فجرت وسائل إعلام عالمية، أمس، فضيحة من العيار الثقيل بنشر تحقيق صحفي مشترك أظهر ضلوع الصحافي الفرنسي ذي الأصول المغربية، رشيد مباركي، في تسريب معلومات مضللة ومتحيزة في القناة الفرنسية «بي آف آم»، من خلال تقلي عمولات من وكالة تجسس إسرائيلية، والتي قامت باستحداث آلاف الحسابات المزيفة وبقرصنة حسابات سياسيين مع التدخل في توجيه الانتخابات ببعض الدول طيلة عقدين. وكشف تحقيق أطلق عليه «قتلة القصة»، أجراه صحفيون فرنسيون مع المنظمة الفرنسية المستقلة «فوربيدن سترويزز»، أن تلفزيون «بي أف أم» بث معلومات قدمتها وكالة تضليل إسرائيلية يديرها أفراد سابقون في الجيش والمخابرات، ويأتي ذلك بعد أسابيع قليلة من تفجر فضيحة تورط الصحافي ذي الأصول المغربية، رشيد مباركي، الذي يعمل في القناة منذ سنة 2005، في بث معلومات متحيزة على الهواء تروج لكون الصحراء الغربية جزءا من التراب المغربي. وتم إيقاف الصحافي قبل أيام من قبل مدير القناة، الذي قال للموظفين، بحسب ما نقلته وسائل إعلام فرنسية أمس، إنه كان عليه اتخاذ هذا القرار بعد أن تم تنبيهه إلى وجود معلومات متحيزة محتملة يتم بثها على الهواء، وذلك من طرف الصحافي فريديريك ميتيزو، الذي كان يعمل حينها في وحدة التحقيق في «فرانس راديو» كجزء من تحقيق «قتلة القصة» الذي دام لأكثر من ستة أشهر. وبحسب التحقيق فإن الوكالة السرية الإسرائيلية المسماة «فريق جورج» تؤكد قدرتها على تجنيد صحفيين من وسائل الإعلام الأجنبية الكبرى مقابل مبالغ مختلفة تُدفع بالأورو، وأضاف مُعدو التحقيق الذين اقتربوا من الفريق متنكرين كعملاء محتملين متظاهرين بأنهم مستشارون يعملون لصالح دولة أفريقية غير مستقرة سياسيا أرادت المساعدة في تأخير الانتخابات، أنه خلال إحدى مناقشاتهم مع الوكالة، أظهر قادتها مقطع فيديو من 19 سبتمبر 2022 يظهر فيه رشيد مباركي، وهو يتطرق في قناة «بي آف آم» إلى الصعوبات التي واجهتها صناعة اليخوت في موناكو بعد فرض عقوبات على الأوليغارشية الروسية. وبمجرد البث، تم عزل هذا المقطع وتوزيعه على نطاق واسع على تويتر باستخدام وسائط التأثير المتقدمة المعروفة اختصارا ب «آيمز». وكان الغرض من هذا التدخل هو تشويه سمعة العقوبات المفروضة على روسيا، وقد تم نقل معلومات متحيزة أخرى من قبل مباركي، مثل القضية المتعلقة بإدارة ميناء دوالا في الكاميرون. التحقيق المشترك الذي أعده فريق من 30 صحفيا أجنبيا بالتعاون مع منظمة «فوربيدن ستوريز»، كشف أيضا عن ضلوع وكالة التجسس الإسرائيلية في التلاعب ب 33 عملية انتخابية حول العالم ولأكثر من عقدين، باستخدام القرصنة والمعلومات المضللة الآلية على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال روبوتات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تحاكي السلوك البشري، وهي مرتبطة بجيش ضخم من ملفات تعريف الوسائط الاجتماعية المزيفة التي يتحكم فيها برنامج مصمم لنشر الدعاية. 30 ألف حساب مزيف لحملات التضليل ويدير الوحدة السرية ضابط سابق في القوات الخاصة الإسرائيلية في الخمسينات من العمر يدعى تل حنان، ويستخدم «جورج» كاسم مستعار. وبيّن التحقيق كيف كان حنان وفريقه يجمعون المعلومات الاستخباراتية عن المنافسين، بما في ذلك استخدام أساليب القرصنة للوصول إلى حسابات «جيمايل» وكذلك «تيليغرام» الذي يُفترض أنه تطبيق مراسلة مشفر. وأظهر التحقيق بحسب صحيفة «ذا غاردين» البريطانية التي بثت لقطات سرية خلال اجتماع ثلاثة صحفيين متنكرين بهويات أخرى مع فريق الشركة الإسرائلية، أن هذه الأخيرة تتحكم في 30 ألف حساب مزيف متعدد الجنسيات بخلفيات رقمية كاملة تعود إلى سنوات وتُستخدم فيها صور يعود العديد منها إلى حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لأشخاص حقيقيين، حيث تتحكم وحدة المعلومات المضللة في عدد كبير من الصور الرمزية ذات الملفات الشخصية المزيفة على منصات التواصل. وتبيع الوحدة الواقعة في منطقة صناعية في موديعين بين تل أبيب والقدس المحتلة، خدمات القرصنة والوصول إلى جيش واسع من ملفات تعريف الوسائط الاجتماعية المزيفة، ويكشف التحقيق عن تفاصيل صادمة حول كيفية حشد المعلومات المضللة من قبل «فريق جورج»، الذي يدير خدمة خاصة للتدخل سرا في الانتخابات دون أي أثر. وأخبر «حنان» المراسلين السريين أن خدماته، كانت متاحة لوكالات استخبارات وأحزاب سياسية والشركات الخاصة التي أرادت التلاعب بالرأي العام سرا، وقال إنهم استخدموا في إفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى والولايات المتحدة وأوروبا. ويتم التحكم في جيش ضخم من آلاف الملفات الشخصية المزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي على غرار تويتر، لينكد إن، فيسبوك، تيلغرام، جيمايل، يوتيوب، حتى أن بعض الصور الرمزية لديها حسابات أمازون مع بطاقات ائتمان ومحافظ بيتكوين وحسابات بالموقع الشهير لتأجير السكنات «آر بي أن بي». تقنيات قرصنة للوصول إلى حسابات «جيمايل» و«تيليغرام» وقد تم تصوير لقطات سرية من قبل معدي التحقيق، الذين اقتربوا من فريق «جورج»، وخلال أكثر من ست ساعات من الاجتماعات المسجلة سرا بين شهري جويلية وديسمبر 2022، تحدث حنان وفريقه عن كيفية جمع المعلومات الاستخبارية عن المنافسين، بما في ذلك استخدام تقنيات القرصنة للوصول إلى حسابات جيمايل وتيليغرام، وكان أعضاء الفريق يظهرون تفاخرا بذلك بحسب ما أظهرته لقطات الفيديو المسربة، حيث قالوا إنهم يقومون بزرع المواد في المنافذ الإخبارية الشرعية، والتي يتم تضخيمها بعد ذلك بواسطة برنامج لإدارة الروبوتات، كما تباهى «جورج» بقدرته على إنشاء ما بين 3000 و 5000 ملف تعريف مزيف أسبوعيا على الشبكات الاجتماعية. وقال التقرير إن حنان يكون قد أجرى بعض عمليات التضليل على الأقل من خلال شركة إسرائيلية مسجلة على موقع إلكتروني تديره وزارة الدفاع الإسرائيلية لتعزيز الصادرات الدفاعية. ووصف «حنان» أعضاء فريقه بأنهم «خريجو الجهات الحكومية»، من ذوي الخبرة في التمويل ووسائل التواصل الاجتماعي والحملات، فضلا عن «الحرب النفسية»، ويعملون من ستة مكاتب حول العالم مقابل مبالغ تصل إلى 15 مليون يورو عندما يتعلق الأمر بالتدخل في الانتخابات. وفي مقطع فيديو موجه إلى عملائهم يلخص خبرتهم، يتباهى أعضاء الفريق بأنهم شاركوا في تخريب العديد من الانتخابات، بما في ذلك على وجه الخصوص الاستفتاء الأول على استقلال كاتالونيا الذي تم تنظيمه في 9 نوفمبر 2014. وكشفت وثائق مسربة أخرى أن الوكالة عملت سرا على السباق الرئاسي النيجيري في عام 2015، إلى جانب شركة «كامبريدج أتلانتيكا» الضالعة في فضيحة تسريب بيانات الملايين من مستخدمي فيسبوك، والأخطر من ذلك هو التلاعب بحسابات سياسيين في إفريقيا وإرسال رسائل منها بعد اختراقها، وقال «حنان» للمراسلين إن بعض أساليب القرصنة التي استخدمها استغلت نقاط الضعف في نظام اتصالات الإشارات العالمي «آس آس 7»، والذي اعتبره الخبراء لعقود من الزمن نقطة ضعف في شبكة الاتصالات. وكشف التحقيق أن «تيم جورج» كانت تعمل على زرع الفتنة داخل العشائر التي تتحكم في مقاليد السلطة، والاستفادة من تواطؤ موظفي شركات الهاتف المحلية للتنصت على الأهداف، فيما تبلغ تكلفة التنصت على المكالمات الهاتفية 50000 يورو. وتتبع فريق الصحفيين نشاط الوكالة السرية، وتبين ضلوعها في نزاعات تجارية في الغالب في حوالي 20 دولة منها المملكة المتحدة، والولايات المتحدةالأمريكية، وكندا، وألمانيا، وسويسرا، واليونان، وبنما، والسنغال، والمكسيك، والمغرب، والهند. وتُستخدم تقنيات عديدة لإضفاء مصداقية على الصور الرمزية وتجنب أنظمة اكتشاف الروبوتات التي أنشأتها المنصات التقنية. وقال «حنان» إن الروبوتات الخاصة به مرتبطة بأرقام هواتف تم التحقق منها عبر الرسائل القصيرة، وبعضها لديه بطاقات ائتمان، وقدم صحفيون صحيفة «ذا غاردين» البريطانية كمثال عن ذلك، جعل حسابات مزيفة تبدو أنها لأشخاص بريطانيين حقيقيين، أعادوا تغريد المقالات الإخبارية من الجارديان، وبي بي سي، وديلي ميل، والتليجراف، وأظهروا اهتمامًا بالعائلة المالكة، حتى أنهم نشروا نكتا مرحة عن الطقس والطعام البريطاني، بالإضافة إلى صور مناظر خلابة من ويلتشير ويوركشاير، بما يفور لها بعض المصداقية، قبل أن تبدأ فجأة في التعبير عن وجهات نظر سياسية.