الانتقال بين الأنواع الأدبية نوع من التجديد الإبداعي أكد أمس، الشاعر والروائي أحمد عبد الكريم، خلال جلسة منتدى الكتاب بالمكتبة العمومية «مصطفى نطور» بقسنطينة، على ضرورة الانتقال بين الأنواع الأدبية والشعرية، لضمان مزيد من الإبداع والتميز والتجديد للخروج من الركود الذي تعرفه الساحة الثقافية في الجزائر والأدبية بشكل خاص. وذكر المتحدث، في لقاء نظمه بيت الشعر الجزائري بقسنطينة، ضمن برنامج شرفات، أن انتقاله من الشعر الذي يبدع فيه إلى الرواية، يحتكم لأسباب عدة منها تحول الأعمال السردية والرواية إلى ديوان العصر، الذي يلقى اهتماما من الجميع في وقتنا الحالي، فضلا عن أن الشعر قد ضاق به في فترة من الزمن وأصبح يحده عن التعبير بحرية وطلاقة أكثر، مع ذلك فإنه لم ينس الشعر أو تخلى عنه لأنه أول عتبة تخطاها نحو عالم الأدب. وعن القصيدة العمودية قال، إنه لا يقف ضد هذا النوع لكنه لا يحبذ النمطية القاتلة والتكرار المميت المتداول في الآونة الأخيرة، ما أفقد هذه القصيدة روحها وحيويتها وقيمتها وقوتها الحقيقية التي كانت تمتاز بها في الأزمنة الماضية، أين كان الشاعر يعطي لكل حرف قيمته ودلالته، مستعينا بأدوات البلاغة العربية من تشبيه وكناية وطباق وسجع وغير ذلك، ليضفي عليها جمالية مميزة تزيد من قوة القصيدة وروعتها، كما يسقط الأبيات على نظام التفعيلات في بحور الشعر فيضمن سلامتها وسلاستها وصياغتها بالشكل المناسب الذي يحفظ القافية في نهاية كل عبارة بصوت يُمنح ثقلا قويا يمكن تذوقه أثناء القراءة. وركز المتحدث، على ضرورة احترام النقد البناء الدقيق الموجه للقصائد العمودية أيا كان كاتبها، لأنه يساعد في الوقوف على الأخطاء والثغرات التي تتخلل الكلمات وتتوسط الجمل، و تدارك المغالطات اللغوية والكتابية ومعالجتها إما قبل النشر أو عند كتابة عمل شعري آخر، مشيرا إلى أن كل شكل شعري مهما كان نوعه، سواء قصيدة عمودية أو نثرية أو قصيدة التفعيلة، يجب أن يتسع للنقد وتتم مراجعته من قبل نقاد بارزين وناجحين في المجال، فحتى في القصائد العمودية نجد أعمال جميلة تستحق القراءة حسبه، وأخرى لا تنتمي للشعر وتبقى مجرد نظم جاف ليس فيه روح أو إبداع، وبعضها يستحق وبحق القراءة والاستمتاع. وقال الشاعر، إن قصيدة النثر هي خيار يكتبه الشاعر بوعي، بعد أن يمتلك رصيدا غنيا من التراث الشعري بمختلف أنواعه، سواء كان عربيا أو عباسيا أو معاصرا أو عالميا، كما لا يجب إنكار أن قصيدة النثر قد وردت إلينا بتأثيرات عالمية، مثلها مثل الرواية التي تم استلهامها من الغرب، رغم وجود جذور للسرد عند العرب منذ القدم كمؤلف ألف ليلة وليلة، إلا أن ترسيخها في الواقع المعاصر بين الأدباء والكتاب كان بتأثير غربي. وأضاف، أن على كاتب القصائد النثرية، أن يكون مثقفا وملما بمعلومات مختلفة ومطلعا وقارئا جيدا متدبرا، فضلا عن امتلاكه لصفات أخرى تساعده على التخيل والحس والتصور، مع ضرورة اعتماده على الموسيقى الداخلية، التي لا تكون في العادة من نصيب كل البشر، لهذا لا يجب الاستسهال في خط مثل هذه الأعمال الأدبية. وحسب المتحدث، فإن جل الشعراء العرب قد بدأوا مسارهم الأدبي، بكتابة القصائد العمودية، التي تشبه من الناحية الشكلية القصائد العربية القديمة، لكنها تبقى تجربة قرائية سرعان ما يتم تجاوزها، والانتقال إلى مرحلة أخرى في الأدب، فمحمود درويش من أبرز الشعراء العرب الذين حدثت معهم النقلة، إلا أنه ظل وفيا للبلاغة والجملة العربية، وأرجع عبد الكريم السبب، إلى ضيق أفق الشعراء بالأشكال الكتابية التي تحد من مساحة حريتهم التعبيرية. و الشاعر أو الكاتب ملزم حسبه، بالاحتكام إلى عمله والفن الأدبي الذي ينتمي إليه، فلا يأخذ دور الخطيب أو الصحفي أو السياسي، لأن للشعر وظيفته الجمالية التي يجب المحافظة عليها دون إقحامه في سياقات وظائف أخرى لا ترتبط به، وفي حال أريد التعبير عن قضية سامية، يكفي الارتقاء بمعانيها جماليا، حتى تلامس أحاسيس الناس وتشاركهم همومهم. وتحدث الروائي أيضا، عن خوضه لتجربة ترجمة أعمال أجنبية إلى العربية قائلا، إن أصعب ما في الترجمة هو إعادة صياغة الكلمات والعبارات، حتى يستطيع القارئ العربي أن يتلقاها و يفهمها ويستمتع بها وهي مكتوبة باللغة الأصلية، مضيفا، أن الترجمة لا تتوقف عند هذا الحد وفقط، بل يجب عيش حالة الكاتب الأصلي لإيصال روح الحكاية أو القصة أو النص، بالدلالات والإيحاءات و المعاني الخفية، وهو تماما ما حدث معه وهو يترجم ديوانا لمؤلف فرنسي يرثي فيه محبوبته كما قال، إذ تنبه إلى عمق الكاتب وحسه المرهف الذي قاده للاستلهام من الصوفية دون أن يدرك وكأنه متصوف بسليقته وسجيته. كما أشار عبد الكريم، إلى ضرورة اعتماد دور النشر على مدققين لغويين، لمراجعة الأعمال الأدبية والشعرية قبل نشرها، حتى نضمن حسبه، مادة نقية ونظيفة تخرج للقارئ فيستمتع بتفاصيلها وسلاسة الانتقال بين الكلمات والأفكار، وقد كان المتحدّث بين الفينة والأخرى يُلقي على مسامع الحضور مقاطع من قصائده الشِّعرية التي خطّها قلمه في أزمنة متباينة، فيرفع مقامات صوته تارة ويُخفضها تارة أخرى، حتى يعطي للكلمة حقها ومستحقها ويزيدها قوة ورِفعة وتأثيرا، فتعلو دلالاتها وإيحاءاتها لتستحوذ على فكر الحاضرين وتُسافر بالمخيال الأدبي بين المترادفات والمتضادات.