالمقابل على المستفيدين أن يكونوا في مستوى ما تقدمه الوصاية، بالحرص على التميز و تشريف السينما الجزائرية. وأضاف إبراهيم صديقي، المحافظ السابق لمهرجان وهران للفيلم العربي، بأن البداية تكون بتطعيم المناهج التربوية بالمادة الثقافية والفنية عموما، لضمان أجيال تحب الفنون و تتذوقها، لأن الملاحظ أن المجتمع الجزائري لا يولي أهمية لمختلف الفنون و السينما على وجه التحديد، مردفا أنه بالموازاة مع إدراج حصص الفنون والسينما في الأطوار التعليمية التربوية، يجب أيضا تأهيل القاعات السينمائية القديمة، والعمل على إنشاء قاعات جديدة في مختلف الفضاءات الحيوية التي تشهد توافدا للجمهور، مثل فضاءات التسوق، على غرار ما يحدث في العالم. و أضاف المتحدث أن العمل السينمائي إبداع وعمل مركب من الفنون و المهن، وحين تجتمع المواهب مع المهنة والتقنية يجب مراعاة الدقة في كل الاختيارات، مبرزا أن المشكل ليس فقط في الدعم المادي للسينما، بل يكمن في انشغال الناس المتزايد، و عزوف الجمهور عن ارتياد قاعات السينما، ولا يمكن استرجاع هذا الجمهور، إلا بالاعتماد على الجودة و الجودة فقط. وبخصوص الدعم المادي للمنتوج السينمائي، اعتبر صديقي أن الدولة تحملت ولا تزال تتحمل الأعباء المادية للإنتاج، تحت مختلف الصيغ والمسميات، وهذا يدخل في صلب التزاماتها مع العمل الثقافي عموما، وهو شائع ومعمول به في العالم، لأن الثقافة من بين القطاعات القليلة في العالم، التي تقف الدولة إلى جانب ديمومة إنتاجها، مهما كانت الظروف. * الدكتور فيصل صحبي أستاذ بقسم الإعلام و الاتصال جامعة وهران1 يجب اعتبار الصناعة السينمائية بضاعة ثقافية " ارموا بالسينما إلى الشارع والفضاءات العمومية و النوادي السينمائية وغيرها، ليحتضنها ويتبناها الشعب"، هذا هو الحل الذي يأتي من القاعدة، بعد فشل السياسات الفوقية في علاج أزمة السينما ببلادنا، وفق الدكتور فيصل صحبي، أستاذ بقسم الإعلام و الاتصال جامعة وهران1، و صاحب أطروحة دكتوراه حول السينما. و أضاف الدكتور صحبي في حديثه مع النصر، أن معالجة الأمراض المسببة للأزمة، بإمكانها إخراج السينما الجزائرية من حالتها السباتية، و مواجهة مشاكلها الهيكلية، فإيجاد الحلول يتطلب مشروعًا طويل الأمد ، و رؤية موسعة وشاملة، في إطار سياسة ثقافية من شأنها التأسيس لطلب حقيقي ومنظم. و أوضح المتحدث أنه من بين الحلول التي يمكن اقتراحها للنهوض بقطاع السينما، بعد أن أثبتت السياسة العمومية المرتكزة على الأعمال التطوعية محدوديتها، هي العودة إلى القاعدة و السعي لعلاج المرض وليس الأعراض، فكل الحلول الفوقية، لن تصل إلى نتيجة إذا استمر الوضع على هذه السيرورة. وقال الدكتور صحبي، إن أحد أضلاع الحل للنهوض بالسينما، هو اعتبار الصناعة السينمائية بضاعة ثقافية، فالصناعة السينمائية، وفقه، لها علاقة بكل الصناعات الأخرى، خاصة منها الثقافية، وضرب لنا مثالا عن قاعة سينما السعادة بوسط وهران، التي تمت إعادة هيكلتها وتحديثها و تعرض أفلاما من السينما العالمية، فرغم أن سعر التذكرة مرتفع، إلا أن هناك إقبال من طرف الجمهور. وبخصوص هذا الأخير، نبه أنه يجب عدم الجزم بأنه يأتي إلى قاعة السينما فقط، لأنه محب للسينما و الأفلام، بل، مثلما أضاف، محدثنا فإنه عند دراسته للجمهور في أطروحته، وجد أن البعض قد يدخل إلى قاعة العرض طلبا للراحة الجسدية أو الفكرية، والبعض الآخر يعتبرها متنفسا من ضغوط الحياة اليومية، ومنهم من يكون مارا بالمكان، فيدخل دون أسباب واضحة، فمشاهدة الفيلم السينمائي، قد تحوله إلى بضاعة ثقافية. و اقترح بهذا الصدد، أن يتم استغلال مداخيل القاعات التي تعرض أفلاما أجنبية و تجلب الجمهور، لدعم إنتاج أعمال جزائرية، معتبرا أنه يجب التفريق بين ما هو فيلمي وما هو سنيمائي، ووفقه، تكون الأولوية للإصلاح السنيمائي، عوض معالجة الفيلمي، لأن كل مبادرات الإصلاح التي شهدتها الجزائر، كانت ترتكز على كيفية إنتاج و إخراج أفلام، دون الأخذ بعين الاعتبار بيئة التلقي من قاعات عرض وجمهور وتوزيع وغيرها، حيث يجب توفير البنية الثقافية والمادية التي تسمح للجمهور بمشاهدة الفيلم، قبل إنتاجه، وعليه يجب معالجة الوضع من القاعدة، ثم الصعود إلى القمة و ليس العكس. ودعا أيضا إلى تلقين التربية حول الصورة و السينما في الأطوار التعليمية الثلاثة، وتعميم نوادي السينما في الأحياء الجامعية و تشجيعها، متأسفا في الوقت نفسه من حذف مقاييس السينما من البرنامج البيداغوجي لطلبة الإعلام و الاتصال، خاصة تخصص السمعي البصري. من جانب آخر، أبرز الدكتور صحبي أن الجزائر حالة خاصة في المجال السينماتوغرافي، فهي البلد الوحيد في العالم الذي تحصل على السعفة الذهبية، و أوسكار أحسن فيلم أجنبي، و كان ينتج عشرات الأفلام في السنة، دون أن يكون لها سيرورة عادية للصناعة السينماتوغرافية، و ربما، وفقه دائما، تعد الجزائر البلد الوحيد في العالم الذي ينتج سنويا معدل أفلام طويلة ،تتعدى عدد قاعات السينما المفتوحة للجمهور، ولديها برنامج عروض مضبوط. و أوضح أنه رغم البحبوحة المالية التي عاشتها الجزائر، خاصة بين "2009-2014، وهي أيضا الفترة التي برز خلالها شباب سينمائيون تمتعوا بنوع من الاستقلالية في أعمالهم، في فضاء تميزه سياسة ثقافية تطوعية في الأفعال و الوقائع، إلا أن الخلل بدا واضحا في توفير هياكل استقبال الجمهور و في الإنتاج. بالرغم أن بعض المختصين والملاحظين يعتبرون السينما الجزائرية تعيش في أزمة منذ ثلاثة عقود فقط، إلا أنها في الحقيقة، كانت دائما في أزمة منذ الاستقلال، حيث تعاني من مشكل الهياكل والنظام البنيوي، فهي لم تصمد على مدار هذه السنين، سوى لأنها كانت تتغذى من المساعدات التي تأتيها من الدولة، كما يمكن إرجاع عزوف الجمهور عن السينما، للتدهور والوضعية الكارثية التي كانت عليها قاعات العروض، وهو الحال الذي أثر سلبا على الإنتاج السينمائي أصلا، لأنه لا يمكن أن يوجد إنتاج دون قاعات سينما، مبرزا أنه في ظل هذه الظروف، لا يمكن للمنتج أن يغامر بأمواله في فضاء يصعب فيه توزيع المنتوج ويغيب فيه الجمهور وينعدم فيه نظام التذاكر، مضيفا أن فترة التسعينات، أدت إلى تعميق الأزمة، حين عاش المجتمع صدمة الإرهاب، وشلت الحياة العامة وتوقفت النشاطات، ومنها السينمائية. و أردف الدكتور صحبي، أن في الماضي أي خلال السنوات التي أعقبت الاستقلال، كان صندوق تطوير الفن والتقنية والصناعة السنيمائية "فداتيك"، الممول الأساسي للإنتاج الوطني، و كانت توزع المساعدات المالية بعد دراسة الملف و قراءة السيناريو، وكان يتم تمويل الصندوق من مداخيل قاعات السينما، أي حصيلة التذاكر التي يقتنيها الجمهور والذي كان يتوافد على قاعات السينما بشكل كبير سابقا، مما جعل 80 بالمئة من مداخيل الصندوق تأتي من التذاكر آنذاك. أما في التسعينات، فقد دخلت المداخيل مرحلة السقوط الحر، بعد غلق المؤسسات العمومية للسينما، و العدد المحدود لقاعات العرض، فوجدت وزارة الثقافة نفسها أمام إلزامية تمويل الصندوق، من أجل تقديم الدعم المالي لبعض الإنتاجات السينمائية التي كادت أن تكون نادرة. * الدكتور عبد القادر مالفي أستاذ مشرف على تخصص السمعي البصري بجامعة مستغانم يجب إعادة النظر في الجانب الاقتصادي للسينما و إبعادها عن الإيديولوجي كشف الدكتور عبد القادر مالفي، أن فريقا من أساتذة و باحثين يعكفون حاليا على إنجاز فيلم وثائقي حول واقع الصناعة السينمائية في الجزائر، وهو مشروع من المنتظر أن ينتهي في ديسمبر 2021، ليكون وثيقة في تاريخ السينما الجزائرية، ويشرف على المشروع الوطني مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية "كراسك وهران" مجموعة من الأساتذة والباحثين. وقال الدكتور مالفي، وهو أستاذ مشرف على تخصص السمعي البصري بجامعة مستغانم و باحث مشارك بكراسك وهران، في لقائه مع النصر، أنه لحد الآن يمكن استخلاص من التسجيلات التي أنجزت على مدار الأشهر الماضية، أن السينما عملية اقتصادية، وعليه يجب إعادة النظر في هذا الجانب الأساسي، وعدم حصر وإبقاء السينما في الشق الفني، وكذا إبعادها عن الإيديولوجي، لأن الإيديولوجيا تقتل الفن، بينما الاقتصاد ينعشه ، كما أكد، وهي جوانب يشملها المشروع الذي يتطرق للصناعة السينمائية من إنتاج، إخراج، توزيع، التكوين، العرض وأداء الفنانين والدعم المالي. كما يمكن اعتبار أن حل عدة مؤسسات خاصة بالسينما في سنوات التسعينات، له أثر سلبي على مواصلة تألق السينما الجزائرية، و نهضتها وهي المؤسسات التي كانت تشرف على المنتوج السينمائي، وتأثرت السينما أكثر بغلق قاعات العرض، لأن شباك التذاكر هو المعيار الحقيقي للصناعة السينمائية، كما أن ما كتب حول السينما الجزائرية ضئيل جدا، ومن بين ما تم استخلاصه كذلك، عدم خضوع الأجيال الجديدة للتكوين المتدرج، فهم اليوم ينتقلون من المرحلة الأولى إلى مراحل متقدمة، دون احترام سلم المعايير والمرور بأساسيات السينما و قواعدها. وأوضح المتحدث أنه في شق الإخراج، قام الباحثون بتسجيل سمعي بصري مع عدة مخرجين من أجيال مختلفة، ومنهم محمد حويذق الذي أوضح أنه لا يوجد تكوين للمخرجين السينمائيين، بل على من يدخل مجال الإخراج السينمائي، أن يلم بكل المهن و يشتغل كمساعد مخرج، حتى يصبح قادرا على مباشرة عملية الإخراج. فيما استغرق التسجيل مع المخرج أحمد راشدي ساعة و30 دقيقة، تحدث خلالها عن تاريخ السينما الجزائرية الذي كان في بدايته سلاحا لمقاومة المستعمر، وكانت الصور هي الرصاص الذي يطلق، كما أبرز المختص في السينما أحمد بجاوي في اتصال مع فريق البحث، لأنه خارج الوطن، أنه يوجد في الجزائر أفلام، لكن لا توجد سينما، وتم التسجيل أيضا مع المخرج سيد علي مازيف الذي تحدث عن تجربته، وكيف أنه و بقية زملائه في المجال ، كانوا ينجزون أعمالهم الفنية بإمكانيات بسيطة، لكن كان الإبداع فيها كبيرا. من جانب آخر، تم التسجيل مع مخرج من الجيل الجديد وهو لطفي بوشوشي، مخرج فيلم "البئر" الذي نال عدة جوائز وطنية وعالمية، وكذا ياسمين شويخ صاحبة فيلم "إلى آخر الزمان" التي اعتبرت أن مشاهدة الفيلم في قاعة السينما، له خاصية مميزة من خلال زاوية النظر التي تكون انعكاسية، وبالتالي تشد الجمهور أكثر، و تجعله يعود لمشاهدة الأفلام في قاعات العرض، و ينتظر أن يتم التسجيل مع المخرج جعفر قاسم، بينما تعذر الاتصال بالمخرج لخضر حمينة، و هو خارج الوطن، وفق المتحدث. و أشار الدكتور مالفي، إلى أنه تم لحد الآن التسجيل مع تقني، رافق عدة أفلام سينمائية جزائرية، وهو مهندس الصوت كمال مكسر، الذي قال إنه خلال التنقلات الفنية للجزائريين إلى الدول العربية خاصة، كانوا يبهرون نظراءهم في كل بلد، بالمعدات التي كانت حديثة و قوية، و بالتحكم التقني عالي المستوى. و ذكر السيد مكسر خلال التسجيل، وفق محدثنا، أن يوسف شاهين الذي كان سمعه ضعيفا، وكان يضع سماعة أذن انبهر بالكفاءات الجزائرية ونزع سماعته لأنه سمع التسجيلات الجزائرية بطريقة عادية، من شدة صفائها وتقنياتها، وهذا أيضا بفضل الإرادة القوية لكل فريق العمل الذي كان يسعى لرفع اسم الجزائر عاليا بين الدول. وشمل مشروع البحث، شقا يتعلق بمؤسسات السمعي البصري و الإنتاج السينمائي التي أنشئت قبل التسعينات، حيث تم تناول عدة جوانب لها، منها التسيير والإدارة وكيفية البحث عن التمويل وغيرها. بالنسبة للممثلين، أجريت مقابلات مع حسان بن زراري ونوال زعتر، فتحدثا عن تجاربهما الفنية التي كانت مميزة، في انتظار ما ستؤول إليه مخرجات العمل البحثي الأكاديمي من مقترحات لإصلاح الوضع السينمائي في بلادنا.