امتلأت الأسواق القسنطينية في الآونة الأخيرة، بأنواع مختلفة من الخضر والفواكه غير الطازجة، التي يعرضها تجار التجزئة في محلاتهم وعلى طاولاتهم النظامية أو الفوضوية، وهي طريقة لجأ إليها الفلاحون واعتمدها تجار الجملة والتجزئة هربا من شبح الحرارة المرتفعة والجفاف والتغيرات المناخية التي تهدد المحاصيل الزراعية وتؤدي إلى تلفها في وقت وجيز، لكنها تبقى واقعة يرفضها المواطنون الذين وجدوا أنفسهم أمام منتجات لم تنضج بالشكل الكافي، كما يحذر من تناولها أخصائيون في التغذية نظرا لما لها من آثار سلبية على صحة المستهلك. تشير الساعة إلى الحادية عشرة صباحا، عندما ولجنا سوق الجملة لبيع الخضر والفواكه « بوليغون» الكائن بالمنطقة الصناعية بالما بقسنطينة، والهدوء يخيم على جميع أركانه، بعدما أغلقت معظم الدكاكين أبوابها وهمت شاحنات التجار بمغادرة المكان محملة بصناديق سوداء تحتوي على خضر وفواكه متنوعة، فيما تم ملء أخرى بحبات من البطيخ الأخضر والأصفر المتراصة جنبا إلى جنب، وهذا ما التقطته أنظارنا في اللحظات الأخيرة. جُبنا المكان بجميع أروقته، تحت أشعة شمس حارقة، فلم نجد إلا محلا واحدا بالجهة اليمنى لم يغلق بعد، وجدنا صاحبه يقوم بصف صناديق الإجاص و»النكتارين» جنبا إلى جنب وسط المحل، بعد أن استلمها صبيحة هذا اليوم، فيما كان يوزع صناديق الليمون التي وصلته منذ أيام على الأطراف، ويغطيها بقطعة قماش كبيرة إلى أن تنضج جيدا وتُقدم للبيع. خوف من تلفها بسبب الحرارة المرتفعة والظاهر من خلال ما يعرض بالمحل من فواكه، أن كل حبة منها لم يكتمل نضجها بعد، ولم تأخذ لونها وحجمها الأصلي الذي يدل على حلاوتها، فحبات الإجاص كلها صغيرة بحجم قبضة اليد وذات لون أخضر قاسية الملمس، أما حبات النكتارين التي اعتدنا على أن تزين الأسواق بلونها الأحمر الجذاب وقوامها اللين، فقد غلب عليها الأبيض هذه المرة وغطى على اللون الأصلي، وهو الأمر الذي وقفنا عليه كذلك بأسواق التجزئة بالمدينة القديمة، وشملت أنواعا أخرى من الفواكه على غرار التفاح والبرقوق الأحمر والأصفر والفراولة وحتى البطيخ، ناهيك عن الخضر وبالأخص الطماطم التي تباع غالبيتها صلبة وبلون أحمر منقط بالأبيض أو الأصفر. وما وقفنا عليه خلال جولتنا الاستطلاعية، إن التجار لا يجدون حرجا في عرض منتجاتهم غير الطازجة على مرأى من الزبائن وبنفس سعر بقية السلع الطازجة، فيما يغش آخرون الزبون بصف حبات الخضر والفواكه الناضجة من الأعلى وبالجهة المقابلة لزوار السوق، فيما تكدس الحبات الفاسدة وغير الطازجة بالأسفل ومن جهة البائع، ليملأ كيس المشتري في الأخير بمنتج لم يختره. وأخبرنا تاجر جملة، أن هذه الطريقة اعتمدها الفلاحون وأصحاب المحاصيل الزراعية لحماية الخضر والفواكه من التلف في حال تعرضت لدرجات حرارة مرتفعة، إذ يتم قطفها قبل نضوجها مع احتساب الوقت المستغرق في نقلها إلى تجار الجملة ومن ثم إلى أسواق التجزئة، حتى تصل إلى الزبائن وهي طازجة أو تحتاج يومين إلى خمسة أيام لتنضج بمنزل المشتري، مضيفا في ذات السياق، إن منتوج هذه السنة يقل جودة عن محاصيل السنة الماضية، والجميع حسبه، يشتكون من تغير مذاق الفواكه الذي فقد حلاوته، مرجعا السبب إلى الاضطرابات المناخية التي شهدتها الجزائر هذه السنة ونزول الأمطار في غير وقتها، الأمر الذي أدى إلى إصابة الأشجار والمحاصيل ببعض الأمراض التي وجد الفلاحون صعوبة في معالجتها. يستحسن استهلاكها ناضجة وترى مختصة التغذية وردة حمامة، إنه من الأحسن استهلاك الخضر والفواكه في مرحلة النضج لاكتمال فوائدها، ولهذا لا يجب على المشتري أن يقتني منتجات غير طازجة، والتي يبيعها التجار والفلاحون قبل نضجها، خوفا من تلفها بسبب درجات الحرارة المرتفعة وأشعة الشمس الحارقة، مؤكدة في ذات السياق، على ضرورة نقع الفواكه والخضر في الماء والخل مدة ربع ساعة قبل تناولها، حتى يحمي المستهلك صحته من التلوث الذي قد يصيب المحاصيل، خصوصا في حال تم سقيها بمياه ملوثة، مضيفة إنه من المستحسن أكل الفواكه قبل وجبة الطعام، كي تؤدي الإنزيمات الموجودة بالفواكه دورها وتحسن عملية الهضم. تسبب قرحة المعدة وتستهلك مخزون الكالسيوم من جهته قال أخصائي التغذية، محمد عبد القادر لزرق، إن الفواكه غير الناضجة لا تحتوي على أية فوائد غذائية، ما يجعلها تتفاعل كيماويا مع جدار الأنبوب الهضمي فتُقرِحه، فضلا عن كونها تستهلك الكالسيوم الذي يحتاجه الجسد، فيما قد يؤدي تناولها بعض الأحيان إلى الإصابة بتسمم غذائي، ناهيك عن احتوائها على نسب قليلة من السكر ما يجعل مرضى السكري يفضلون تناولها غافلين عن أضرارها الوخيمة على الجهاز الهضمي. كما نصح لزرق، بتخزين الفواكه غير الطازجة في حال تم اقتناؤها، بأكياس ورقية مدة تتراوح من يومين إلى 5 أيام وبمكان دافئ إلى أن تنضج، متحدثا بذات السياق، عن ظهور أنواع جديدة من الفواكه لم تُعهد في السابق تُعرض بالأسواق من مصادر مجهولة، والتي تم الحصول عليها عن طريق التهجين، محذرا من تناولها هي وكل ما يعرض على قارعة الطريق تحت أشعة الشمس. حموضة عالية تحتويها الفواكه غير الطازجة وقالت أستاذة محاضرة بمعهد التغذية بجامعة قسنطينة 1 اختصاص خضر وفواكه، فايزة عدوي، إنه عندما لا تصل الفاكهة إلى مرحلة النضج لن تكون بها نسبة فيتامينات وسكريات عالية لأن نموها لم يكتمل بعد، والذي يظهر جليا للزبون من خلال مذاقها ولونها ورائحتها، كون الفلاح يقطفها قبل نضجها فور ملاحظته كبر حجمها كالتفاح والإجاص والنكتارين، على اعتبار أنها ستكمل نضجها بعد وصولها إلى تجار الجملة والتجزئة، وهذه الأنواع ليس لها أضرار من الناحية الصحية، في حين أن قطف العنب والبرقوق قبل نضجهما فعل خاطئ، فهذا النوع لا ينضج بعيدا عن الشجرة بل يظل طعمهما حامضا، وهي معلومات يعلمها الفلاح، لكن حين تكثر الطلبيات عليه يسارع في نزعها قبل موعد نضجها. وأوضحت عدوي، إن ما يميز الفواكه الطازجة عن غيرها، إن كمية الحموضة التي تحتويها تتحول مع النضج إلى سكر لا يضر بصحة مستهلكيه، في حين إن الحموضة العالية بالفواكه غير الطازجة تضر بصحة الشخص، خصوصا من يعانون من اضطرابات معوية أو معدية، في حين لا يتأثر الإنسان السليم بشكل كبير، فضلا عن كون الجسم لن يستفيد من فيتامينات الفواكه غير الناضجة التي تكون ضئيلة مقارنة بالطازجة، أما بالنسبة للفواكه غير الطازجة ذات المذاق غير الطبيعي، فهي في الأصل تحتوي كمية كبيرة من النشاء الذي لم يتحلل إلى سكريات بسيطة مثل التفاح، الأمر الذي من شأنه أن يسبب اضطرابات معوية وعسرا في الهضم. وأكدت المتحدثة، إن الحفاظ على الخضر والفواكه طازجة يتطلب توفير شروط معينة عند نقلها وتخزينها، خصوصا وأن المياه تشكل 95 بالمائة من تركيبة الفواكه، ما يجعلها قابلة للتلف بسرعة لانتشار البكتيريا والفطريات، لهذا يجب مراعاة أن تكون الحرارة تقل عن 20 درجة مئوية مع توفير رطوبة ملائمة، مع تجهيز الشاحنات بمبردات.