سليم بوفنداسة أصاب السّرطان أحد أكبر كتّاب الرواية، وهو بعدُ في السّادسة والسبعين بملامح فتوّة أبديّة وبمتواليّة من الفانتزيات منحت الأدب المكانة والشّغف في زمن المرئيات، وقدّمت أبناء إمبراطوريّة العصر ككائنات هشّة في معارضةٍ بديعةٍ للصّورة النمطيّة التي رسّختها السينما عن الإنسان الأمريكي الخارق في مخيال سكّان كوكبنا. الروائية سيري هاستفيت، أعلنت الخبر الحزين هذا الأسبوع لقرّاء زوجها بول أوستر، المنتشرين في كلّ اللّغات، والذين كانوا ينتظرون ما سيجود به السّاحر ككلّ مرة، فإذا بهم أمام حلقة جديدة من مصائب هذا الكاتب الذي فقد منذ نحو سنة ابنه وحفيدته في ظروف مأساويّة، والأمل معقود على الطبّ، ليكمل أوستر دورته بين الحياة والأدب على طريقة أبطاله، كبطل "ليلة الوحي" الخارج من موتٍ مؤكد ليروي أو بطل "رجل في الظلام"، فأر الكُتب الذي يقصّ على نفسه قصصًا غير مجدية "كي لا يفكّر فيما يرغب في نسيانه" في ليالي عزلته الطويلة، لأنّ العالم في حاجةٍ إلى راويّةٍ من طراز أوستر، يجمع بين الشعريّة والإمتاع الذي هو غاية كل قصّ والخيال الذي يجعل الجنون واقعًا يسهل تصديقه، في حياة غريبة ينهض بها مشروع سردي ينطلقُ من همّ فرديّ قابلٍ للتعميم، من موت أبٍ لم يترك الأثر الذي يذكر به في "اختراع العزلة"، حيث يصفّي أوديب الأمريكي حساباته المتأخرة مع الأب والعائلة، إلى غاية الدعوة على أمريكا ذاتها واختراع حربٍ أهليّة تفكّك اتحادها في "رجل في الظلام". إنه كاتب العزلة الإنسانيّة والملحمة الأمريكيّة في آنٍ، أخطأه الشّعر فأصاب الرواية وجمع بين القيمة الفنيّة في أدبه والانتشار الجماهيري في معادلة نادرة لم تحقّقها سوى قلّة من الكتّاب، خرج كتّابٌ كثرٌ من رواياته لكن الأصل حافظ على فرادته ولمعانه، منذ ألقى بثلاثيته النيويوركيّة التي شدّت إليه الأنظار لأول مرّة وإلى الأبد. امتلك الشجاعة ليهجو أمريكا التي فرضت حروبها على العالم خصوصًا في عهد بوش الثاني، وتتبّع جيانولوجية العنف في"بلد الدم" حيث يُطلق النّاس النّار بدم بارد. و تبدو أمريكا التي صاغها أوستر أكثر إنسانيّة و حميميّة وهشاشة من أمريكا التي اختلقتها السينما ونزلاء البيت الأبيض وتجّار النّفط والسّلاح.