تحتضن بلدية بوراوي بلهادف، بأعالي ولاية جيجل، غابات و أماكن جبلية رائعة، يمكن أن تتحول إلى مقصد عالمي للزوار، لما تتوفر عليه من مقومات طبيعة فريدة من نوعها، و بالأخص غابتا طهر مدران و الزان اللتان تسحران الزوار، بفضل كثافة أشجار الزان الباسقة و تميز كل فضاء غابي عن الآخر، وهو ما حولهما إلى مقصد لعشاق الطبيعة و محبي المغامرات الجبلية. ك. طويل و تعتبر، بلدية بوراوي بلهادف، من بين البلديات التي تزخر بمقومات هامة من شأنها تنشيط السياحة الجبلية لما تملكه من فضاءات و أماكن غابية يمكن تثمينها مستقبلا، في حال توفر الإرادة لتحقيق ذلك. تقع البلدية في الجنوب الشرقي للولاية وتبعد عن عاصمتها بحوالي 62 كيلومترا، عدد سكانها 11 ألف نسمة، و مساحتها الإجمالية ب 64,38 كيلومترا يحدها من الشمال بلديتا العنصر و الجمعة بني حبيبي و من الجنوب بلدية أولاد عسكر، و من الشرق بلدية أولاد يحي خدروش و من الغرب بلدية برج الطهر، 70 بالمائة من مساحتها غابات، و تعتبر البلدية فلاحية بامتياز لاحتوائها على مناطق مختلفة للزراعة، و يركز أغلب القاطنين بها على تربية المواشي والفلاحة وزراعة أشجار الزيتون. غابة الزان بغدير الكبش جنة مخفية كثر الحديث مؤخرا، من قبل جمعيات سياحية و نشطاء بيئيين حول الغابتين، وهو ما دفعنا لزيارتهما، كانت البداية بغابة الزان، المتواجدة بغدير الكبش، و هي منطقة جبلية عذراء، تمتاز بأشجار الزان الكثيفة و الطويلة، بعد الوصول إلى الطريق المجاور للغابة التقينا ببعض من أبناء المنطقة، ممثلين عن بعض الجمعيات المحلية، رافقنا أحد السكان في جولتنا وكان دليلنا في الغابة. سرنا رفقته لمدة تفوق 20 دقيقة، عبر مسلك متوسط الصعوبة، و لكنه شاق بالنسبة للكثيرين، و أخبرنا مرافقنا « بأن الغابة و بالرغم من صعوبة الوصول إليها، إلى أنها قبلة للعديد من العائلات و خصوصا التي تنحدر من المنطقة، إذ يأتي إليها الكثيرون بشكل مستمر و خصوصا في الفترة المسائية، بالإضافة إلى أبناء البلديات القريبة و من يجدون فيها مكانا مناسبا لممارسة الرياضة». أخبرنا أيضا، بأن فتح مسلك مناسب نحو الغابة، بات ضرورة خصوصا في ظل تزايد الإقبال عليها، لأن ذلك من شأنه أن يسهل حركة السير و التنقل، و هو المطلب و الانشغال الذي رفعه السكان عدة مرات، لأجل تثمين ما تتوفر عليه الغابة من مقومات مهمة، علما أن المنطقة تخر أيضا بتاريخ ثوري ثري، تعكسه تضحيات أبنائها خلال الثورة التحريرية و العشرية السوداء. و تحدث مرافقنا، عن خصوصية المكان الذي ينعم بالهدوء طوال أيام السنة، وكيف أنه ملاذ للباحثين عن الراحة و محبي الطبيعة، وهو واحد منهم كما عبر ولذلك فمن عادته أن يقضي ساعات طويلة داخل الغابة ليستمتع بهوائها المنعش و درجة الحرارة المعتدلة خصوصا خلال أيام الحر التي يكون فيها هذا الفضاء مكيفا دائما وبصورة طبيعية. تابعنا سيرنا صعودا حتى وصلنا إلى مرتفع منحنا إطلالة شاملة على بلدية بوراوي، التي بدت جميلة كتلك القرى في الأفلام و القصص، ثم بلغنا خلال جولتنا منتصف الغابة تقريبا، وقد حظينا حينها بمتعة التواجد وسط أشجار الزان التي تعانق أغصانها السماء، حينها تملكنا نوع من السكون عززه هدوء الغابة التي تضيع فيها الاتجاهات. كان الهواء نقيا و منعشا و الفضاء واسعا ومتراميا وهو ما منحنا شعورا جميلا يمكن وصفه بأنه تأثير الطبيعة العذراء، التي تغويك للتخييم و المبيت بين أحضانها و تبعدك عن ضجيج المدن و دخان السيارات و تزاحم البشر، خصوصا وأن من يقاسمونك المكان في الغابة هم حيوانات غير مؤذية كالعصافير و بعض الأبقار الشاردة. أخبرنا أحد أبناء المنطقة، بأنه يكتشف روعة المكان لأول مرة، و لم يتصور يوما بأنه يقطن على مقربة من جنة مخفية معلقا : « لأول مرة أكتشف الغابة، فعلا هو مكان فريد، و الهدوء هنا لا يمكن وصفه، أشجار الزان الباسقة، تشعرك بالراحة والرهبة في آن واحد والهواء شاف كجرعة دواء». محدثنا أكد من ناحية ثانية، بأنه قرر تغيير وجهته العائلية في نهاية الأسبوع القادم، من الشاطئ إلى الغابة، كما قال، بأنه سيعمل على التعريف بالمنطقة والترويج لها سياحيا بشكل أكبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي. و يطلب أبناء المنطقة من السلطات تثمين هذه المقومات الغابية، و تهيئة الطريق لتشجيع الزوار على زيارة الغابة، في إطار دفع قاطرة السياحة الجبلية التي تحظى باهتمام متزايد من قبل الشباب الجزائريين. غابة بني مدران قلعة من قلاع الولاية التاريخية الثانية توجهنا، بعدها، إلى غابة بني مدران الواقعة بمنطقة تازة، و قد صارت مقصدا لعشاق الطبيعة من مختلف ربوع الوطن، بوصفها واحدة من أكثر المناطق استقطابا لمحبي المغامرة في أحضان المساحات الخضراء ببلدية بوراوي بلهادف، ومكانا يمكن أن يحظى الإنسان فيه بالراحة و يملأ رئتيه بالهواء النقي. و قد اكتشف الكثيرون هذه الغابة وما تزخر به من مقومات طبيعية، خلال فترة الجائحة، حيث أصبحت قبلة للهاربين من جحيم الحجر الصحي. تزامن تواجدنا في المكان مع جولة لأحد مجاهدي المنطقة، والذي قابلناه صدفة، فحدثنا عن تاريخها الثوري المهم، مشيرا إلى أنها تعد من بين المناطق التي احتضنت ثورة التحرير المجيدة، وأخبرنا عمي « أحمد» أحد أعيان المنطقة، بأن الغابة كانت معقلا للثوار والمجاهدين، الذين احتموا بأشجارها الباسقة، وانطلقوا منها للقيام بعملياتهم ضد المستعمر، بالإضافة إلى أنها كانت مكانا للقاء الثوار وشهدت وقوع معارك عديدة. وأضاف محدثنا، بأنّها كانت تمتد ضمن إقليم الولاية التاريخية الثانية، التي كان مقرها يقع غير بعيد عن المكان، وقرابة المركز الصحي للمجاهدين والمسجد الذي كان أيضا محطة مهمة للمجاهدين، يستغلونه كبرج مراقبة لرصد تحركات العدو. كما أشار عمي أحمد، إلى أن الغابة عرفت اشتباكات عديدة بين المستعمر والثوار، وقد ارتوت أرضها بدماء العشرات من الشهداء. أفضل وجهة للنزهات العائلية وتعرف غابة طهر مدران، في السنوات القليلة الأخيرة إقبالا متزايدا للعائلات التي تفترش بساطها الأخضر تستظل بظل أشجارها طيلة أيام الصيف والربيع، حيث يجلب الزوار خلال نزهاتهم، ما يلزمهم من طعام لأجل مضاعفة المتعة وإطالة ساعاتها، وقد قابلنا في المكان كثير من المستجمين، أخبرنا أحدهم، بأن الغابة من بين الأماكن المفضلة عنده، يزورها باستمرار رفقة أطفاله و قد اكتشفها خلال جائحة كورونا حين كان يبحث عن أماكن تخفف وطأة الحجر الصحي. و ذكرت زائرة، بأن زيارة الغابة هي فرصة لمعانقة الطبيعة العذراء واستنشاق نسمات الهواء، وأنها فضاء للترويح عن النفس وتغيير الأجواء، فيما، يفضل الشباب ممارسة المشي والتخييم، و لعب كرة القدم، كون المنطقة يوجد بها ملعب ترابي، مع منبع مائي مياهه عذبة و نقية وصالحة للشرب، و ذكر، أحد أبناء المنطقة، بأن العديد من العائلات القاطنة في البلديات مجاورة تأتي لقضاء وقتها في المنطقة الخلابة. ومع إقبال الزوار على المنطقة بشكل متزايد، فقط استغل شباب الوضع لأجل الاسترزاق من خلال بيع الفواكه الموسمية و الذرة المشوية و الشاي و المأكولات الخفيفة على حواف الطرقات المؤدية إليها، وهي معروضات يطلبها الزوار بكثرة. و ينتظر سكان المنطقة، أن تضع السلطات المحلية مخططا للاستثمار بجدية في الغابة، من خلال توفير بعض الفضاءات المناسبة للراحلة واللعب و ممارسة أنشطة متنوعة كالرياضة و غيرها.