العمل التّطوّعي فضاء للتّعبير عن الانتماء للمجتمع هناك نضج في استخدام مواقع التّواصل الاجتماعي تشهد جميع ولايات الوطن هبّة تضامنية واسعة من قبل المواطنين والجمعيات مع سكان المناطق المتضررة من حرائق الغابات بالطارف وسوق أهراس وسطيف وعنابة، وتتواصل حركة المساعدات والقوافل التضامنية والتبرعات والإعانات لفائدة الضحايا الذين باتوا دون مأوى بعد أن التهمت ألسنة النيران منازلهم ودمرت ممتلكاتهم. جسّد أبناء الجزائر مرة أخرى أسمى قيم معاني التضامن والعمل الخيري التطوعي، ورسموا صور التآخي واللحمة الوطنية والتكافل الاجتماعي في المحن والأزمات التي تمر بها البلاد، عبر تجنّدهم جميعا لمساعدة وإغاثة المتضررين في الحرائق التي اجتاحت عددا من ولايات الوطن لاسيما الشمالية الشرقية، وخلّفت أضرارا بشرية ومادية كبيرة، ناهيك عن الآثار النفسية على العائلات التي عاشت جحيما حقيقيا بعد أن حاصرتها الحرائق من كل جهة. وساهمت بعض الصّفحات النّاشطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في جمع التبرعات، وتنظيم نقل هذه المساعدات الإنسانية من خلال تنشيط قوافل التضامن، ودعوة المواطنين لمد يد العون للسكان المتضررين، وتقديم الدعم لهم كل بطريقته الخاصة وبإمكانياته، إذ لم تتوقف المواقف التضامنية للشّعب الجزائري بعدما هبّ هبة رجل واحد من مختلف ربوع الوطن لنقل التبرعات التي تشمل المواد الغذائية والأغطية والأفرشة والأدوية والمواد الصيدلانية وغيرها من التبرعات. في هذا الإطار، أبرز الباحث في علم الاجتماع الدكتور نعيم بوعموشة أهمية التضامن الاجتماعي بين أفراد المجتمع الجزائري، الذي يحظى باهتمام خاص من قبل أبناء الجزائر، وليس بالجديد عليهم لما له من أهمية بالغة في تنمية المجتمع، وبناء قيم وروابط اجتماعية إيجابية تجسّد مبدأ التكافل الاجتماعي، والدليل على ذلك الهبة التضامنية الواسعة من قبل المواطنين لتقديم المساعدة المعنوية والمعنوية للمتضررين في الحرائق الأخيرة. وأشار إلى أنّ العمل التطوعي يكتسب أهمية متزايدة يوما بعد يوم، ويعبّر عن إرادة وطنية نابعة من تصميم المواطنين في المجتمع الجزائري على تجاوز مختلف الأزمات، والأخذ بزمام المبادرة في مواجهة المشكلات الاجتماعية، موضّحا أنّ التكافل الاجتماعي والتضامني يعتمد في نجاحه على عوامل عدة، في مقدمتها المورد البشري وبشكل خاص فئة الشباب، الذين يمثلون رأس المال الاجتماعي للأمة، وذلك بمشاركتهم الايجابية في العمل التطوعي، الذي يمثل فضاء رحبا ليمارس الشباب ولاءهم وانتماءهم لمجتمعهم بدافع الانتماء والواجب والإحساس بالمسؤولية. وأضاف الباحث في علم الاجتماع، أنه بحكم الانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي التي تستقطب شريحة كبيرة من فئات المجتمع وخاصة الشباب، تم استغلال هذا الفضاء كشريك فاعل يسهم بقدر كبير في تفعيل النشاط التضامني والترويج للنشاط التطوعي وثقافة التطوع خلال الأزمات والكوارث، ما يؤكد أن هناك نضج يميز استخدام تلك المواقع. وتابع الدكتور بوعموشة في ذات السياق، أن العديد من الشباب الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي يدعون لتنظيم حملات تطوعية لتقديم المعونة للمتضررين من الحرائق الأخيرة التي مست عدة ولايات من الوطن، وقد لاقت هذه المبادرات إقبالا واسعا من قبل مختلف شرائح المجتمع الجزائري، ما يؤكد على التجسيد العملي لمبدأ التكافل الاجتماعي. التّضامن الاجتماعي ينبغي أن يستمر بنفس الوتيرة أكّد الباحث في علم الاجتماع، أنّه لا يختلف اثنان في أن الهدف من التضامن الاجتماعي يكمن في نشر التماسك الاجتماعي بين المواطنين وتقوية الترابط الاجتماعي بين فئات المجتمع المختلفة، مشيرا إلى أن التضامن الاجتماعي يمر عادة في سياق التحولات البنيوية المجتمعية باختبارات صعبة، تمتحن فيها القيم والمؤسسات والأطر الاجتماعية من أجل تحديد قدرتها على الحفاظ على لحمة المجموعة وحفظ تماسكها ووحدتها، وتجسيد ذلك في سلوكات وممارسات، إضافة إلى تجديد معاني التآزر والتكاتف والتعاون. ويرى بأنّ التضامن والتكافل الاجتماعي تزداد درجته بين أفراد المجتمع الجزائري في أوقات الكوارث والنكبات مثل ما نعيشه اليوم على ضوء انتشار موجة الحرائق، قائلا إنّ هذه المبادرات الإنسانية والهبات التضامنية لمختلف أطياف وشرائح المجتمع الجزائري ينبغي أن لا تكون مجرد مواكبة للمرحلة، وإنما يجب أن تستمر بنفس الوتيرة بعد انقضاء هذه المرحلة كون هذا الفعل الاجتماعي يستند إلى تعاليم الدين الإسلامي، وينبع من قيم وتقاليد المجتمع الجزائري، قائلا إن الواقع الاجتماعي أثبت أن العمل التضامني مستمر، وتزيد وتيرته على ضوء انتشار الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والحرائق وغيرها. وأضاف الدكتور بوعموشة، أنّ ثقافة العمل التطوعي والتضامن الاجتماعي في الجزائر تغلغلت في المجتمع الجزائري، وتشهد إقبالا كبيرا عليها خاصة من قبل الشباب، الذين اقتنعوا بفكرة المسؤولية الاجتماعية، وبالتالي فإن هذا السلوك الاجتماعي هو تعبير صريح عن مدى الوعي والنضج الذي وصل إليه أبناء هذا المجتمع.