تعرف وسائل الإعلام و منصات التواصل الاجتماعي تداولا مكثفا و سريعا لصور القتلى و الجرحى و مشاهد الدمار الناجمة عن الزلزال الذي ضرب مناطق من سوريا و تركيا و خلف كارثة إنسانية حقيقية، مع التركيز على نشر صور الضحايا من الأطفال و مقاطع مأساوية يصعب على البعض تحمل رؤيتها، وهو سلوك حذر مختصون في علم النفس والإعلام، من تبعاته النفسية الوخيمة على قطاع من المتلقين، مع التأكيد بأن الصدمة القوية قد تخلف عقدا و مشاكل نفسية طويلة الأمد، واقترحوا بالمقابل حلولا مناسبة للاستمرار في النشر بطريقة أكثر ملاءمة للمتلقي. ك. طويل * أستاذ الإعلام و الاتصال هشام بطاهر يجب التركيز على التكافل البشري وحملات الإغاثة أكد أستاذ الإعلام و الاتصال بجامعة جيجل، هشام بطاهر أن جزءا من المتابعين اليوم، ما عادوا مهيئين لقراءة أو مشاهدة الكثير من الأخبار عن الجرحى والقتلى و سماع أعدادهم ولذلك و جب على وسائل الإعلام تجاوز المعالجة التقليدية للكوارث والأزمات، فحتى وإن كان لبعض المعطيات مثل أعداد الضحايا جدوى خبرية، إلا أن لها كما قال، تبعات نفسية واجتماعية سلبية على جمهور المتلقين، علما أن هذا الجمهور اختلف كثيرا بفعل مفرزات الوساط الرقمية والتكنولوجيا. و حسب المتحدث، فإن مسؤولية وسائل الإعلام تتوقف على أمرين مهمين، أولهما استحداث زاويا معالجة مختلفة و متميزة و تحديد نوعية المواضيع الأكثر استقطابا، مع التركيز على التكافل البشري بين أبناء البلد الواحد (حملات التبرع بالدم على سبيل المثال)، وكذا حملات الإغاثة الدولية بين دون تسييس أو محاولة استغلال الكوارث الطبيعية لتحسين صورة دولة ما أو تنظيم دولي معين، و التركيز على مواضيع السلامة والتدابير الوقائية الواجب اتخاذها أثناء وقوع الكوارث. وعرج للحديث عن نقطة أخرى، تتمثل في ضرورة تفادي المواد الإعلامية الطويلة سواء من حيث المساحة أو الوقت وذلك دون الإخلال بأخلاقيات الإعلام، لأن الجمهور الحالي يفضل التعرض السريع للمعلومة كما أضاف. * الأخصائية النفسانية سميرة بوعندل المرافقة و التضامن يخففان أثر الصدمة أشارت الأخصائية النفسانية بمؤسسات ديوان الشباب بجيجل، سميرة بوعندل، بأنه من الواجب على العائلات التعاطي بحذر و ذكاء مع الصور و مشاهد الكارثة التي يتم تداولها بكثرة هذه الأيام، في الإعلام و على المنصات التفاعلية، لما لها من تأثير على نفسية الأفراد و بالخصوص الأطفال موضحة، بأن النقل المباشر للحدث بالصوت و الصورة في الإعلام قد يشكل صدمة للصغار و لفئة معينة من المشاهدين، ولذلك وجبت المرافقة والمراقبة الدائمة والمستمرة لما يتلقاه هؤلاء من مواد إعلامية وذلك لتجنب الصدمة وتأثيراتها و تبعاتها طويلة الأمد. وقالت الأخصائية، بأنه على الأهل شرح ما يحدث للأبناء وتبسيط المعلومة ليسهل استيعابها، مع الإجابة عن التساؤلات و طمأنة الصغير، مع ضرورة تجنب متابعة الأخبار لفترة طويلة و باستمرار والحديث عن ما يجري و إشغال الطفل أو الشاب بمسؤوليات يومية بلا من جعله ينتبه إلى الحدث المأساوي. ما يمكن للمعلمين في المدارس، اقتراح جمع مساعدات لأجل التضامن و المساهمة في تخفيف الأزمة على المتضررين من الكارثة، لأن ذلك سيخفف من أحساس الأطفال بالخوف و التألم من أجل المصابين. * أستاذ علم الاجتماع نعيم بوعموشة مشاهد المآسي تضاعف انفعال الخوف و توهم الخطر يرى أستاذ علم الاجتماع و الديموغرافيا بجامعة تامنراست نعيم بوعموشة، أن هناك تعاطيا مبالغا فيه مع أخبار الزلازل و الكوارث منذ المأساة الأخيرة، و هو ما ضاعف الأخبار والشائعات حول إمكانية تعرض بعض دول البحر الأبيض المتوسط لهزات مماثلة، بسبب ارتدادات زلزال تركيا العنيف وإمكانية حدوث تسونامي في البحر الأبيض المتوسط، وتناقل إشاعات عن حدوث زلازل في مناطق متفرقة من العالم، وفي ظل هذا الوضع، قال المتحدث، إن تفشى الشائعات يعد متوقعا عند حدوث الكوارث و الأزمات، وللأمر تبعات سلبية لأن الشائعات وحتى صور الدمار، تضاعف التوتر لدى الأفراد و تحيطهم بالخوف. وأضاف، بأن مواقع التواصل الاجتماعي تعد مصدرا للمعلومة بالنسبة لأفراد من المجتمع، لكن وجب الوعي بخطورة ما يتم تداوله عبرها، لأن ترويج البعض للشائعات من خلالها هدفه إثارة البلبلة حول إمكانية حدوث زلزال في الجزائر مثلا، خلال الساعات القادمة، الأمر الذي من شأنه بث الذعر و الهلع في أوساط المواطنين،خاصة وأن العديد من الدول تعرف موجات زلزالية متفاوتة القوة بين الحين والآخر. و أشار المختص، إلى أن نشر أفكار مضللة ومغلوطة حول إمكانية حدوث هزات أرضية في الجزائر، قد يضاعف من انفعال الخوف لدى البعض، إذ يتوهم الناس في هذه الحالة أمورا لا أساس لها من الصحة، وهم مستعدون لتفسير الحوادث العادية بطريقة خاطئة يمليها عليهم الخوف. و الإشاعة كما أردف، تترك آثارا سيئة على الحياة النفسية والاجتماعية للمواطن، كما تخلف هواجس نفسية تأتي على شكل أفكار وأوهام، يمكن أن تسبب حالة من الهشاشة النفسية و عدم القدرة على التكيف أو التأقلم مع ضغوطات الحياة اليومية ولذلك يجب بحسبه، الانتباه إلى أهمية المساندة النفسية والاجتماعية لهؤلاء الأشخاص في مثل هكذا مواقف، بغية تحقيق الأمن النفسي وخفض درجة المعاناة و الإحباطات التي يواجهونها بفعل الأحداث الضاغطة. * أستاذ علم الاجتماع عادل شيهب على الإعلام رفع مستوى الوعي بقضايا الصحة النفسية قال الأستاذ الباحث في علم الاجتماع بجامعة جيجل، عادل شيهب ، بأن وسائل الإعلام لا يجب أن تضع السبق الإعلامي كأولوية في تغطيتها لمثل هذه الأحداث، و أن تركز أكثر على دعم المبادرات الإنسانية لمساندة المتضررين من الزلزال، خاصة بالنسبة لسوريا لأنه مجتمع منهار يعاني العديد من المشاكل. و أوضح أستاذ علم الاجتماع، بأنه يمكن أن يكون للإعلام عدة تأثيرات إيجابية على الجوانب الاجتماعية والنفسية للأفراد والمجتمع ككل أثناء الكوارث الطبيعية مثل الزلازل على غرار توفير الدعم العاطفي، بحيث يمكن أن يكون الإعلام مصدرًا للراحة بفضل توفير المعلومات والموارد التي يمكن أن تساعد الأفراد والمجتمع على التعامل مع الإجهاد والصدمات المرتبطة بالكارثة، وكذا رفع روح المعنوية للأفراد عبر المساعدة في بناء الشعور الإيجابي بتسليط الضوء على الأعمال البطولية ومواقف الرحمة المختلفة مع كبار السن والأطفال والمرضى وحتى الحيوانات، بالإضافة إلى خلق جو من التقارب والترابط بين الأفراد المتضررين مع عائلاتهم في الداخل و الخارج. تحدث الباحث كذلك، عن دور الإعلام في رفع مستوى الوعي بقضايا الصحة النفسية، إذ يمكن لوسائل الإعلام أن ترفع الوعي حول الأثر النفسي للكوارث وأهمية التماس الدعم والعلاج لقضايا الصحة النفسية، من خلال استضافة المختصين النفسانيين والاجتماعيين وحتى الأطباء، بهدف الحديث عن العلاجات الأولية التي يمكن تقديمها للأفراد المتضررين من الزلازل، مع أهمية تبديد الشائعات والمعلومات الخاطئة التي يمكن أن تسهم في زيادة التوتر والقلق في أعقاب وقوع كارثة. و قال، إنه يفترض على وسائل الإعلام توفير الشعور بالأمل عبر تسليط الضوء على جهود التعافي والصمود والناجين بطرق عجيبة تحت وقع هول الزلزال، مما يوفر إحساسًا بالأمل والإلهام للأفراد والمجتمع المتضرر من الكارثة كي يلملم شتاته ويعيد بناء نفسه، مع تنسيق جهود الإغاثة من خلال تعزيز الحديث عن فرص التطوع والتبرعات والإمدادات اللازمة، مما يؤدي إلى استجابة أكثر فعالية وكفاءة مضيفا، بضرورة توفير الإحساس بالانتماء للمجتمع والدعم أثناء وقوع الكارثة، وربط الأفراد والمجتمعات بالمعلومات والموارد التي يحتاجون إليها، وتسليط الضوء على جهود المستجيبين الأوائل والمتطوعين.